شموع النهار

الأوراد/ الورد السادس (١٢٦-١٥٠)

هذا ملخص يتضمن أهم النقاط الرئيسية والأفكار المهمة؛ لذا هو لا يغني عن الكتاب، صممناه لكم بشكل مريح يساعد على ترتيب المعلومة وفهمها

  • بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، و بعد : فهذا استعراض لأهم الأفكار والنُقاط الموجودة في الورد السادس، وكما سبق أنه لا زال الكلام حول الدليل الأول من الأدلة العقلية الدالة على وجود الله -تبارك وتعالى- وهو: دليل الخلق والإيجاد. ولاحظتم في الورد السابق أنَه بدأ الكلام حول أهم الاعتراضات التي أوردها الخطاب الإلحادي على هذا الدليل . وتحدثنا في الكلمة الماضية عن الاعتراضات التي وُجهت للمقدمة الأولى لدليل الخلق والإيجاد، فمثل ماذكرنا سابقًا أنَ دليل الخلق والإيجاد يتأسس على قضيتين أساسيتين : -أن كل ماله بداية فلا بد له من سبب. -الكون له بداية فلا بد له من سبب . -والسبب المُوجب لوجود الكون هو الله عزوجل . فننتقل الآن لأهم الاعتراضات التي قيلت في المقدمة الثانية وهي (الكون له بداية). أهم الاعتراضات التي وُجهت لهذه المقدمة هي: دعوى ان الكون الذي نحن فيه كون أزليٌ لا بداية له. أحد الإشكاليات التي تعصف بالخطاب الإلحادي أن عامة الملاحدة يُقرون بنظرية [الانفجار الكبير] وأحد تجليات فكرة الانفجار الكبير: أن الكون الذي نحن فيه له بداية ابتدأت المادة وابتدأت الطاقة بل ابتدأ الزمان والمكان مع لحظة الانفجار الكبير, لم يكن قبل هذه اللحظة لا مادة ولا طاقة ولا زمان ولا مكان بحسب رؤية الخطاب الإلحادي وذلك يستلزم ضرورةً وجودَ سببٍ أوجب حدوث الكون وحدوث العالم. فيسعى بعض الملاحدة لتقديم فرضيات معينة للالتفاف على هذه النظرية العلمية بمحاولة الالتفاف على فكرة البداية المُطلقة للكون بحيث يُجعل قضية الانفجار الكبير هي مجرد بداية نسبية وليست بداية مطلقة لوجود المادة ووجود الطاقة, وقدموا في سبيل ذلك عدد من النماذج العلمية التي تُحاول أن تستصحب فكرة الأزلية. مثل: النموذج الذي شرحته في الأوراق، [نموذج الكون المتذبذب] أو [نموذج التضخم الأزلي] أو غيرها من النماذج العلمية . حاولت أني أستعرضها وأناقشها وأبين أهم الإشكاليات العلمية المتعلقة بها، والذي يهمنا حقيقةً ملاحظة قضيتين أساسيتين في طبيعة النماذج التي قدمها الخطاب الإلحادي : •الإشكالية الأولى : أنها مُجرد فرضيات علمية لا يُساندها أي مُعطيات منظورة أو مُعطيات تلتزم حقيقةً بمعطيات العلم الطبيعي التجريبي . •الإشكال الثاني : أنه يوجد في إطار علماء الطبيعة والتجريب -حتى الملاحدة منهم- من يرى ضرورة أن يكون هنالك بداية مُطلقة للكون , واستعرضت أحد الأوراق البحثية العلمية المهمة جدًا والتي يعني تحظى بحالة قبول واسع في داخل الدوائر العلمية الأكاديمية وهي الورقة التي كتبها " أرفند بورد" و" ألكسندر فلكن " وشرحت بعض الملابسات المتعلقة بها, وهي ورقة طُرحت عدة مرات في 1994م ثم طوُرت في 2001م ثم طورت كذلك ونشرت في 2003م. ويستطيع الأخوات أن يعودوا إلى التفاصيل المتعلقة بهذه القضية وغيرها في الكتاب . فهذه أهم الاعتراضات التي وُجهت إلى فكرة أن الكون الذي نحن فيه له بداية . ثم توجهوا بالاعتراض إلى النتيجة المترتبة على المقدمتين فإذا قلنا: كل ما له بداية فلا بد له من سبب، الكون له بداية فلا بد له من سبب > الله -عز وجل- هو السبب, فيتم الاعتراض على النتيجة بجملة من الاعتراضات شرحت في الكتاب عدة اعتراضات أوردها واعترضتُ على تلك الاعتراضات؛ فأهم الاعتراضات: •الاعتراض الأول الذي أُورِد: لماذا الله ؟! يعني بمعنىً آخر يقولون الملاحدة: سلمنا لكم أن كل ما له بداية لا بد له من سبب, وسلمنا لكم كذلك أن الكون الذي نحن فيه له بداية, وبالتالي فالنتيجة العقلية المُترتبة على ذلك أن له سببًا, لكنكم لماذا حكمتم بأن الله- عزوجل - هو السبب؟ لماذا لم تقتصروا على الاعتراف بالسببية دون تحديد طبيعة هذا السبب؟ فأهم مايُمكن أن يُقال في هذه القضية، قضيتين أساسيتين أو ثلاثة: القضية الأولى المهمة أو الأساسية : •أن أحد الفوارق الأساسية بين الرؤية الدينية والرؤية الإلحادية للعالم: أن الإلحادي مُلتزم برؤية مادية محضة، والإشكال أن نظرية الانفجار الكبير التي يتبناها هذا الملحد تعترف بأن المادة إنما وجدت مع لحظة الانفجار الكبير وبالتالي فطبيعة السبب الذي الذي استوجب وجود الكونِ يجب أن يكون في ضوء هذه الدلالة أمرًا غير مادي، لأن السبب سابق للمُسَبب والمادة وُجدت مع المُسَبب وبالتالي فسببه ينبغي أن يكون أمرًا لاماديًا . فالمُعطى الأول الأساسي : هي ملاحظة تتعلق بالرؤية الكونية للخطاب الإلحادي الذي يستعصي عليه تصور أن السبب الذي يقف خلف الوجود الكوني قضية خارجة عن ماهية الكونِ وقضية لا مادية . المُعطى الثاني المهم ملاحظته كذلك: أن دليل الخلق والإيجاد ينفعنا في تحديد بعض الصفات المتعلقة بهذا السبب، فإذا كان الكون له بداية فالسبب المُوجب لوجود هذا الكون يجب أن يكون بلا بداية. فهذا أحد الصفات المتعلقة بهذا السبب أنه أزلي . ثم أن الكون من طبيعته فيه معاني التخصيص بحيث أنه وُجد في لحظة معينة لماذا لم يتقدم لماذا لم يتأخر لماذا وجد على هذه الهيئة والطبيعة؟ فالكون يرشدنا على أن من خصائص هذا السبب أنه متصف بالإرادة، ووجوده من العدم يدل كذلك على قدرته, وبالتالي يكون هذا السبب فاعلاً مختارًا ، وماكان فاعلاً مُختارًا يجب أن يكون حيًّا؛ لأن الفرق ما بين الحي والميت الفعل وهكذا. فالشاهد أن السبب ينبغي أن يكون متصفًا بجملة من الصفات يستطيع الإنسان أن يتلمسها في ثنايا دليل الخلق والإيجاد . وكلما نظر الإنسان وازداد معرفة سيُدرك أن هذا الأمر بإضفاء هذه الصفات عليه تقترب إلى حد كبير جدًا مع الرؤية الدينية المتعلقة بالله -تبارك وتعالى . •القضية الثالثة والأساسية : أن القصد من إيراد هذا الدليل لم يكن لإثبات وجود الله -تبارك وتعالى- بسائر كمالاته وصفاته, بل القصد من إيراد هذا الدليل لمناقشة الملحد هو إثبات أن ثمة فاعلاً بالقدرة والاختيار يقف خلف سبب وجود هذا الكون. وهذه القضية بحد ذاتها -هذا الحد الأدنى- هي محل للمعركة ومحل للسجال الحقيقي بين الرؤية الدينية وبين الرؤية الإلحادية, وبالتالي ليس من الصحيح أن يُحاول الخطاب الإلحادي أن يختزل المسألة في الاعتراض الذي وجهوه لماذا الله -عزوجل- لأن ليس الغرض من إيراد الدليل هو معرفة الله -تبارك وتعالى- بسائر كمالاته - تبارك وتعالى - ، لكن غرض هذا الدليل إثبات رؤية معينة على خلاف الرؤية المادية الإلحادية، أن ثمة سبب وأن هذا السبب يجب أن يكون فاعلاً بالاختيار وهو ما لا يُقر به الملاحدة كما لا يخفى . من الاعتراضات التي وجهت للنتيجة كذلك: - الاعتراض بفكرة «إله الفجوات» ،يعني بمعنىً آخر: أنه دائمًا يتهم الخطاب الإلحادي الخطاب الديني بأنكم تتعجلون في تقديم الجواب, أقررنا بأن الكون له بداية وأقررنا بأن كل ما له بداية فلا بد له من سبب، فلماذا قفزتم إلى مربع تحديد وتحرير هذا السبب، فالمفترض أن تتركوا هذه القضية ولا تعولوا على حالة الجهل بالسبب فتملؤا هذا الفراغ ب الله عزوجل ، وبطبيعة الحال الإشكال المركزي الذي لا يعيه الملاحدة أن قولنا أن الله -عزوجل- هو الذي يقف خلف سبب وجود هذا الكون ليس ناشئًا عن حالة الجهل بل هو عن حالة علمٍ بأن كل ما له بداية لا بد له من سبب الكون له بداية لا بد له من سبب، وأن طبيعة هذا السبب معرفيًا وعلميًا ليس ناشئًا عن حالة الجهل إنما هو الله -عزوجل- وهذه الفكرة شرحتها بشكل أوضح في ثنايا الكتاب . - الاعتراض الثالث : ومثل ما تلاحظون هو مجرد عرض مختصر لأهم الأفكار الموجودة . الإشكال الثالث أو الاعتراض الثالث: لماذا التعجل فالعلم سيكشف لنا عن السبب. وأكدت في هذه القضية أن الإشكالية الأساسية والمركزية للخطاب الإلحادي هو إنطلاقه من رؤية كونية ترى في العلم الطبيعي التجريبي حلاً لجميع المعضلات وترى فيه جوابًا على كل التساؤلات البشرية الإنسانية . إن اتهمونا بالاتهام السابق بإله الفجوات فهم يؤمنون إلى حد ما بفكرة علم الفجوات -إن صح التعبير - بحيث أنه إذا وقفوا أمام تصورٍ لايعرفونه جوابا له فسيقولون بأن العلم يستطيع أن يكشف مثل هذا المعطى, وشرحت عدة قضايا متعلقة بهذه القضية؛ خطورة النزعة العِلموية أو «سايتنزم» وبينت أن الإشكالية المركزية الموجودة أن مهما بدت الظواهر أمام أعينهم بينة وظاهرة على الدلالة على وجود الرب الخالق -تبارك وتعالى- فإنهم بسبب نظرتهم المادية الضيقة يصرون على هذا الإنكار . يعني لما يقول أحد كبار الدارونيين الغربيين حتى لوكانت كل الدلائل تشير باتجاه وجود مصمم ذكي فإن هذا خيار لن يكون مقبولاً في ضوء نظرتنا؛ بسبب كونه تفسير غير مادي وغير طبيعي. ولا شك أن هذا تعصب شديد وفي حقيقة الأمر أن هذا التصور للكون وللحياة يُوقع الإنسان في إشكاليات يعني معرفية مُتعددة وكثيرة جدًا وحاولت أني أشرح بعض الإشكاليات المتعلقة بهذه القضية . - الاعتراض الأخير في وردنا اليوم -وإلا يبقى اعتراض خامس ومركزي ومهم وخطير نناقشه في الورد القادم- وهو : أن الكون حادثٌ بلاسببٍ أصلا أو أنه هو بذاته سبب لحدوثه, و بيّنا أن الإشكالية المتعلقة بهذا الاعتراض بأن هذا الكون حادث بلا سبب أصلاً متناقض مع البداهة العقلية التي تستوجب في حالة الاعتراف بكون الكون له بداية بأن يكون له سبب ضرورة وبالتالي فمن المغالطة العقلية جدًا أن يعتقد الإنسان شيئًا حادثًا لا سبب له، أو أنه حادث بذاته أو هو ذاته سبب في حدوثه, فهذا يلزم -كما يقال- الدور . الكون الذي هو عدم كيف يكون سببًا في وجوده، لا شك أن هذا دور ممتنع بداهة وضرورة وعقلاً, وبالتالي كلا الاعتراضين: اعتقاد أن الكون حادثٌ بلا سبب أصلاً أو أنه هو سبب حدوثه هو معارض للبداهة العقلية الضرورية, إما تنكر لمبدأ السببية أو يوقع الإنسان في التناقض باعتقاد الدور الممتنع الذي يستحيل أن يكون الكون موجودًا مع وجوده . فهذه أهم الاعتراضات التي قُدمت على الدليل الثاني، يبقى اعتراض وحيد وهو: السؤال الشهير في الدوائر العقلية والدوائر الفلسفية والسؤال الشهير الذي تنبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بطروء هذا الإشكال على الأمة "فمن خلق الله " فهذا - بإذن الله عزوجل - فصلت الكلام حوله في 15 صفحة في الكتاب وأستعرِض أهم القضايا المتعلقة بهذه 15صفحة في وردنا القادم . أسأل الله - عز وجل - لي ولكم التوفيق والله يحفظكم ويرعاكم
    تعليق على الورد السادس

    بصوت الكاتب

    3
    6
    00:00
    تحميل
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، و بعد :
فهذا استعراض لأهم الأفكار والنُقاط الموجودة في الورد السادس، وكما سبق أنه لا زال الكلام حول الدليل الأول من الأدلة العقلية الدالة على وجود الله -تبارك وتعالى- وهو: دليل الخلق والإيجاد.
ولاحظتم في الورد السابق أنَه بدأ الكلام حول أهم الاعتراضات التي أوردها الخطاب الإلحادي على هذا الدليل .
وتحدثنا في الكلمة الماضية عن الاعتراضات التي وُجهت للمقدمة الأولى لدليل الخلق والإيجاد، فمثل ماذكرنا سابقًا أنَ دليل الخلق والإيجاد يتأسس على قضيتين أساسيتين :
-أن كل ماله بداية فلا بد له من سبب.
-الكون له بداية فلا بد له من سبب .
-والسبب المُوجب لوجود الكون هو الله عزوجل .

فننتقل الآن لأهم الاعتراضات التي قيلت في المقدمة الثانية وهي (الكون له بداية).
أهم الاعتراضات التي وُجهت لهذه المقدمة هي: دعوى ان الكون الذي نحن فيه كون أزليٌ لا بداية له.
أحد الإشكاليات التي تعصف بالخطاب الإلحادي أن عامة الملاحدة يُقرون بنظرية [الانفجار الكبير] وأحد تجليات فكرة الانفجار الكبير: أن الكون الذي نحن فيه له بداية ابتدأت المادة وابتدأت الطاقة بل ابتدأ الزمان والمكان مع لحظة الانفجار الكبير, لم يكن قبل هذه اللحظة لا مادة ولا طاقة ولا زمان ولا مكان بحسب رؤية الخطاب الإلحادي وذلك يستلزم ضرورةً وجودَ سببٍ أوجب حدوث الكون وحدوث العالم.
فيسعى بعض الملاحدة لتقديم فرضيات معينة للالتفاف على هذه النظرية العلمية بمحاولة الالتفاف على فكرة البداية المُطلقة للكون بحيث يُجعل قضية الانفجار الكبير هي مجرد بداية نسبية وليست بداية مطلقة لوجود المادة ووجود الطاقة, وقدموا في سبيل ذلك عدد من النماذج العلمية التي تُحاول أن تستصحب فكرة الأزلية.
مثل: النموذج الذي شرحته في الأوراق، [نموذج الكون المتذبذب] أو [نموذج التضخم الأزلي] أو غيرها من النماذج العلمية .
حاولت أني أستعرضها وأناقشها وأبين أهم الإشكاليات العلمية المتعلقة بها، والذي يهمنا حقيقةً ملاحظة قضيتين أساسيتين في طبيعة النماذج التي قدمها الخطاب الإلحادي :
•الإشكالية الأولى :
أنها مُجرد فرضيات علمية لا يُساندها أي مُعطيات منظورة أو مُعطيات تلتزم حقيقةً بمعطيات العلم الطبيعي التجريبي .
•الإشكال الثاني :
أنه يوجد في إطار علماء الطبيعة والتجريب -حتى الملاحدة منهم- من يرى ضرورة أن يكون هنالك بداية مُطلقة للكون , واستعرضت أحد الأوراق البحثية العلمية المهمة جدًا والتي يعني تحظى بحالة قبول واسع في داخل الدوائر العلمية الأكاديمية وهي الورقة التي كتبها " أرفند بورد"
و" ألكسندر فلكن " وشرحت بعض الملابسات المتعلقة بها, وهي ورقة طُرحت عدة مرات في 1994م ثم طوُرت في 2001م ثم طورت كذلك ونشرت في 2003م. ويستطيع الأخوات أن يعودوا إلى التفاصيل المتعلقة بهذه القضية وغيرها في الكتاب .

فهذه أهم الاعتراضات التي وُجهت إلى فكرة أن الكون الذي نحن فيه له بداية .

ثم توجهوا بالاعتراض إلى النتيجة المترتبة على المقدمتين
فإذا قلنا: كل ما له بداية فلا بد له من سبب، الكون له بداية فلا بد له من سبب > الله -عز وجل- هو السبب, فيتم الاعتراض على النتيجة بجملة من الاعتراضات شرحت في الكتاب عدة اعتراضات أوردها واعترضتُ على تلك الاعتراضات؛ فأهم الاعتراضات:

•الاعتراض الأول الذي أُورِد:
لماذا الله ؟!
يعني بمعنىً آخر يقولون الملاحدة: سلمنا لكم أن كل ما له بداية لا بد له من سبب, وسلمنا لكم كذلك أن الكون الذي نحن فيه له بداية, وبالتالي فالنتيجة العقلية المُترتبة على ذلك أن له سببًا, لكنكم لماذا حكمتم بأن الله- عزوجل - هو السبب؟ لماذا لم تقتصروا على الاعتراف بالسببية دون تحديد طبيعة هذا السبب؟

فأهم مايُمكن أن يُقال في هذه القضية، قضيتين أساسيتين أو ثلاثة:

القضية الأولى المهمة أو الأساسية :
•أن أحد الفوارق الأساسية بين الرؤية الدينية والرؤية الإلحادية للعالم: أن الإلحادي مُلتزم برؤية مادية محضة، والإشكال أن نظرية الانفجار الكبير التي يتبناها هذا الملحد تعترف بأن المادة إنما وجدت مع لحظة الانفجار الكبير وبالتالي فطبيعة السبب الذي الذي استوجب وجود الكونِ يجب أن يكون في ضوء هذه الدلالة أمرًا غير مادي، لأن السبب سابق للمُسَبب والمادة وُجدت مع المُسَبب وبالتالي فسببه ينبغي أن يكون أمرًا لاماديًا .

فالمُعطى الأول الأساسي :
هي ملاحظة تتعلق بالرؤية الكونية للخطاب الإلحادي الذي يستعصي عليه تصور أن السبب الذي يقف خلف الوجود الكوني قضية خارجة عن ماهية الكونِ وقضية لا مادية .

المُعطى الثاني المهم ملاحظته كذلك:
أن دليل الخلق والإيجاد ينفعنا في تحديد بعض الصفات المتعلقة بهذا السبب، فإذا كان الكون له بداية فالسبب المُوجب لوجود هذا الكون يجب أن يكون بلا بداية. فهذا أحد الصفات المتعلقة بهذا السبب أنه أزلي .
ثم أن الكون من طبيعته فيه معاني التخصيص بحيث أنه وُجد في لحظة معينة لماذا لم يتقدم لماذا لم يتأخر لماذا وجد على هذه الهيئة والطبيعة؟ فالكون يرشدنا على أن من خصائص هذا السبب أنه متصف بالإرادة، ووجوده من العدم يدل كذلك على قدرته, وبالتالي يكون هذا السبب فاعلاً مختارًا ، وماكان فاعلاً مُختارًا يجب أن يكون حيًّا؛ لأن الفرق ما بين الحي والميت الفعل وهكذا.

فالشاهد أن السبب ينبغي أن يكون متصفًا بجملة من الصفات يستطيع الإنسان أن يتلمسها في ثنايا دليل الخلق والإيجاد .

وكلما نظر الإنسان وازداد معرفة سيُدرك أن هذا الأمر بإضفاء هذه الصفات عليه تقترب إلى حد كبير جدًا مع الرؤية الدينية المتعلقة بالله -تبارك وتعالى .

•القضية الثالثة والأساسية :
أن القصد من إيراد هذا الدليل لم يكن لإثبات وجود الله -تبارك وتعالى- بسائر كمالاته وصفاته, بل القصد من إيراد هذا الدليل لمناقشة الملحد هو إثبات أن ثمة فاعلاً بالقدرة والاختيار يقف خلف سبب وجود هذا الكون. وهذه القضية بحد ذاتها -هذا الحد الأدنى- هي محل للمعركة ومحل للسجال الحقيقي بين الرؤية الدينية وبين الرؤية الإلحادية, وبالتالي ليس من الصحيح أن يُحاول الخطاب الإلحادي أن يختزل المسألة في الاعتراض الذي وجهوه لماذا الله -عزوجل- لأن ليس الغرض من إيراد الدليل هو معرفة الله -تبارك وتعالى- بسائر كمالاته - تبارك وتعالى - ، لكن غرض هذا الدليل إثبات رؤية معينة على خلاف الرؤية المادية الإلحادية، أن ثمة سبب وأن هذا السبب يجب أن يكون فاعلاً بالاختيار وهو ما لا يُقر به الملاحدة كما لا يخفى .

من الاعتراضات التي وجهت للنتيجة كذلك:
- الاعتراض بفكرة «إله الفجوات» ،يعني بمعنىً آخر: أنه دائمًا يتهم الخطاب الإلحادي الخطاب الديني بأنكم تتعجلون في تقديم الجواب, أقررنا بأن الكون له بداية وأقررنا بأن كل ما له بداية فلا بد له من سبب، فلماذا قفزتم إلى مربع تحديد وتحرير هذا السبب، فالمفترض أن تتركوا هذه القضية ولا تعولوا على حالة الجهل بالسبب فتملؤا هذا الفراغ ب الله عزوجل ، وبطبيعة الحال الإشكال المركزي الذي لا يعيه الملاحدة أن قولنا أن الله -عزوجل- هو الذي يقف خلف سبب وجود هذا الكون ليس ناشئًا عن حالة الجهل بل هو عن حالة علمٍ بأن كل ما له بداية لا بد له من سبب الكون له بداية لا بد له من سبب، وأن طبيعة هذا السبب معرفيًا وعلميًا ليس ناشئًا عن حالة الجهل إنما هو الله -عزوجل- وهذه الفكرة شرحتها بشكل أوضح في ثنايا الكتاب .

- الاعتراض الثالث :
ومثل ما تلاحظون هو مجرد عرض مختصر لأهم الأفكار الموجودة . الإشكال الثالث أو الاعتراض الثالث: لماذا التعجل فالعلم سيكشف لنا عن السبب.
وأكدت في هذه القضية أن الإشكالية الأساسية والمركزية للخطاب الإلحادي هو إنطلاقه من رؤية كونية ترى في العلم الطبيعي التجريبي حلاً لجميع المعضلات وترى فيه جوابًا على كل التساؤلات البشرية الإنسانية .
إن اتهمونا بالاتهام السابق بإله الفجوات فهم يؤمنون إلى حد ما بفكرة علم الفجوات -إن صح التعبير - بحيث أنه إذا وقفوا أمام تصورٍ لايعرفونه جوابا له فسيقولون بأن العلم يستطيع أن يكشف مثل هذا المعطى, وشرحت عدة قضايا متعلقة بهذه القضية؛ خطورة النزعة العِلموية أو
«سايتنزم» وبينت أن الإشكالية المركزية الموجودة أن مهما بدت الظواهر أمام أعينهم بينة وظاهرة على الدلالة على وجود الرب الخالق -تبارك وتعالى- فإنهم بسبب نظرتهم المادية الضيقة يصرون على هذا الإنكار . يعني لما يقول أحد كبار الدارونيين الغربيين حتى لوكانت كل الدلائل تشير باتجاه وجود مصمم ذكي فإن هذا خيار لن يكون مقبولاً في ضوء نظرتنا؛ بسبب كونه تفسير غير مادي وغير طبيعي. ولا شك أن هذا تعصب شديد وفي حقيقة الأمر أن هذا التصور للكون وللحياة يُوقع الإنسان في إشكاليات يعني معرفية مُتعددة وكثيرة جدًا وحاولت أني أشرح بعض الإشكاليات المتعلقة بهذه القضية .

- الاعتراض الأخير في وردنا اليوم -وإلا يبقى اعتراض خامس ومركزي ومهم وخطير نناقشه في الورد القادم- وهو :
أن الكون حادثٌ بلاسببٍ أصلا أو أنه هو بذاته سبب لحدوثه, و بيّنا أن الإشكالية المتعلقة بهذا الاعتراض بأن هذا الكون حادث بلا سبب أصلاً متناقض مع البداهة العقلية التي تستوجب في حالة الاعتراف بكون الكون له بداية بأن يكون له سبب ضرورة وبالتالي فمن المغالطة العقلية جدًا أن يعتقد الإنسان شيئًا حادثًا لا سبب له، أو أنه حادث بذاته أو هو ذاته سبب في حدوثه, فهذا يلزم -كما يقال- الدور .
الكون الذي هو عدم كيف يكون سببًا في وجوده، لا شك أن هذا دور ممتنع بداهة وضرورة وعقلاً, وبالتالي كلا الاعتراضين: اعتقاد أن الكون حادثٌ بلا سبب أصلاً أو أنه هو سبب حدوثه هو معارض للبداهة العقلية الضرورية, إما تنكر لمبدأ السببية أو يوقع الإنسان في التناقض باعتقاد الدور الممتنع الذي يستحيل أن يكون الكون موجودًا مع وجوده .

فهذه أهم الاعتراضات التي قُدمت على الدليل الثاني، يبقى اعتراض وحيد وهو: السؤال الشهير في الدوائر العقلية والدوائر الفلسفية والسؤال الشهير الذي تنبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بطروء هذا الإشكال على الأمة "فمن خلق الله " فهذا - بإذن الله عزوجل - فصلت الكلام حوله في 15 صفحة في الكتاب وأستعرِض أهم القضايا المتعلقة بهذه 15صفحة في وردنا القادم .

أسأل الله - عز وجل - لي ولكم التوفيق والله يحفظكم ويرعاكم

نظرية تزعم أزلية الكون وهي مبنية على أنه مع تمدد الكون تنشأ مادة جديدة ليبقى الكون في حالة ثبات، وكانت أهم منافس لنظرية الانفجار العظيم لتنهار بعد ذلك ويهجرها العلماء. [كتاب (فمن خلق الله) للدكتور سامي العامري من إصدارات مركز تكوين]

نموذج يقرر أن الكون يعيش دورات من التضخم والانكماش. [كتاب (فمن خلق الله) للدكتور سامي العامري من إصدارات مركز تكوين]

مقياس العشوائية والفوضى، والقاعدة هي أن العشوائية في الأماكن المغلقة لا يمكن أن تقل مع حركة الزمان. [كتاب (فمن خلق الله) للدكتور سامي العامري من إصدارات مركز تكوين]

أثر مشترك لعدد من النماذج الكونية التضخمية التي دافع عنها عدد من الكوسمولوجيين حيث يتضخم الكون ولا يعود إلى تقلص. [كتاب (فمن خلق الله) للدكتور سامي العامري من إصدارات مركز تكوين]

اعتراض الحادي أن المؤمنين بوجود الله يقيمون إلحادهم على مساحات الجهل في معارفنا البشرية. [كتاب (فمن خلق الله) للدكتور سامي العامري من إصدارات مركز تكوين]

مذهب فلسفي يقوم على دعوى أن العلم التجريبي له السلطان الأوحد لكشف حقائق الوجود. [كتاب (فمن خلق الله؟) للدكتور سامي العامري من إصدارات مركز تكوين]

مذهب فلسفي ملحد يرى أن المعرفة اليقينية هي معرفة الظواهر التي تقوم على الوقائع التجريبية، ولا سيما تلك التي يتيحها العلم التجريبي، وينطوي الذهاب على إنكار وجود معرفة تتجاوز التجربة الحسية، ولاسيما فيما يتعلق بما وراء المادة وأسباب وجودها. [الموسوعة الميسرة في الأديان والفرق والمذاهب – الندوة العالمية للشباب الإسلامي]

دراسة الأنماط الموجودة في الطبيعة والتي تفسر بالشكل الأمثل عند اعتبارها من صنع قوة ذكية. [كتاب ( تصميم الحياة ) د.ويليام ديمبسكي و جوناثان ويلز ]

لا يوجد مناقشات

لا يوجد اقتباسات
  • سارة
    سارة

    هل مُصطلَح العلموِيّين نفس مصطلح العولَمة، وإذا كانوا مختلفين أرجو التوضيح؟

    0
    • أ.عبدالله بن صالح العجيري
      أ.عبدالله بن صالح العجيري

      الحقيقة ثمّة اختلاف كبير، وكلا المصطلحين ينتميان إلى فضاءٍ معرفيٍّ مُستقِل. العلموية: فكرتُها باختصار كما بيَّنتُ: هي نزعةٌ موجودةٌ في المجتمعات الغربية للمغالاة في العلوم الطبيعية ومُعطياتِها ومُخرجاتها، بحيث حُصِرت المعرفة الإنسانية البشرية في هذا الفضاء المعرفي وحدَه، ما عاد كثير من الغربيين يؤمن إلا بما يُمليه عليه العلوم الطبيعية التجريبية، ما لا يثبت كما يُقال في المُختبَر فلا يمكن أن يكون معرفةً ولا يمكن أن يكون علمًا، هذه النزعة المغالية في العلم الطبيعي التجريبي وقدراته تُسمى عند المهتمين بالظواهر الفكرية بالنزعة العِلمَوية، وبطبيعة الحال يعني كما يقال أنّ هذا التصور يتضمن في طياته قدرًا من الدحض الذاتي، بمعنى أنّه يُسأل من يدعي بحصر المعرفة في العلم الطبيعي التجريبي وحده، هل تحصّلت على هذه المعرفة من خلال العلم الطبيعي التجريبي وحده؟ يعني هل تحصَّلت على أنَّ المعرفة لا تكون إلا عن طريق العلوم الطبيعية التجريبية عن طريق العلوم الطبيعية التجريبية أم عن طريق غيره؟ ، يقول: تعلَّمته عن طريق العلم الطبيعي التجريبي، فيقال هذا دوٌر لا يصح، يعني كيف تجعل من المعطى دليلًا على ما تريد الاستدلال عليه، كيف تدعي وأنت لم تُثبت لي بعد انحصار العلم الطبيعي التجريبي في العلم الطبيعي التجريبي بالعلم الطبيعي التجريبي، هذا يسمونه الدور الممتنع، ودائماً يقول أن الدليل على ذلك أمر خارج على العلوم الطبيعية التجريبة يتحصل على المقصود أن بالإمكان أن يتحصل الإنسان على معرفة وإن لم تكن هذه المعرفة بالعلوم الطبيعية التجريبية.
      فهذا ما يتعلق بالنزعة العلموية، فلسفة العلوم ونظريات المعرفة وتحتاج إلى نقاش تفصيلي أوسع كان المقصود به التنبيه إلى بعض الامتيازات للعلم الطبيعي حتى يدرك الإنسان الفرق بينها وبين مصطلح العولمة.
      مصطلح العولمة هو نوع من أنواع التفاعل الحضاري والتصارع الذي قد يقع بين النماذج الثقافية، هو نوع من أنواع ذوبان الحدود في عالم اليوم بحيث يعبر دائمًا أن العالم أصبح قرية كما يقال صغيرة يدرك الإنسان ما عادت للثقافة انتماء للجغرافيا بقدر ما يراد أن يتخلق نوع من أنواع العولمة بمعنى ذوبان الحدود الفارقة بين الثقافات.
      طبعًا في طبيعة الحال في ظل هيمنة بعض النماذج الثقافية يكون لها الغلبة في مثل هذا الصراع في مثل هذا التفاعل، والحقيقة بسبب هذا كثير منهم مهتمين بمثل هذه الظاهرة يقولون أنه ليست ثمة حالة تفاعل حقيقي بين الحضارات وليس ثمة حالة تفاعل حقيقي بين النماذج الثقافية المتباينة بقدر ما أنّا نحن موجودين أمام نموذج ثقافي مهيمن على عالم اليوم وهذا النموذج الثقافي كما يقال يسمى حتى بعضهم أطلق بدلًا عن العولمة قال الأمركَة وبعضهم قد يطلق نوع من أنواع الطرافة هي نوع من أنواع الكوكلة نسبة إلى الكوكا كولا للنموذج الثقافي الأمريكي بالذات لغلبة الحضارة المادية الغربية الأمريكية بحيث أنه حتى بعض الحضارات أو بعض الأنواع الثقافية القوية تشتكي من غلبة المزاج الأمريكي على العالم مثل النموذج الفرنسي على سبيل المثال، فضلاً عن الإشكالية الواقعة في ظل أحوال موردة العولمة.
      الشاهد أن العولمة ينتمي إلى فضاء يختلف تمامًا عن الفضاء الذي ينتمي إليه مصطلح العلموية.

      0
    • أظهر المزيد من الردود
  • مريم إبراهيم
    مريم إبراهيم

    لو تشرح لنا فضيلتكم عن مفهوم التحسين والتقبيح وإشكالاته؟

    0
    • أ.عبدالله بن صالح العجيري
      أ.عبدالله بن صالح العجيري

      باختصار شديد عندنا ثلاثة مسائل موجوده داخل الظل الإسلامي
      في مسألة يعبر عنها دائمًا بمسألة التحسين والتقبيح وهي مسألة حاضرة في مباحث القضاء والقدر، في العقائد وكذلك المدونة الأصولية لأصول الفقه، وعندنا ثلاث اتجاهات رئيسية متعلقة بهذه القضية.
      طبعًا مسألة التحسين والتقبيح مفهومها هل للعقل أن يُدرك حسن الأشياء وقبحها قبل ورود خطاب الشارع؟
      أو ما هو مصدر معرفتنا بحسن الأشياء وقبحها؟
      كيف يستطيع الإنسان أن يدرك أن قيمة الصدق قيمة حسنة؟
      كيف يدرك الإنسان أن قيمة الكذب قيمة سيئة؟
      كيف يدرك الإنسان أن الزنا قبيح؟
      كيف يدرك الإنسان أن الظلم قبيح؟
      من أين نتأتى على إدراك مثل هذه القضايا؟
      كما ذكرت أن هناك ٣ اتجاهات رئيسية موجودة في هذا الباب.
      الاتجاه الأول يقول أن للعقل مُكْنةٌ وأنه هو المسؤول عن تحديد حسن الأشياء وقبحها، وهو الاتجاه الاعتزالي، يقابله على الضد تمامًا الاتجاه الكلامي الأشعري الذي يعتقد أن ليس للعقل موردًا في إدراك حسن الأشياء وقبحها وإنما إدراكها يكون بالشرع وحده، بمعنى أن العقل لا يدرك حسن الأشياء وقبحها قبل ورود خطاب الشارع وفيه تفاصيل موجودة داخل البيت الأشعري كما يقال ما أريد أن أعقد الجواب الآن.. لكن إجمالاً في منطق توسيط عبر الصراع الدعوي بين الطائفتين المعتزلة يقفون في طرف يعتقدون أن العقل يمكن أن يستقل بمعرفة حسن معرفة الأشياء وقبحها ومعتزلة يعتقدون عدم إمكانية استقلال العقل بهذه القضية.
      الموقف الوسط الذي تبناه أهل السنة والجماعة وانتصر له انتصارًا كبيرًا ابن تيمية والإمام ابن القيم رحمهما الله تبارك وتعالى وقد ذكره في كتاب مفتاح دار السعادة أن للعقل موردًا في إدراك حسن الأشياء وقبحها، يمكن أن يعرف ذلك العقل، لكن الفارق عن التيارات الاعتزالية في قضيتان أساسيتان:
      القضية الأولى: أننا وإن قلنا أن العقل يمكن أن يُدرك حسن الأشياء وقبحها إلا أنه ليس بإطلاق…. قد تعجز العقول عن أن تحكم على قضيةٍ ما معينة بأنها تذهب إلى هذا الفضاء أو إلى هذا الفضاء، فيأتي الشرع حاسماً لهذه القضية، لكن هل بإمكانه أن يدرك، نعم بإمكانه أن يدرك.
      الفرق الثاني المهم والأكثر إلحاحاً من ناحية علمية هو أننا وإن حكمنا بالعقل على حسن بعض الأشياء وقبحها إلا أن المدح أو الذم الشرعي بالإثم المترتب على ممارسة القبيح أو الثواب المترتب على ممارسة الحسن يكون بعد ورود خطاب الشارع، يترتب التأثيم وإلحاق اسم الذم والمدح، يعني بمعنى آخر هل يدرك العقل أن الزنا قبيح؟ نعم يدرك العقل أن الزنا قبيح. هل يمكن أن يدرك العقل أن شرب الخمر قبيح؟ يمكن أن يدرك العقل ذلك. لكن، هل يترتب الإثم على تناول هذا الذنب والمعصية وهذا الذنب والمعصية هو لا يسمى ذنبًا ولا معصيةً إلا بعد ورود خطاب الشارع. هل هو قبيح؟ نعم. يمكن للعقل أن يدركه قبل ورود خطاب الشارع لكن لا يترتب التأثيم والمعاقبة في الآخرة وإلحاق اسم الذم إلا بعد ورود خطاب الشارع.

      0
    • أظهر المزيد من الردود