الإنسان الكامل في الفكر الصوفي - عرض ونقد -

الأوراد/ التعريف بالكتاب والتعليق على المقدمة (٣ - ١٥)

هذا ملخص يتضمن أهم النقاط الرئيسية والأفكار المهمة؛ لذا هو لا يغني عن الكتاب، صممناه لكم بشكل مريح يساعد على ترتيب المعلومة وفهمها

  • بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا بالمشاركين في هذه الدورة في كتاب "الإنسان الكامل في الفكر الصوفي – عرض ونقد" هذا الكتاب أعددته وألفته وتقدمت به لنيل درجة الدكتوراه في تخصص العقيدة والأديان والمذاهب والفرق، وهو مختص في الفرق وفي التصوف خصوصًا كما هو ظاهر من العنوان، والذي حمل على هذا البحث وهذا العنوان خصوصًا: أولَا لأن التصوف فكر يعمّ البلدان الإسلامية، فهو له حضور طاغ ويكاد أن يكون سواد المسلمين فيهم انتساب إلى للتصوف، انتساب عام وليس خاص، فالخاص هو المدرك لأفكار التصوف على وجه الدقة والحقيقة، أما الانتساب العام فهو الذي لا يدرك منه إلا جوانب عملية مثل الذكر، الأوراد ونحو ذلك. فهذا موجود عند المسلمين بشكل ملحوظ ويكاد أن يكون في كل البلاد الإسلامية بتفاوت الظهور وإن كان ظهورًا كبيرًا في أكثرها، ولأن هذا الفكر فيه وعليه ملاحظات سواء عقدية أو سلوكية أو أصلية تاريخية، كان لابدّ من فحصه ونقده والبحث في حقيقته، وهذا هو مهمة المتخصص في العقائد والأديان والفرق والمذاهب، وهذه عملية فيها خدمة للحقيقة لأن غاية الإنسان في هذه الدنيا أن يتصل بالحقيقة وأن يعرف أين يقف من هذه الأفكار الموجودة المنتشرة في العالم خصوصَا الأفكار المؤثرة التي لها تأثير وحضور ملفت للنظر، والتصوف كما أسلفنا من هذا الفكر، فكان لابد من دراسته وكثير درسه وتطرق إلى أصوله، ومن أصوله فكرة الإنسان الكامل، وهذا مصطلح شائع في الثقافات الصوفية القديمة، وللعلم فإن التصوف فكر ليس جديد وليس حديث ولم ينشأ مع الإسلام، التصوف فكر قديم وهذا يقر به الباحثون في التصوف على اختلافات اتجاهاتهم لأنها قضية ظاهرة وليست خفية، وهذا معروف عن التصوف وأصوله وأفكاره أيضًا هي موجودة منذ القديم، ومن ذلك (الإنسان الكامل)، قد يختلف الاسم، المسميات قد تختلف والعناوين قد تختلف ولكن الفكرة واحدة، فهذا المصطلح (الإنسان الكامل) قد يُطرح بمصطلحات أخرى، كالقطب، والغوث، والولي، ونحو ذلك مما هو دارج في هذا المعنى، ولذلك قد خُصص في هذا الكتاب مبحث يتعلق بالمصطلحات التي تدور في فلك هذا العنوان (الإنسان الكامل) فمن ذلك كما تقدّم: الولي والقطب والغوث ونحو ذلك، هذه الفكرة محورية في التصوف، التصوف يدور عليه، لأنه إذا أردنا أن نختصر فكرة التصوف ونقدمها كقضية معلومة ظاهرة في من أراد أن يتعرف عليها فإنها تهدف في حقيقة الأمر إلى الاتصال ما بين الإنسان وما بين الإله وليس الاتصال الذي قد يرد في ذهن الموحد وهو اتصاله (بالحب والخضوع والرجاء والخوف والتوكل) ونحو ذلك مما فيه عبودية للإنسان وربوبية للخالق وألوهية، كلا، إنما المقصود اتصال يحصل به (توحد، اتحاد، حلول)، وهذه المصطلحات الشائعة في هذا الفكر بقوة سواءً كان اتحادًا ذاتيًا أو حتى معنويًا بحسب مراتب المتصوفة واعتقاداتهم، فالفكر الصوفي ينظر إلى الإنسان على أنه كان كائنًا متصلُا بالإله منذ الأزل، متصلًا متوحدًا في جزء منه فهو الروح الأقدس الأكبر هذا الإله، وهذا الإنسان روح جزئي في هذا الروح الكلي الأقدس، الذي حصل أنه انفصل عنه بإرادة من هذا الأقدس، انفصل عنه فلما انفصل عنه حصل له نوع من الشقاء فاحتاج إلى أن يسترجع اتصاله فهو يعمل على هذا المعنى يعمل إلى أن يتصل من جديد بالإله فلذلك وضع له أهل التصوف قواعد وسلوك حتى يرجع إلى أن يتصل بمعنى أن يتحد بمعنى أن يحصل توحد بينه وبين الخالق، فإذا أتى بهذه القواعد والسلوك الموضوع لهذه الطريقة فإن نتيجته بحسب هذا الفكر أنه سيتصل وأنه سيكون جزءًا مندمجًا في الذات الإلاهية أو هذا الروح الجزئي سيندمج في الروح الكلية وإذا اندمج عاد الأمر كما كان، كما يروج عنهم في هذا المعنى قولهم: "يبقى من لم يزل، ويفنى من لم يكُن" فمن لم يكن هذا الإنسان في جسده في طينته يفنى، ثم بروحه يرجع ويتصل، فإذا رجع واتصل فإنه حينئذٍ ينال الكمال لأنه يصبح مُتحدًّا في هذا الكامل، فإذا اتحد بالكامل صار كاملًا مثله، من هنا جاءت فكرة الإنسان الكامل والولي والقطب، وهذه القضية وهذا المسلك وهذه والنتيجة التي يحصل عليها هذا المتصوف لا يُتشرط فيها أن يكون بعد الممات، أي بعد وفاته وفاة حقيقة، بل قد يُحَصِّل ذلك، بل له أن يُحَصِّل ذلك وهو حي، فمعاده ورجوعه واتصاله بالإله قد يحصل ذلك وهو حي وليس بميت، فلذلك الصوفي يسعى إلى هذا المعنى ويؤمن به، فهذه فكرة كبيرة ومسيطرة على عموم الفكر الصوفي وكل الأفكار الأخرى تدور على هذه الفكرة، إذًا نحن في هذا الكتاب أخذنا فكرة أساسية ومحورية، بل هو صلب الموضوع، وأردنا أن نُجلي عنه، فلذلك تكلمنا عن الإنسان بحسب وضعه الصوفي، وكان لابد أن نقدم بمقدمة عن الإنسان بحسب وضعه الإسلامي، وعندنا فارق كبير حقيقة بين الفكر الصوفي والفكر الإسلامي، لا يلتقيان حقيقة في أصول وإن التقت في شيء من الفروع فهذا لا يجعل من التصوف إسلامًا، فالإسلام في الفروع يلتقي مع ثقافات كثيرة، فالتوافق والتشابه بين الثقافات في الفروع وارد لكن في الأصول كثير منها مختلف، فالتصوف والإسلام بينهما اختلاف كبير، فكان بحسب المنهج العلمي والبحثي المتناول، لابد من تقدمة يكون فيها بيان حقيقة الإنسان في الإسلام ولم يكن هذا بالتفصيل الدقيق وإنما بالإجمال لأن القضية قضية بحث ما عند التصوف فهذه مقدمة ولذلك استغرقت فصلًا، ثم بعد ذلك كان لا بد من تناول التصوف ومعاني التصوف وفكرتها وأصل الكلمة والمعنى والمصطلح، وبعد ذلك ولجنا في الموضوع فبينّا ما يتعلق بالمعنى، معنى الإنسان الكامل في الفكر الصوفي ومرادفات هذا المصطلح ثم خصائص هذا الإنسان الكامل كونه أول الوجود وكونه جامع للحقائق الكاملة والكلية في هذا الكون وهذا الكلام يحتاج إلى تفصيل سيأتي فيما نستقبل إن شاء الله، كذلك ثَمَّ وظيفته الكبرى في هذه الحياة الدنيا وهي وساطته بين الحقّ والخلق، سواء كانت وساطة من الحق إلى الخلق أو من الخلق إلى الحق وهذا أمر فيه أيضًا تفصيل، ثم موقف الإنسان الكامل أو موقف الإسلام من الإنسان الكامل وموقف الشريعة من الإنسان الكامل في قضايا محددة: العصمة وسقوط التكاليف والأنس، وكذلك جذور هذه الفكرة في الثقافات القديمة، هذا مجمل ما ورد في هذا الكتاب والكتاب لم يطبع إلا مرة واحدة ولعلنا إن شاء الله في اللقاءات القادمة نُبيّن تفاصيل الموضوعات حسب عناوينها. وصلَّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
    التهيئة

    بصوت الكاتب

    8
    4
    00:00
    تحميل
  • بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، السلام عليكم ورحمة الله وحياكم الله. في كلامنا على مقدمة هذا الكتاب (الإنسان الكامل)، المقدمة وُضعت لبيان منهج في دراسة التصوف حَمل عليه أن كثيرًا من الباحثين لم يعنوا بهذه القضية ولم يؤدوا حقها كما يجب فدرسوا التصوف على غير منهاج ولذلك جاءت نتائجهم، نتائج دراساتهم، خليط غير محقق في بيان المنهج المطلوب للتصوف ووضع منهج في الدراسة مهم جدًا للتوصل إلى حقائق القضية. التصوف أصبح ملة وفكرة ودينًا ومذهبًا قائمًا له كيان متميز فلا بد من الوصول الى كُنه هذا الكيان ومعرفة موقعه من الإسلام، خصوصا بعد تلبس هذا الفكر بالإسلام حتى قُدِّم لكثير من الناس وكأنه هو الإسلام بينما الدارس المتجرد المحايد المنصف يجد بونًا شاسعًا بين الفكرتين المذهبين بين الملتين، ونقول ملة ونقول مذهب وعقيدة, لأن التصوف قديم موجود قبل الإسلام باسمه وكما يقال بلحمه وعظمه وشحمه، فهو هو وإنما لما دخل الإسلام لبس لباس الإسلام، هذه حقيقة، وكل من درس التصوف وتأمل هذا الفكر في الإسلام عند المسلمين المتصوفة وقارن ذلك بما قبل وجدها ذرية بعضها من بعض، فكان لا بد من معرفة هذه الحقيقة وتقديمها ولا يمكن التوصل إليها إلا من خلال دراسة مبنية على منهج صحيح موصل إلى النتائج، وهذا ما كان في هذه الدراسة والمقدمة بيّنت جانبا من هذا المنهج أظنه كافيًا في معرفة حقيقة التصوف. والفكرة باختصار أنه كما للإسلام أصولًا وقضايا بها يتميز هذا الدين ويتميز المسلم، لكننا نفرق بين الإسلام كدين وعقيدة وبين المسلم كمنتسب لهذا الدين، فإن المسلم ليس في واقع الأمر مماثل ومنطبق في أحواله على الإسلام تمامًا لأنه لو انطبق على الإسلام تماما فإنه يصبح في مصاف (الأنبياء أو الصحابة) على أقل تقدير باعتبار أن هؤلاء حققوا من الإسلام كله أو جلّه، لكن حقيقة الأمر واقع الأمر أن المسلمين مختلفون في نسب تدينهم فلذلك لا يؤخذ المسلم في العادة كتمثيل للإسلام كامل لأن الإنسان فيه نقص، فإذا نُسب إلى الإسلام بكامله نُسب نقصه أيضًا وهذا خطأ، وإنما يؤخذ الإسلام من مصادره الكتاب والسنة، وكذلك التصوف من الخطأ أن يؤخذ عن المتصوفة خصوصًا المقصود المتصوفة الإسلاميين، أن يؤخذ عنهم ويُقدموا على أن هؤلاء هم التصوف، وإنما يؤخذون ويُدرسون على أنهم مزيج من التصوف والإسلام هذا في أغلب أحوال المتصوفة أو في أكثر المتصوفة، أنهم يُقدمون على أنهم مزيج، خليط جمعوا بين فكرتين في اعتقاداتهم وسلوكهم: الإسلام والتصوف. أما أن يُقدَّم الصوفي على أنه يمثل الفكر الصوفي بتمامه أو الإسلام بتمامه فهذا فيه خلط، لأنه حينئذٍ يُنظر إليه على أن الإسلام هو هذا الذي عليه المتصوف، أو يُنظر على أن كل ما أتى به هو من التصوف، والذي أتى به كما قلنا مزيج باعتبار أنه مسلم فهو عنده من تعاليم الإسلام وباعتبار أنه صوفي عنده من تعاليم التصوف، فهو يخلط بينهما، حين ذلك لا يصلح أن نأتي بالمتصوف ونقدمه على أنه ممثل للتصوف كليًا أو الإسلام كليًا، وإنما يُميَّز فينظر في أفعاله في سلوكه في اعتقاداته، فما كان متصلًا وموافقًا مطابقًا للتصوف نُسبَ إلى التصوف فيه، وما كان مناسبًا ومتواصلًا ومتفقًا مع الإسلام نُسبَ إلى الإسلام، هكذا يكون الحكم عليه عادلًا، وإذا قيل: وكيف يمكن أن نتصل بالتصوف إلا من خلال المتصوفة؟ يُقال: لا، هذا لو أن التصوف نشأ في الإسلام، قلنا: نعم، ليس لنا أن نعرف التصوف إلا من خلال المتصوفة المسلمين لكن حقيقة الأمر أن التصوف قد نشأ قبل الإسلام، وإذا كان قد نشأ قبل الإسلام، فإذًا أصوله وأفكاره موجودة قبل الإسلام، إذًا هذا الصوفي نفسه إذا أُريد به معرفة حقيقة حاله فإنه يُعاد به إلى ما قبل الإسلام، فيُنظر فيما جاد به في إنتاجه، يُنظر في اعتقاداته، ويُقارن بما كان في اعتقادات المتصوفة قبل الإسلام، لأنها اعتقادات وسلوكيات قد استقرت ويمكن أن نعرف ملامحها كاملة، فيُنظر في هذا فما اتفق فيه فهو منه، هكذا باختصار يمكن أن نعرف حقيقة التصوف لا أن نتخذ المتصوف نفسه معيارًا وميزانًا لمعرفة التصوف، حينئذ يقع عندنا إشكال مثل القول المشهور عند كثيرمنهم: "علمنا مقيد بالكتاب والسنة" حقيقة الأمر أنه لو كان علمهم مقيد بالكتاب والسنة المتصوفة لما كان هذا النكير من أئمه السلف: {الشافعي ومالك وأحمد وأبو زرعة }وغيرهم، عندما نشأ التصوف في زمانهم ولم يكونوا بعد قد اطلعوا على أفكار الحلول والاتحاد عندهم وقد اطلع على هذه الأفكار من بعدهم من العلماء. والمنكرون على المتصوفة من العلماء الراسخون كثير، فكيف يكون علمهم مقيد بالكتاب والسنة؟ قالوا ماذا: "علمنا مقيد بالكتاب والسنة" إنما قالها الصوفي بناءً على ثقافته الإسلامية التي تفرض عليه هذا المعنى وليست بناءً على ثقافته الصوفية لأن الفارق في منهج التلقي كبير بين العقيدتين: الإسلام منهج التلقي عندهم قائم على أن العلم يُنال من الخارج، يتعلمه الإنسان من الخارج لا من لدُن ذاته، فهو لا بد له من شيخ أستاذ يتعلمه ويقرأ الكتاب والسنة ويُحصِّل على العلم من وراء ذلك، أما في التصوف فلا يحتاج إلى شيخ، لا يحتاج إلى معلم إلا ان يعلمه الطريق والسلوك لكن علومه بعد ذلك تنبع من ذاته، فعلِم الصوفي من ذاته من الداخل، وأما العلم في الإسلام فمن الخارج، فالفرق كبير جذري بينهما، فلا يمكن أن يُقال أن هذه الكلمة "علمنا مقيد بالكتاب والسنة" منسوبة إلى التصوف، منسوبة إلى الصوفي لأن الصوفي فيه جانب مسلم، لذلك جاء بهذا المعنى، أما الجانب الآخر الصوفي فلا يمكن أن يأتي بهذه القضية ويقررها لأنها واضحة الاختلاف بين الإسلام وبين التصوف، هذه فكرة مختصرة لبيان طريقة دراسة التصوف، من لم يتقنها من لم يحط بها ويتخذها كمنهج فإن في الغالب نتائجه تأتي مختلة فيها كثير من الخلل وكثر من الغبش وعدم الانسجام والاتساق لأنه ما فرّق في مصادر التلقي ولم يفرق بين الفكرة كفكرة وبين الأشخاص، فجاء بالأشخاص فجعلهم هم الفكرة، لا يمكن أن يأتي المسلم أن يكون هو الممثل للإسلام، لا، النبي يمثل الإسلام نعم لأنه لا ينطق عن الهوى، مجموع الصحابة يمثلون الإسلام لأنهم معصومون من الخطأ بمجموعهم، ثم الذي يمثل الإسلام الكتاب والسنة، أما عامة المسلمين لا يؤخذ منهم ويرد ويقال هذا يمثل أو لا يمثل بحسب انتسابه وبحسب تحقيقه للعمل بالكتاب والسنة، كذلك في التصوف باعتبار أن التصوف كفِكر موجود قبل الإسلام. وفق الله الجميع وصلّ الله على نبينا محمد.
    المقدمة ١

    بصوت الكاتب

    5
    4
    00:00
    تحميل
  • باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، اما بعد، فهذا مقطع تابع للمقدمة وفيه الكلام عن موقف شيخ الإسلام "ابن تيمية " -رحمه الله تعالى- من التصوف الذي أُسيء فهمه وعدم تقديره عند كثير من الباحثين والمشتغلين بالتصوف، حيث إنه لشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- منهج في التعامل مع الأفكار، فإنه ينقد الفكرة ويبين كل ما فيها من أخطاء ومن تصويبات أيضًا وإذا جاء إلى أصحاب هذه الفكرة أيضًا لا يبخسهم حقهم، يبين ما عندهم من خطأ وما عندهم من زلل ويثنى على الحق الذي فيهم، إذًا هو يميز في الأفكار وفي الأشخاص بين ما هو صواب وبين ما هو خطأ، لا يقبل كلًّا ولا يرد كلُّا، وعندما جاء إلى التصوف فهو رحمه الله أكثر وأعظم ناقد للتصوف، له كتب في هذا المجلدان الحادي عشر والعاشر من كتاب (الاستقامة وبُغية المرتاد) وغير ذلك من الكتب كلها مخصصة لدراسة التصوف ونقد التصوف والمتصوفة يعلمون هذا جيدًا، ولذلك هم يتضايقون منه لدرجة أن بعضهم ربما كفره مما يجد من ألمٍ في نقده مع أن نقده علمي محض وليس فيه تطاول، ثم إن شيخ الإسلام إذا جاء إلى أئمة التصوف فإنه يبين ما لهم من فضل كانوا به يتّبعون الإسلام وتعاليم السنة النبوية. وما كانوا فيه من خطأ فإنه يمحصّه ويحققه فإنه ثبت عليهم نقده وإن لم يكن ثابتًا عليهم فإنه يرده بعدم الثبوت كما في كتاب (الاستقامة) فإنه نقد القشيري كثيرًا فيما نسبه إلى الأئمة وقرر أن ذلك غير ثابت عند كثير منهم، لما كان هذا الموقف مفصلًا عن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ظن بعضهم أنه يُثنى على التصوف، فمن المتصوفة من ذهب مذهبًا بعيدًا حتى حكم عليه بأنه متصوف والعارفون منهم يدركون أنه ليس من التصوف في شيء ولذلك موقفهم منه حاد جدًا لكن هناك أيضًا من السلفيين والناقدين للتصوف رأوا في موقفه موقفًا فيه ثناء على التصوف ومن ثم استنتجوا أنه يقسم التصوف إلى مقبول وغير مقبول أو سني وبدعي أو إسلامي وفلسفي، ويبدو لي أن هذا الموقف حطأ في فهم رأي شيخ الإسلام في التصوف لأن شيخ الإسلام يرى التصوف في حقيقة الأمر بدعة لكنه لا يصل بهذه البدعة إلى درجة التفلسف بل إنه يرى التفلسف أو الفلسفة دخلت على التصوف، هذا رأيه، لكن في المجمل هو لا يصحح التصوف كمذهب بل يراه بدعة ويقول: "حدثت بدعتان في العراق، في الكوفة وفي البصرة: بدعة الرأي وبدعة التصوف" بدعة الرأي بدعة العبادة التصوف، فهو يراه بدعة لكن لا يبالغ في وصفه حتى يصل به إلى درجة الفلسفة والحلول والاتحاد بل يرى ذلك دخيلًا عليه، فيكفي في هذا أنه يراه بدعة ومن ثمَّ لا يمكن أن تكون البدعة سنة وأن يُنسب إلى شيخ الإسلام أن من التصوف ما هو مقبول، فثناءه على المشايخ ثناءه من قبل أنهم في طائفة من أقوالهم او أفعالهم يلتزمون السنة، فهو يثني عليهم من هذا الباب وليس ثناءه عليهم مطلقًا وأيضًا للشيخ حكمة في هذا ودعاوي أنه يستميل عامة المتصوفة بهذا الحق أنه إذا كان أئمتكم على تعظيم الكتاب والسنة والدعوة والمناداة بالتقيّد بالكتاب والسنة فأحرى بكم أن تلتفوا حول الكتاب والسنة دون المشايخ وأن تتركوا تعظيم المشايخ الذين هم ليسوا معصومين، فهم بهذا يستفيدون من كلامه ومن موقفه تفصيلًا إذ إنه من المعلوم أن كل أمة كل فرقة وطائفة إذا نُقدت نقدًا حادًا فإنها تنفر، لكن إذا أُخذت بالحكمة والعدل والإنصاف فإنها تقبل، فمُحصّل رأي شيخ الإسلام نقد التصوف لا شك، وأنه بدعة وفي المقابل إذا جاء إلى المتصوفة كأشخاص فإنه لا يبخسهم حقهم، هذا موقفه بالإجمال. والحمد لله.
    المقدمة ٢ ( موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من التصوف )

    بصوت الكاتب

    3
    4
    00:00
    تحميل
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا بالمشاركين في هذه الدورة في كتاب "الإنسان الكامل في الفكر الصوفي – عرض ونقد"
هذا الكتاب أعددته وألفته وتقدمت به لنيل درجة الدكتوراه في تخصص العقيدة والأديان والمذاهب والفرق، وهو مختص في الفرق وفي التصوف خصوصًا كما هو ظاهر من العنوان، والذي حمل على هذا البحث وهذا العنوان خصوصًا:
أولَا لأن التصوف فكر يعمّ البلدان الإسلامية، فهو له حضور طاغ ويكاد أن يكون سواد المسلمين فيهم انتساب إلى للتصوف، انتساب عام وليس خاص، فالخاص هو المدرك لأفكار التصوف على وجه الدقة والحقيقة، أما الانتساب العام فهو الذي لا يدرك منه إلا جوانب عملية مثل الذكر، الأوراد ونحو ذلك. فهذا موجود عند المسلمين بشكل ملحوظ ويكاد أن يكون في كل البلاد الإسلامية بتفاوت الظهور وإن كان ظهورًا كبيرًا في أكثرها، ولأن هذا الفكر فيه وعليه ملاحظات سواء عقدية أو سلوكية أو أصلية تاريخية، كان لابدّ من فحصه ونقده والبحث في حقيقته، وهذا هو مهمة المتخصص في العقائد والأديان والفرق والمذاهب، وهذه عملية فيها خدمة للحقيقة لأن غاية الإنسان في هذه الدنيا أن يتصل بالحقيقة وأن يعرف أين يقف من هذه الأفكار الموجودة المنتشرة في العالم خصوصَا الأفكار المؤثرة التي لها تأثير وحضور ملفت للنظر، والتصوف كما أسلفنا من هذا الفكر، فكان لابد من دراسته وكثير درسه وتطرق إلى أصوله، ومن أصوله فكرة الإنسان الكامل، وهذا مصطلح شائع في الثقافات الصوفية القديمة، وللعلم فإن التصوف فكر ليس جديد وليس حديث ولم ينشأ مع الإسلام، التصوف فكر قديم وهذا يقر به الباحثون في التصوف على اختلافات اتجاهاتهم لأنها قضية ظاهرة وليست خفية، وهذا معروف عن التصوف وأصوله وأفكاره أيضًا هي موجودة منذ القديم، ومن ذلك (الإنسان الكامل)، قد يختلف الاسم، المسميات قد تختلف والعناوين قد تختلف ولكن الفكرة واحدة، فهذا المصطلح (الإنسان الكامل) قد يُطرح بمصطلحات أخرى، كالقطب، والغوث، والولي، ونحو ذلك مما هو دارج في هذا المعنى، ولذلك قد خُصص في هذا الكتاب مبحث يتعلق بالمصطلحات التي تدور في فلك هذا العنوان (الإنسان الكامل) فمن ذلك كما تقدّم: الولي والقطب والغوث ونحو ذلك، هذه الفكرة محورية في التصوف، التصوف يدور عليه، لأنه إذا أردنا أن نختصر فكرة التصوف ونقدمها كقضية معلومة ظاهرة في من أراد أن يتعرف عليها فإنها تهدف في حقيقة الأمر إلى الاتصال ما بين الإنسان وما بين الإله وليس الاتصال الذي قد يرد في ذهن الموحد وهو اتصاله (بالحب والخضوع والرجاء والخوف والتوكل) ونحو ذلك مما فيه عبودية للإنسان وربوبية للخالق وألوهية، كلا، إنما المقصود اتصال يحصل به (توحد، اتحاد، حلول)، وهذه المصطلحات الشائعة في هذا الفكر بقوة سواءً كان اتحادًا ذاتيًا أو حتى معنويًا بحسب مراتب المتصوفة واعتقاداتهم، فالفكر الصوفي ينظر إلى الإنسان على أنه كان كائنًا متصلُا بالإله منذ الأزل، متصلًا متوحدًا في جزء منه فهو الروح الأقدس الأكبر هذا الإله، وهذا الإنسان روح جزئي في هذا الروح الكلي الأقدس، الذي حصل أنه انفصل عنه بإرادة من هذا الأقدس، انفصل عنه فلما انفصل عنه حصل له نوع من الشقاء فاحتاج إلى أن يسترجع اتصاله فهو يعمل على هذا المعنى يعمل إلى أن يتصل من جديد بالإله فلذلك وضع له أهل التصوف قواعد وسلوك حتى يرجع إلى أن يتصل بمعنى أن يتحد بمعنى أن يحصل توحد بينه وبين الخالق، فإذا أتى بهذه القواعد والسلوك الموضوع لهذه الطريقة فإن نتيجته بحسب هذا الفكر أنه سيتصل وأنه سيكون جزءًا مندمجًا في الذات الإلاهية أو هذا الروح الجزئي سيندمج في الروح الكلية وإذا اندمج عاد الأمر كما كان، كما يروج عنهم في هذا المعنى قولهم:
"يبقى من لم يزل، ويفنى من لم يكُن"
فمن لم يكن هذا الإنسان في جسده في طينته يفنى، ثم بروحه يرجع ويتصل، فإذا رجع واتصل فإنه حينئذٍ ينال الكمال لأنه يصبح مُتحدًّا في هذا الكامل، فإذا اتحد بالكامل صار كاملًا مثله، من هنا جاءت فكرة الإنسان الكامل والولي والقطب، وهذه القضية وهذا المسلك وهذه والنتيجة التي يحصل عليها هذا المتصوف لا يُتشرط فيها أن يكون بعد الممات، أي بعد وفاته وفاة حقيقة، بل قد يُحَصِّل ذلك، بل له أن يُحَصِّل ذلك وهو حي، فمعاده ورجوعه واتصاله بالإله قد يحصل ذلك وهو حي وليس بميت، فلذلك الصوفي يسعى إلى هذا المعنى ويؤمن به، فهذه فكرة كبيرة ومسيطرة على عموم الفكر الصوفي وكل الأفكار الأخرى تدور على هذه الفكرة، إذًا نحن في هذا الكتاب أخذنا فكرة أساسية ومحورية، بل هو صلب الموضوع، وأردنا أن نُجلي عنه، فلذلك تكلمنا عن الإنسان بحسب وضعه الصوفي، وكان لابد أن نقدم بمقدمة عن الإنسان بحسب وضعه الإسلامي، وعندنا فارق كبير حقيقة بين الفكر الصوفي والفكر الإسلامي، لا يلتقيان حقيقة في أصول وإن التقت في شيء من الفروع فهذا لا يجعل من التصوف إسلامًا، فالإسلام في الفروع يلتقي مع ثقافات كثيرة، فالتوافق والتشابه بين الثقافات في الفروع وارد لكن في الأصول كثير منها مختلف، فالتصوف والإسلام بينهما اختلاف كبير، فكان بحسب المنهج العلمي والبحثي المتناول، لابد من تقدمة يكون فيها بيان حقيقة الإنسان في الإسلام ولم يكن هذا بالتفصيل الدقيق وإنما بالإجمال لأن القضية قضية بحث ما عند التصوف فهذه مقدمة ولذلك استغرقت فصلًا، ثم بعد ذلك كان لا بد من تناول التصوف ومعاني التصوف وفكرتها وأصل الكلمة والمعنى والمصطلح، وبعد ذلك ولجنا في الموضوع فبينّا ما يتعلق بالمعنى، معنى الإنسان الكامل في الفكر الصوفي ومرادفات هذا المصطلح ثم خصائص هذا الإنسان الكامل كونه أول الوجود وكونه جامع للحقائق الكاملة والكلية في هذا الكون وهذا الكلام يحتاج إلى تفصيل سيأتي فيما نستقبل إن شاء الله، كذلك ثَمَّ وظيفته الكبرى في هذه الحياة الدنيا وهي وساطته بين الحقّ والخلق، سواء كانت وساطة من الحق إلى الخلق أو من الخلق إلى الحق وهذا أمر فيه أيضًا تفصيل، ثم موقف الإنسان الكامل أو موقف الإسلام من الإنسان الكامل وموقف الشريعة من الإنسان الكامل في قضايا محددة: العصمة وسقوط التكاليف والأنس، وكذلك جذور هذه الفكرة في الثقافات القديمة، هذا مجمل ما ورد في هذا الكتاب والكتاب لم يطبع إلا مرة واحدة ولعلنا إن شاء الله في اللقاءات القادمة نُبيّن تفاصيل الموضوعات حسب عناوينها.
وصلَّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

(الحلول) الحلول السرياني: عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد، فيسمى الساري: حالًا، والمسري فيه: محلًا. الحلول الجواري: عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفًا للآخر، كحلول الماء في الكوز. كتاب التعريفات للجرجاني.

(الاتحاد) أن يتحد به الكل من حيث كون كل (شيء) موجوداً به معدوماً بنفسه، لا من حيث أن له وجوداً خاصاً اتَّحد به، فإنه محال» اصطلاحات الصوفية للكاشاني.

(وحدة الوجود) : هي القول بأن وجود الكائنات عين وجود الله تعالى، ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتَّة. مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام 2/140 وانظر:التعريفات للجرجاني 250

لا يوجد مناقشات
" إذا أردنا التعرف على دين أو نحلة أو فكرة ما، فعلينا أن نعتمد مصادرها التي منها نبعت وظهرت واستقرت، ولا يصلح أن نلجأ إلى المنتسبين فنعتمدهم مصدرًا "

الإنسان الكامل في الفكر الصوفي ص٣ - بتصرف -
جمع المتصوفة بين نقيضين : توحيد الله تعالى ، ووحدة الوجود. وهما نقيضان لا يجتمعان، ترتب عليه الخطأ في تصوير الإسلام وأُلحق به ما يناقضه، والخطأ في تصوير التصوف وإدراجه قسراً تحت معاني النصوص الشرعية.


الإنسان الكامل في الفكر الصوفي.
ص/6
«الثناء على الأشخاص لا يلزم منه تصحيح المذهب»
فعند تحليل موقف شيخ الإسلام ابن تيمية في ثناءه على بعض المتصوفة ، لابد من ملاحظة أن ثناؤه لم يكن على (الفكرة الصوفية)بل على بعض الأئمة وليس بإطلاق بل بكلمات تؤكد وجوب (التقيد بالكتاب والسنة) ، وموقف كهذا لا يمكن منه انتزاع تزكية للفكر والمذهب .

الإنسان الكامل في الفكر الصوفي
ص/10
مصادر المعرفة :

١. في الإسلام : من خارج النفس ← من الوحي
٢. في التصوف : من داخل النفس ← من الذوق، والكشف، والمنام.

[ بتصرُّف يسير - صـ ٤ ]
" أصل الإسلام التوحيد وأصل التصوف الوحدة ، وتوحيد الله ووحدة الوجود لا يجتمعان "
" تميز المسلم وتفضيله لم يقتصر على الأحكام الحسية ، بل شمل الأحكام النفسية والروحية ، فالله تعالى يهب المؤمن طمأنية، لا يجدها الكافر في الدنيا ولا في الآخرة قال تعالى { منْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } " سورة النحل.
  • خولة عدنان الحاج محمد
    خولة عدنان الحاج محمد

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    شيخنا الفاضل : هل سبق أن بينتم حقيقة التصوف لأحد المتصوفين فرجع إلى جادة الصواب وتاب إلى الله ولزم سبيل أهل التوحيد الخالص ؟. وفقكم الله تعالى.

    0
  • مركز رسيل
    مركز رسيل

    السلام عليكم شيخنا الفاضل
    هل يلزم قراءة كتاب في التصوف قبل كتابكم ، أو يمكن للمبتدئ القراءة معكم

    0