شموع النهار

الأوراد/ المقدمة (٩-٢١)

هذا ملخص يتضمن أهم النقاط الرئيسية والأفكار المهمة؛ لذا هو لا يغني عن الكتاب، صممناه لكم بشكل مريح يساعد على ترتيب المعلومة وفهمها

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في البدء أرحب بالأخوات الفاضلات الموجودات في هذه المجموعة المباركة.. أسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.. محل التدارس والمذاكرة هو في كتابي [ شموع النهار - إطلاله على الجدل الديني الإلحادي المعاصر في مسألة الوجود الإلهي] وللكتاب بطبيعة الحال قصة ولكل كتاب مع مؤلفه قصة؛ فقصة هذا الكتاب تبتدئ حقيقة في سنة 2006 ميلادي حيث قدّر الله -عزوجل- لي أن أكون في سفْرةٍ ورحلة إلى (كندا), وكنت في مدينة قريبة من مدينة (ترنتو) تدعى (واترلو), وكان من تقدير الله -عزوجل- أن يكون في أثناء وجودي في هذه المدينة إقامة مؤتمر لحوار الأديان في الجامعة المحلية الموجودة في تلك المدينة. وما أخفيكم أنه انتابني قدر من حب الفضول أو الاستطلاع؛ فالإنسان كان يسمع عن هذه الملتقيات وهذه المؤتمرات سماعًا عن بُعد وكان يطلع على بعض أجنداتها وما يدور فيها من خلال الورق والكتابة لكن لم يكن متاحًا أن الانسان يحضر بشكل مباشر فحرصت أني أحضر بشكل مباشر وأطلع على طبيعة ما يدور في أروقة مثل هذه الملتقيات ومثل هذه المؤتمرات, ففعلاًً حضرت المؤتمر ودخلنا القاعة الرئيسية, لما دخلنا القاعة الرئيسية كان موجود على المنصة -أو المسرح- كافة ممثلي الأديان؛ كان موجود مسلم ونصراني ويهودي وبوذي وسيخي وهندوسي حتى بعض الأديان الوثنية المحلية الموجودة في كندا, وكان لمفاجئتي شخص موجود في منتصف المسرح لما أراد أن يُعرّف عن نفسه قال باللغة الإنجليزية: I am an Atheist ما أنسى شعوري لما قال: I am an Atheist =أنا ملحد. اللفظة هذه لم تكن تنتمي إلى المفردات الذهنية الخاصة بي فلم أكن أعرف معناها فاستخرجت القاموس كان في جيبي في الهاتف وبحثت عن كلمة Atheist معناها ففوجئت أن معناها: ملحد. وأذكر أن المشاعر التي عصفت بي لما سمعت هذه الكلمة أو سمعت هذا التعريف عن نفسه بأنه ملحد أن هذه لعلها أول مرة في حياتي أجتمع أنا وملحد في غرفة واحدة فكان سؤال الإلحاد سؤال إنكاره بالله تعالى لم يكن سؤالاً حاضرًا في ذهني أصلاًً ولا حتى في اهتمامي بالمجال العقدي أو المجال الفكري, قضية الإلحاد ما كانت داخلة في أولوياتي واهتمامي كانت قضية غائبة تمامًا عن الوعي. أذكر خرجنا من القاعة الرئيسة -قاعة المحاضرات- وذهبنا إلى أشبه بالمعرض المصاحِب الذين كانوا يعرضون فيه كافة ممثلي الأديان, يعني جملة من القضايا المتعلقة بأديانهم؛ مطبوعات، مواد مرئية، مواد صوتية، أقراص، أشياء قد تنتمي إلى الفلكلور الشعبي المتعلق بذلك الدين، فأذكر أني توجهت مباشرة -للفضول الذي انتابني- إلى الجناح أو الزاوية الخاصة بالملاحدة وبدأت أقلب بعض المنتجات عندهم وكانت فعلاً بعض المطبوعات التي اقتنيتها في تلك اللحظة مطبوعات تتسم عناوينها بقدر من الاستفزاز, أذكر أني اقتنيت كتاب بعنوان [ the impossibility of god = استحالة الإله ]. وكتاب لأحد الملاحدة المشاهير في كندا اسمه (دان باركر) له كتاب اسمه: [losing faith in faith = فقد الإيمان في الإيمان] وكان قس نصراني ثم تحول من النصرانية إلى الإلحاد, ووجدت حتى وتفاجأت بعض الكتب مؤلفة للأطفال, وأنا أتكلم عن الأطفال يعني أنها كتب مصورة لصغار السن جدًا تبشر بالقضايا الإلحادية. وسبحان الله تزامن في تلك المدة فترة وجودي في كندا عند زيارتي بعض المكتبات المحلية أن ظهر كتاب في الوسط الغربي مثير للجدل وأثار زوبعة كلام وانتشر انتشارًا كبيرًا وكان محل جدل عاصف, وهو كتاب داعية الإلحاد الأول والأبرز وأشهر الملاحدة في عالم اليوم حتى أنه يلقب في بعض الدوائر الفكرية الغربية بأنه ( نبي الإلحاد = the prophet of Atheist ) داعية الإلحاد الشهير: ريتشارد دوكنز صاحب كتاب [ the god delusion = وهم الإله ] الكتاب هذا يتخيل الإنسان حجم انتشاره والحراك الذي أحدثه أنه بيع منه خلال الأربع سنوات الأولى من نشره باللغة الإنجليزية وحدها أكثر من مليونين نسخة وترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة من لغات العالم الحية وترجم كذلك -حتى يدرك الأخوات- للغة العربية في منصة أمازون المنصة الأشهر لبيع الكتب على فضاء الانترنت كان يمثل في كثير من المنصات في أمازون؛ في بريطانيا على -سبيل المثال- وفي بعض الدول يمثل الرقم 1 في حجم مبيعاته في تلك السنة, وكان من مجموع أمازون بشكل عام يمثل الكتاب رقم 2 في تلك السنة التي نُشر فيها من ناحية كثرة الطلب وكثرة الشراء, وظل على قائمة الكتب الأفضل مبيعًا وتنشرها بشكل أسبوعي الصحيفة المشهورة: صحيفة نيويورك تايمز, ظل رقم 1 لمدة أشهر وظل موجودًا على القائمة لمدة أكثر من سنة. وتتابعت بعدها الكتابات المبشرة بالقضية الإلحادية التي تتسم بلغة شعبية تناسب شريحة مجتمعية واسعة. يعني مثل كتاب [God is not great ] و كتاب [breaking the spell ] على سبيل المثال, لكن ما كنت متنبهًا لها إلا بعد الاهتمام بالملف الإلحادي. وكتاب [ the end of faith ] كتاب نهاية الإيمان لسام هارس. الشاهد أنه بعد تلك السفرة بدأ الاهتمام بقضية الإلحاد ومتابعة بعض قضاياه خصوصًا باللغة الإنجليزية ومتابعة بعض المواقع الموجودة في الانترنت, متابعة بعض القضايا المرئية والمناظرات والقضايا المتعلقة به, وبدأت لما رجعت إلى البلد أتواصل مع المشايخ وطلبة العلم من الزملاء والأحبة والأقران محذرًا من موجة إلحادية تعصف بالمجتمعات الغربية وخشية من أن تعصف بالوسط العربي المحلي, ومن بركة الله –عزوجل- علي أني حظيت بشرف الالتقاء والصحبة والزمالة والصداقة بالشيخ عائض الدوسري الذي وجدت عنده ذات الاهتمام في ذات المرحلة التي كنت مهتمًا بها, حتى أنه كتب مقالة في تلك الملابسات والظروف كان عنوان المقالة مهم " عقولنا تحت القصف "وهي مقالة منشورة في فضاء الانترنت وقد ضمنتها كملحق في آخر كتابي [ميليشيا الإلحاد]. الشيخ عائض الدوسري كان من الامتيازات الموجودة عنده أنه استطاع أنه ينفذ إلى بعض المجموعات الإلحادية الموجودة محليًا ويلتقي ببعض الشباب المتأثرين بالخطاب الإلحادي وعن طريقه استطعت أني أتوصل للالتقاء ببعض المجموعات الإلحادية بمحاورات ومناقشات وغير ذلك, ومن خلال تلك الحوارات -بطبيعة الحال- بدأت ترتسم صورة ذهنية أكثر دقة لواقع الشباب المتأثر بالخطاب الإلحادي، ما أسبابه؟ ما طبيعته؟ ما بواعثه؟ هل ثمة إمكانيات حقيقية للمعالجة وتحقيق الهداية؟ وغير ذلك من المعطيات. وظللت فترة من الزمن لا أتحدث عن الملف الإلحادي علانية ثم يعلم الجميع أنه حصلت بعض المشاهدات وبعض القضايا في المشهد المحلي التي نقلت الملف الإلحادي إلى نوع من أنواع الهم الاجتماعي العام, وبعد ذلك طلب مني في بعض المناسبات وبعض الملتقيات أني أقدم بعض المواد المتعلقة بقضية الإلحاد, وحصل ذلك في بعض المناسبات وفي ديوانية الشيخ الغنام ألقيت محاضرة قصيرة ثم دُعيت في ملتقى (التهافت الفكري الإلحادي) لتقديم دورة مطولة في قضية الإلحاد وبدأت تشيع المعاني هذه. ولما اطلع بعض الأحبة على بعض المواد المرئية وحضر بعض هذه المحاضرات وغيرها, طلب مني توثيق هذه المادة العلمية في كتاب وقد يكون في ذلك نفع, وصادف هذا المقترح هوى في نفسي وفعلاً كان وليد هذا المقترحات كتابي الأول الذي يتماس مع القضية الإلحادية وكان بعنوان [ ميليشيا الإلحاد - مدخل لفهم الإلحاد الجديد ] وإن كان الكتاب هو مجرد عبارة لاستعراض أهم التطورات التي لحقت بالخطاب الإلحادي في العصر الحديث والنصف الثاني من الكتاب كان توصيات بتطوير أداء الخطاب العقدي لمجابهة الإشكاليات في الإلحاد. وأذكر كان من عادتي –وهذه تفضي بنا إلى قصة كتاب شموع النهار بشكل مباشر- أن أول نسخة تهدى من الكتاب للوالدة الكريمة وللوالد الكريم, والإنسان كلما أهدى منتجًا علميًا يقدمه لوالديه إهداءً وإكرامًا لهما؛ يجد مشاعر الفرح ويلاحظ في عينيهما الفرح لهذا الابن, وحقيقة أي نجاح يتحقق للابن إنما هو امتداد من نجاح والديه. فكان اللافت بالنسبة لي لما قدمت كتاب [ ميليشيا الإلحاد ] فوجئت بردة فعل لم أتوقعها فكانت مزيجًا من الاستنكار والاستغراب وكان بواعث ذلك نوع من التدين الفطري الذي كان يتأبّى على قبول إمكانية أن يكون ثمة بني آدم عاقل يتنكر لوجود الله تبارك وتعالى، كان نوع من أنواع الاشمئزاز من اتخاذ هذا الموقف العقدي المنكر لوجود الله –عزوجل- ولسان الحال لما قدمت الكتاب أنه ما الذي أدخل ابننا في هذه المتاهة الإلحادية ونقاش هذه القضية التي كانت غريبة بالنسبة لهما, فبدأت أتلمس وأحلل هذه الظاهرة وما هي بواعث هذا الاستكار, فهو نوع من أنواع التدين الفطري العميق الذي يجد الإنسان بعض أصدائه وبعض تجلياته حتى في الكتابة التأريخية في التعبيرات التي يُقال فيها: " اللهم إني أسألك إيمانًا كإيمان العجائز " أو القصة الشهيرة المنسوبة للرازي أنه مر بالطريق وفيه عجوز, فلما مر بجانبها ومر تلامذته خلفه, استغربت هذا الهيلمان واستغربت هؤلاء التلامذة الذين يتبعون هذا الرجل فقالت: من هذا؟ فقال أحد تلامذته: ألا تعلمين من هذا؟ هذا الذي أقام ألف دليل على وجود الله عزوجل. فقالت لهم العجوز: لو لم يكن في قلبه ألف شك لما أحتاج إلى ألف دليل. بمعنى أن وجود الله مسألة مستغنية عن البرهنة والتدليل الخاص العقلي, فلما بلغ خبر العجوز الرازي قال عبارته المشهورة: " اللهم إيمانًا كإيمان العجائز ". فبدأت أحلل ظاهرة فطرية معرفة الله عزوجل ومن هنا تحصلت عندي قناعة من خلال خبرة واهتمام بملف الإلحاد ومن خلال الملاحظة العلمية المتعلقة به أن الانطلاق والرجوع إلى المكون الفطري في إقرار هذه القضية قضية في غاية الأهمية, يعني عمق الإيمان بوجود الله عزوجل ينبغي أن يتأسس على القاعدة الفطرية ومن هنا أتى عنوان الكتاب [ شموع النهار ] وقد ضمنت في مقدمة الكتاب عبارة شائقة وجميلة للإمام ابن تيمية –عليه رحمة الله- نقلها عنه الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- : " كيف تطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء " وكان كثيرًا ما يتمثل بقول الشاعر : وكيف يصح في الأذهان شيئ إذا احتاج النهار إلى دليل وعلقت بقولي :" حقًًا حين نطلب الأدلة عليه فكأنما نوقد شموعًا في النهار " بالفعل.. لما يحاول الإنسان يتلمس أفراد وآحاد الأدلة المتعلقة بوجود الله –تبارك وتعالى- فكأنه يوقد شمعة في النهار, في النهار بضوء الشمس مستغنية عن إقامة الشموع الدالة على وجوده تبارك وتعالى. الكتاب باختصار يدور على فكرتين مركزيتين. الأولى: التدليل والبرهنة على وجود المكون الفطري الدال على وجود الله سبحانه وتعالى وهذا استغرق قريبًا من ثلث الكتاب الأول, وحاولت أشرح في ذلك أن ثمة مكون لا يستطيع الإنسان أن يتنكر لوجوده في نفسه يدعوه إلى الإيمان بوجود الله تبارك وتعالى, ثم تحدثت عن مستويات الدلالة الفطرية على وجود الله, وخلاصة ما أردت أن أقوله في هذا المبحث: أن الضريبة التي يدفعها الإنسان عندما يتنكر لوجود الله عز وجل ضريبة باهضة جدًا؛ وهي أنه سيضطر للتنكر للكثير من المعاني البشرية والقيم الأخلاقية والتنازل عن إرادته الإنسانية الحرة وغير ذلك من المعطيات. أحد الإشكاليات التي تلمستها وأنا أناقش كثير من الشباب الملحد المحلي السعودي, وهي أنهم يتوهمون أن إنكار وجود الله عز وجل هو نهاية مشوار الإلحاد, فكنت حريصًا في بعض المناسبات أن أنبههم أنه في الحقيقة هذا بدء المشوار وأنه سيفضي بك ذلك إلى إنكار المعارف الإنسانية كلها والقيم الأخلاقية والإرادة الإنسانية الحرة والسؤالات الوجودية الكبرى وغيرها من المعطيات, وهذه القضية أرجو أن تكون مبرهنة ومدللة وواضحة في بدايات الكتاب.. فهذا ما يتعلق بالشق الأول. الشق الثاني: وهو يشكل تقريبًا ثلثي الكتاب وهو عن: الأدلة العقلية الدالة على وجوده تبارك وتعالى والتي يحتاج الإنسان للاستعانة بها للتذكير بالمكون الفطري؛ فتكلمت على دليلين أساسيين مركزيين. الدليل الأول: دليل الحدوث والخلق والإيجاد. والدليل الثاني: دليل الرعاية والعناية والتصميم. وحرصت أني أورِد ما اطلعت عليه من الاعتراضات على الدليل الأول والثاني ومناقشته مناقشة علمية أرجو أن تكون نافعة ومفيدة وهادئة. والحقيقة أن أحد الأغراض المركزية للكتاب هو مقتبس من العنوان الفرعي للكتاب [إطلالة على الجدل الديني المعاصر] وهذه الكلمة المحورية في هذا العنوان [المعاصر] في مسألة الوجود الإلهي, فأشبه أني أريد نوع من أنواع تحديث البيانات لطبيعة الجدل القائم اليوم في مسألة وجود الله عزوجل. كثير من الجدليات الدائرة في الدائرة الفلسفية والكلامية التراثية المتقدمة ليست لها ذاك الحضور في عالم اليوم. نعم, ثمة استمرار لنسق هذه القضية حتى عالمنا اليوم ، وجملة من الاعتراضات هي من التراث القديم وجملة من الاعتراضات قديمة وجملة من الاعتراضات النبي صلى الله عليه وسلم قد تنبأ لوقوع مثل هذه الإشكاليات والشبهات, لكن ثمة حزمة أخرى من الإشكاليات والشبهات المستجدة الموجودة في هذا الباب ثمة أدوات يستطيع الإنسان في ظل المعطيات المعرفية الجديدة أن يبرهن ويدلل على وجود الله تبارك وتعالى, فحرصت في هذا الكتاب أني أقدم أشبه بتحديث البيانات والمعلومات المتعلقة بهذا الملف للخطاب الشرعي المعاصر ليستعين بها على هذه المعركة بين المؤمنين بوجوده تبارك وتعالى وبين مقابليهم من الملاحدة. هذا ما كان لدي, أسأل الله عز وجل كما ابتدأنا أن يكتب لي ولكم الأجر والمثوبة والتوفيق وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. وأسأل الله عز وجل للجميع الانتفاع بهذه المادة العلمية. انتهى
    التمهيد

    بصوت الكاتب

    26
    15
    00:00
    تحميل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البدء أرحب بالأخوات الفاضلات الموجودات في هذه المجموعة المباركة..
أسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح..

محل التدارس والمذاكرة هو في كتابي [ شموع النهار - إطلاله على الجدل الديني الإلحادي المعاصر في مسألة الوجود الإلهي] وللكتاب بطبيعة الحال قصة ولكل كتاب مع مؤلفه قصة؛ فقصة هذا الكتاب تبتدئ حقيقة في سنة 2006 ميلادي حيث قدّر الله -عزوجل- لي أن أكون في سفْرةٍ ورحلة إلى (كندا), وكنت في مدينة قريبة من مدينة (ترنتو) تدعى (واترلو), وكان من تقدير الله -عزوجل- أن يكون في أثناء وجودي في هذه المدينة إقامة مؤتمر لحوار الأديان في الجامعة المحلية الموجودة في تلك المدينة. وما أخفيكم أنه انتابني قدر من حب الفضول أو الاستطلاع؛ فالإنسان كان يسمع عن هذه الملتقيات وهذه المؤتمرات سماعًا عن بُعد وكان يطلع على بعض أجنداتها وما يدور فيها من خلال الورق والكتابة لكن لم يكن متاحًا أن الانسان يحضر بشكل مباشر فحرصت أني أحضر بشكل مباشر وأطلع على طبيعة ما يدور في أروقة مثل هذه الملتقيات ومثل هذه المؤتمرات, ففعلاًً حضرت المؤتمر ودخلنا القاعة الرئيسية, لما دخلنا القاعة الرئيسية كان موجود على المنصة -أو المسرح- كافة ممثلي الأديان؛ كان موجود مسلم ونصراني ويهودي وبوذي وسيخي وهندوسي حتى بعض الأديان الوثنية المحلية الموجودة في كندا, وكان لمفاجئتي شخص موجود في منتصف المسرح لما أراد أن يُعرّف عن نفسه قال باللغة الإنجليزية: I am an Atheist
ما أنسى شعوري لما قال: I am an Atheist =أنا ملحد. اللفظة هذه لم تكن تنتمي إلى المفردات الذهنية الخاصة بي فلم أكن أعرف معناها فاستخرجت القاموس كان في جيبي في الهاتف وبحثت عن كلمة Atheist معناها ففوجئت أن معناها: ملحد. وأذكر أن المشاعر التي عصفت بي لما سمعت هذه الكلمة أو سمعت هذا التعريف عن نفسه بأنه ملحد أن هذه لعلها أول مرة في حياتي أجتمع أنا وملحد في غرفة واحدة فكان سؤال الإلحاد سؤال إنكاره بالله تعالى لم يكن سؤالاً حاضرًا في ذهني أصلاًً ولا حتى في اهتمامي بالمجال العقدي أو المجال الفكري, قضية الإلحاد ما كانت داخلة في أولوياتي واهتمامي كانت قضية غائبة تمامًا عن الوعي.
أذكر خرجنا من القاعة الرئيسة -قاعة المحاضرات- وذهبنا إلى أشبه بالمعرض المصاحِب الذين كانوا يعرضون فيه كافة ممثلي الأديان, يعني جملة من القضايا المتعلقة بأديانهم؛ مطبوعات، مواد مرئية، مواد صوتية، أقراص، أشياء قد تنتمي إلى الفلكلور الشعبي المتعلق بذلك الدين، فأذكر أني توجهت مباشرة -للفضول الذي انتابني- إلى الجناح أو الزاوية الخاصة بالملاحدة وبدأت أقلب بعض المنتجات عندهم وكانت فعلاً بعض المطبوعات التي اقتنيتها في تلك اللحظة مطبوعات تتسم عناوينها بقدر من الاستفزاز, أذكر أني اقتنيت كتاب بعنوان [ the impossibility of god = استحالة الإله ]. وكتاب لأحد الملاحدة المشاهير في كندا اسمه (دان باركر) له كتاب اسمه: [losing faith in faith = فقد الإيمان في الإيمان] وكان قس نصراني ثم تحول من النصرانية إلى الإلحاد, ووجدت حتى وتفاجأت بعض الكتب مؤلفة للأطفال, وأنا أتكلم عن الأطفال يعني أنها كتب مصورة لصغار السن جدًا تبشر بالقضايا الإلحادية. وسبحان الله تزامن في تلك المدة فترة وجودي في كندا عند زيارتي بعض المكتبات المحلية أن ظهر كتاب في الوسط الغربي مثير للجدل وأثار زوبعة كلام وانتشر انتشارًا كبيرًا وكان محل جدل عاصف, وهو كتاب داعية الإلحاد الأول والأبرز وأشهر الملاحدة في عالم اليوم حتى أنه يلقب في بعض الدوائر الفكرية الغربية بأنه ( نبي الإلحاد = the prophet of Atheist ) داعية الإلحاد الشهير: ريتشارد دوكنز صاحب كتاب [ the god delusion = وهم الإله ] الكتاب هذا يتخيل الإنسان حجم انتشاره والحراك الذي أحدثه أنه بيع منه خلال الأربع سنوات الأولى من نشره باللغة الإنجليزية وحدها أكثر من مليونين نسخة وترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة من لغات العالم الحية وترجم كذلك -حتى يدرك الأخوات- للغة العربية في منصة أمازون المنصة الأشهر لبيع الكتب على فضاء الانترنت كان يمثل في كثير من المنصات في أمازون؛ في بريطانيا على -سبيل المثال- وفي بعض الدول يمثل الرقم 1 في حجم مبيعاته في تلك السنة, وكان من مجموع أمازون بشكل عام يمثل الكتاب رقم 2 في تلك السنة التي نُشر فيها من ناحية كثرة الطلب وكثرة الشراء, وظل على قائمة الكتب الأفضل مبيعًا وتنشرها بشكل أسبوعي الصحيفة المشهورة: صحيفة نيويورك تايمز, ظل رقم 1 لمدة أشهر وظل موجودًا على القائمة لمدة أكثر من سنة. وتتابعت بعدها الكتابات المبشرة بالقضية الإلحادية التي تتسم بلغة شعبية تناسب شريحة مجتمعية واسعة. يعني مثل كتاب [God is not great ] و كتاب [breaking the spell ] على سبيل المثال, لكن ما كنت متنبهًا لها إلا بعد الاهتمام بالملف الإلحادي. وكتاب [ the end of faith ] كتاب نهاية الإيمان لسام هارس.
الشاهد أنه بعد تلك السفرة بدأ الاهتمام بقضية الإلحاد ومتابعة بعض قضاياه خصوصًا باللغة الإنجليزية ومتابعة بعض المواقع الموجودة في الانترنت, متابعة بعض القضايا المرئية والمناظرات والقضايا المتعلقة به, وبدأت لما رجعت إلى البلد أتواصل مع المشايخ وطلبة العلم من الزملاء والأحبة والأقران محذرًا من موجة إلحادية تعصف بالمجتمعات الغربية وخشية من أن تعصف بالوسط العربي المحلي, ومن بركة الله –عزوجل- علي أني حظيت بشرف الالتقاء والصحبة والزمالة والصداقة بالشيخ عائض الدوسري الذي وجدت عنده ذات الاهتمام في ذات المرحلة التي كنت مهتمًا بها, حتى أنه كتب مقالة في تلك الملابسات والظروف كان عنوان المقالة مهم " عقولنا تحت القصف "وهي مقالة منشورة في فضاء الانترنت وقد ضمنتها كملحق في آخر كتابي [ميليشيا الإلحاد].
الشيخ عائض الدوسري كان من الامتيازات الموجودة عنده أنه استطاع أنه ينفذ إلى بعض المجموعات الإلحادية الموجودة محليًا ويلتقي ببعض الشباب المتأثرين بالخطاب الإلحادي وعن طريقه استطعت أني أتوصل للالتقاء ببعض المجموعات الإلحادية بمحاورات ومناقشات وغير ذلك, ومن خلال تلك الحوارات -بطبيعة الحال- بدأت ترتسم صورة ذهنية أكثر دقة لواقع الشباب المتأثر بالخطاب الإلحادي، ما أسبابه؟ ما طبيعته؟ ما بواعثه؟ هل ثمة إمكانيات حقيقية للمعالجة وتحقيق الهداية؟ وغير ذلك من المعطيات. وظللت فترة من الزمن لا أتحدث عن الملف الإلحادي علانية ثم يعلم الجميع أنه حصلت بعض المشاهدات وبعض القضايا في المشهد المحلي التي نقلت الملف الإلحادي إلى نوع من أنواع الهم الاجتماعي العام, وبعد ذلك طلب مني في بعض المناسبات وبعض الملتقيات أني أقدم بعض المواد المتعلقة بقضية الإلحاد, وحصل ذلك في بعض المناسبات وفي ديوانية الشيخ الغنام ألقيت محاضرة قصيرة ثم دُعيت في ملتقى (التهافت الفكري الإلحادي) لتقديم دورة مطولة في قضية الإلحاد وبدأت تشيع المعاني هذه.
ولما اطلع بعض الأحبة على بعض المواد المرئية وحضر بعض هذه المحاضرات وغيرها, طلب مني توثيق هذه المادة العلمية في كتاب وقد يكون في ذلك نفع, وصادف هذا المقترح هوى في نفسي وفعلاً كان وليد هذا المقترحات كتابي الأول الذي يتماس مع القضية الإلحادية وكان بعنوان [ ميليشيا الإلحاد - مدخل لفهم الإلحاد الجديد ] وإن كان الكتاب هو مجرد عبارة لاستعراض أهم التطورات التي لحقت بالخطاب الإلحادي في العصر الحديث والنصف الثاني من الكتاب كان توصيات بتطوير أداء الخطاب العقدي لمجابهة الإشكاليات في الإلحاد. وأذكر كان من عادتي –وهذه تفضي بنا إلى قصة كتاب شموع النهار بشكل مباشر- أن أول نسخة تهدى من الكتاب للوالدة الكريمة وللوالد الكريم, والإنسان كلما أهدى منتجًا علميًا يقدمه لوالديه إهداءً وإكرامًا لهما؛ يجد مشاعر الفرح ويلاحظ في عينيهما الفرح لهذا الابن, وحقيقة أي نجاح يتحقق للابن إنما هو امتداد من نجاح والديه. فكان اللافت بالنسبة لي لما قدمت كتاب [ ميليشيا الإلحاد ] فوجئت بردة فعل لم أتوقعها فكانت مزيجًا من الاستنكار والاستغراب وكان بواعث ذلك نوع من التدين الفطري الذي كان يتأبّى على قبول إمكانية أن يكون ثمة بني آدم عاقل يتنكر لوجود الله تبارك وتعالى، كان نوع من أنواع الاشمئزاز من اتخاذ هذا الموقف العقدي المنكر لوجود الله –عزوجل- ولسان الحال لما قدمت الكتاب أنه ما الذي أدخل ابننا في هذه المتاهة الإلحادية ونقاش هذه القضية التي كانت غريبة بالنسبة لهما, فبدأت أتلمس وأحلل هذه الظاهرة وما هي بواعث هذا الاستكار, فهو نوع من أنواع التدين الفطري العميق الذي يجد الإنسان بعض أصدائه وبعض تجلياته حتى في الكتابة التأريخية في التعبيرات التي يُقال فيها: " اللهم إني أسألك إيمانًا كإيمان العجائز " أو القصة الشهيرة المنسوبة للرازي أنه مر بالطريق وفيه عجوز, فلما مر بجانبها ومر تلامذته خلفه, استغربت هذا الهيلمان واستغربت هؤلاء التلامذة الذين يتبعون هذا الرجل فقالت: من هذا؟ فقال أحد تلامذته: ألا تعلمين من هذا؟ هذا الذي أقام ألف دليل على وجود الله عزوجل. فقالت لهم العجوز: لو لم يكن في قلبه ألف شك لما أحتاج إلى ألف دليل. بمعنى أن وجود الله مسألة مستغنية عن البرهنة والتدليل الخاص العقلي, فلما بلغ خبر العجوز الرازي قال عبارته المشهورة: " اللهم إيمانًا كإيمان العجائز ". فبدأت أحلل ظاهرة فطرية معرفة الله عزوجل ومن هنا تحصلت عندي قناعة من خلال خبرة واهتمام بملف الإلحاد ومن خلال الملاحظة العلمية المتعلقة به أن الانطلاق والرجوع إلى المكون الفطري في إقرار هذه القضية قضية في غاية الأهمية, يعني عمق الإيمان بوجود الله عزوجل ينبغي أن يتأسس على القاعدة الفطرية ومن هنا أتى عنوان الكتاب [ شموع النهار ] وقد ضمنت في مقدمة الكتاب عبارة شائقة وجميلة للإمام ابن تيمية –عليه رحمة الله- نقلها عنه الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- : " كيف تطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء " وكان كثيرًا ما يتمثل بقول الشاعر :
وكيف يصح في الأذهان شيئ إذا احتاج النهار إلى دليل
وعلقت بقولي :" حقًًا حين نطلب الأدلة عليه فكأنما نوقد شموعًا في النهار "
بالفعل.. لما يحاول الإنسان يتلمس أفراد وآحاد الأدلة المتعلقة بوجود الله –تبارك وتعالى- فكأنه يوقد شمعة في النهار, في النهار بضوء الشمس مستغنية عن إقامة الشموع الدالة على وجوده تبارك وتعالى.
الكتاب باختصار يدور على فكرتين مركزيتين.
الأولى: التدليل والبرهنة على وجود المكون الفطري الدال على وجود الله سبحانه وتعالى وهذا استغرق قريبًا من ثلث الكتاب الأول, وحاولت أشرح في ذلك أن ثمة مكون لا يستطيع الإنسان أن يتنكر لوجوده في نفسه يدعوه إلى الإيمان بوجود الله تبارك وتعالى, ثم تحدثت عن مستويات الدلالة الفطرية على وجود الله, وخلاصة ما أردت أن أقوله في هذا المبحث: أن الضريبة التي يدفعها الإنسان عندما يتنكر لوجود الله عز وجل ضريبة باهضة جدًا؛ وهي أنه سيضطر للتنكر للكثير من المعاني البشرية والقيم الأخلاقية والتنازل عن إرادته الإنسانية الحرة وغير ذلك من المعطيات.
أحد الإشكاليات التي تلمستها وأنا أناقش كثير من الشباب الملحد المحلي السعودي, وهي أنهم يتوهمون أن إنكار وجود الله عز وجل هو نهاية مشوار الإلحاد, فكنت حريصًا في بعض المناسبات أن أنبههم أنه في الحقيقة هذا بدء المشوار وأنه سيفضي بك ذلك إلى إنكار المعارف الإنسانية كلها والقيم الأخلاقية والإرادة الإنسانية الحرة والسؤالات الوجودية الكبرى وغيرها من المعطيات, وهذه القضية أرجو أن تكون مبرهنة ومدللة وواضحة في بدايات الكتاب.. فهذا ما يتعلق بالشق الأول.
الشق الثاني: وهو يشكل تقريبًا ثلثي الكتاب وهو عن: الأدلة العقلية الدالة على وجوده تبارك وتعالى والتي يحتاج الإنسان للاستعانة بها للتذكير بالمكون الفطري؛ فتكلمت على دليلين أساسيين مركزيين.
الدليل الأول: دليل الحدوث والخلق والإيجاد.
والدليل الثاني: دليل الرعاية والعناية والتصميم.
وحرصت أني أورِد ما اطلعت عليه من الاعتراضات على الدليل الأول والثاني ومناقشته مناقشة علمية أرجو أن تكون نافعة ومفيدة وهادئة.
والحقيقة أن أحد الأغراض المركزية للكتاب هو مقتبس من العنوان الفرعي للكتاب [إطلالة على الجدل الديني المعاصر] وهذه الكلمة المحورية في هذا العنوان [المعاصر] في مسألة الوجود الإلهي, فأشبه أني أريد نوع من أنواع تحديث البيانات لطبيعة الجدل القائم اليوم في مسألة وجود الله عزوجل. كثير من الجدليات الدائرة في الدائرة الفلسفية والكلامية التراثية المتقدمة ليست لها ذاك الحضور في عالم اليوم. نعم, ثمة استمرار لنسق هذه القضية حتى عالمنا اليوم ، وجملة من الاعتراضات هي من التراث القديم وجملة من الاعتراضات قديمة وجملة من الاعتراضات النبي صلى الله عليه وسلم قد تنبأ لوقوع مثل هذه الإشكاليات والشبهات, لكن ثمة حزمة أخرى من الإشكاليات والشبهات المستجدة الموجودة في هذا الباب ثمة أدوات يستطيع الإنسان في ظل المعطيات المعرفية الجديدة أن يبرهن ويدلل على وجود الله تبارك وتعالى, فحرصت في هذا الكتاب أني أقدم أشبه بتحديث البيانات والمعلومات المتعلقة بهذا الملف للخطاب الشرعي المعاصر ليستعين بها على هذه المعركة بين المؤمنين بوجوده تبارك وتعالى وبين مقابليهم من الملاحدة.
هذا ما كان لدي, أسأل الله عز وجل كما ابتدأنا أن يكتب لي ولكم الأجر والمثوبة والتوفيق وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. وأسأل الله عز وجل للجميع الانتفاع بهذه المادة العلمية.

انتهى

مقالة: عقولنا تحت القصف http://www.saaid.net/arabic/208.htm

السوفسطائية: مأخوذةٌ من السفسطة، وهي: قياس مركب من الوهميات، وهم طائفة من فلاسفة اليونان ممن ينكرون الحسيات والبدهيات، ومعناها باليوناني: (سوفا) اسم للعلم، و (اسطا) اسم للغلط، فسوفسطا: معناه علم الغلط. التعريفات للجرجاني ص158، مجموع الفتاوى (2/98)

لا يوجد مناقشات
لا يوجد اقتباسات
لا يوجد استفسارات