بسم الله الرحمن الرحيم

قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له" صحيح مسلم:١٦٣١
من هذا الحديث انطلقت كل الأوقاف، وأصبحت مصدرًا ماليًا معتبرًا بين المسلمين، وشكَّلت داعمًا رئيسيًّا في نهضة الأمة الإسلامية علمية وثقافية، وسندًا حقيقيًا للطلبة والمؤسسات التعليمية. 

قال ابن جبير رحمه الله عندما انتشرت الأوقاف في الأصقاع الإسلامية "رحم الله واضعها الأول، ورحم الله من تبع ذلك السنن الصالح". وذكر ابن خلدون عن دَور الوقف في دعم طالب العلم: "ووجود الإعانة لطالب العلم بالجراية من الأوقاف" 

ومما ساهم به الوقف: نشر كتب العلماء والباحثين، بل واستطاع تمويل الكتب والأبحاث، وممن أكد ذلك ياقوت الحموي بتصريحه أن ما كتبه في كتابه معجم البلدان كان مما جمعه من فوائد من الكتب الموقوفة إلى استعارها، فقال: "كانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مِئتا مجلد وأكثرها بغير رهن تكون قيمتها مائتي دينار، فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها"

ولا يتصور أن تكون هناك حضارة إسلامية بدون وجود دار معرفة وثقافة، لأجل ذلك قامت الكثير من المكتبات ودور الكتب على الوقف وأموال الأهالي، كما قامت المدارس ودور العلم، وألحق بالوقف كل ما يتصل بالمكتبة من حاجيات وأدوات،كالنسخ والأوراق وأجرة العاملين بالمكتبات. وامتد دور المال الوقفي في تهيئة جيل من الكوادر العلمية القادرة على مد الدولة بكل الاحتياجات والإمكانات، ولم يكن هذا المال خاص بفئة دون أخرى، بل جاء لطبقات المجتمع ككل.

وبالتالي حافَظَ المال الوقفي على نشر العلم والتعلم بين طبقات المجتمع بكل فئاته وقطاعاته، وشد من أزر المجتمع وتماسكه البنيوي، وساعد في تنمية موارد الدولة الإسلامية، وخصوصًا البشرية منها، من خلال مؤسسات وقفية رائدة مثلت قلعات شامخة على مدار التاريخ الإنساني.

ليكن لك نصيب من المشاركة في هذا الوقف العلمي من خلال ماتجود به نفسك من هبات، لتعود عليك بالثواب الممتد إلى يوم القيامة بإذن الله.