الإنسان الكامل في الفكر الصوفي - عرض ونقد -

الأوراد/ الورد الأول (١٧ - ٤٦)

هذا ملخص يتضمن أهم النقاط الرئيسية والأفكار المهمة؛ لذا هو لا يغني عن الكتاب، صممناه لكم بشكل مريح يساعد على ترتيب المعلومة وفهمها

  • بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد، في هذا اللقاء نتحدث عن الفصل الأول من هذا الكتاب (الإنسان الكامل) وعنوانه: (الإنسان في الإسلام) وفيه ستة مباحث: ١- معنى الإنسان في اللغة والاصطلاح. ٢- منزلة الإنسان بين الكائنات. ٣- منزلة المسلم. ٤- منزلة النبي. ٥- الفرق بين الخالق والمخلوق. ٦- الطريق إلى سمو الإنسانية. ومقصود في هذا الفصل هو تأصيل لحالة الإنسان في الإسلام مقابل حالة الإنسان في التصوف وبيان الفرق بين الحالتين، وهي بما أنها تأصيل فهي مختصرة لأن عنوان الرسالة (الإنسان الكامل في الفكر الصوفي) فيُفترض أن يكون مفصلًا في الجهة الصوفية خصوصًا أنه ملحوق بالنقد، لكن هذا كمدخل كان لا بد منه لبيان الحقيقة والمطلوب في وضع الإنسان وصورته الحقيقية في الإسلام فلذلك بُدأَ به، هذا مقصد هذا الفصل أن يكون هو المقدمة والبداية لوضع وحالة الإنسان في الفكر الصوفي ولذلك كان من الطبيعي أن نبدأفي هذا الفصل ببيان معنى الإنسان في اللغة والاصطلاح لأن اللغة والاصطلاح تخدم الحالة الصحيحة الحقّة للإنسان في وضعه كإنسان وفي وضعه في الإسلام، فاللغة إنما نزلت بحق وهي مُعبِّرة في الأصل عن حالة حقيقية لا كاذبة، وكذلك الاصطلاح المبني على اللغة العربية، فكان البحث في المعاجم في معنى الإنسان والنتيجة التي توصلنا إليها أن الإنسان أصله مأخوذ من كلة (أَنَسَ) والأَنس والأُنس هو بمعنى الظهور، مقابل الجن بمعنى الخفاء، فالإنس هو الذي يظهر للعين فيُرى، والجن هو الذي يُكن ويستتر فلا يُرى {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} فهذا معنى الإنسان في الأصل أي أنه من أَنَسَ، وكذلك له معنى آخر هو (النسيان)، فالإنسان من النسيان، فوجدنا من حيث اللغة له معنيان: الظهور والنسيان، الظهور باعتبار أنه مرأي والنسيان باعتبار أنه يعقل فإن النسيان لا يكون إلا بعد حفظ، والحفظ يكون بآلة العقل فالإنسان إذًا ظاهر وهو عاقل، وهكذا نستفيد المعنى الاصطلاحي، فالمعنى الاصطلاحي وقع فيه خلاف بين العلماء منذ القديم، فمنهم من نسبه إلى الجسد فجعل الإنسان هو هذا الجسد المرئي، ومنه من خصّه بالروح لأنه نظر إلى المعنى الذي يحركه ويقوم به وهو الروح وإنما الجسد تابع لذلك فقال الإنسان هو الروح، وذهب فريق ثالث إلى مذهب جامع فقال الإنسان جسد وروح وهو الحق، فالإنسان بغير روح ليس إنسانًا فهو ميت ولا أثر له، والروح وحدها لا وجود كامل لها إلا بجسد فلذلك الإنسان قد جمع ما بينهما فهذا هو الأقرب أن يكون الإنسان هو جسد وروح لكن الأشياء والكائنات التي هي أجساد وأرواح غير الإنسان هي موجودة ولذلك لا يتميز الإنسان حينئذ بكونه جسدًا وروحًا فإنه يشاركه في هذا المعنى الملائكة والجن والكائنات الأخرى البهائم، فهذه كلها ذات أجساد وذات أرواح فلا بد من تعريف مميز له يميزه عن سائر الكائنات الأخرى، فعندما نرجع ونستعين بالمعنى اللغوي وقد وقفنا على معنيين: أنه ظاهر وأنه ينسى، فالظهور هو الذي يُرى فله سطح ولون بهما يُرى والأشياء التي ذات السطوح وذات الألوان هي في محل النظر وتوصل العين إلى تحديد صورته والإنسان كذلك، ثم النسيان يدل كما تقدم على الحفظ فالحفظ لا يأتي إلا بعد نسيان، والحفظ لا يكون إلا بأداة العقل حينئذ يمكن أن يُقال أن الإنسان "مرأي عاقل" فهذا وصف يميزه عن كثير، فهو مرأي عكس المخلوقات التي لا تُرى مثل الملائكة مثل الجن، وهو وإن اشترك في الرؤية كونه مرئيًا بالبهائم والنباتات والجمادات فهو عاقل فهو يتميز عنها بالعقل عن النبات وعن الجماد وعن الحيوان وإن كان يتفق مع الجني ومع الملائكة في العقلانية لأنه يعقل وتلك أيضًا تعقل، لكن تلك تميز عنها بالظهور، إذًا من جهة أنه مرأي متميز عن كائنات ومن جهة أنه عاقل يتميز عن كائنات أخرى فإذا جُمعَ هذا الوصف أنه مرأي عاقل تميز عن سائر الكائنات، بعضهم يختصر هذا كله ويقول من البشر هو ابن آدم، آدم الذي هو أبوه فهو من بني آدم فيكون حينئذ من البشر أو بشر من بني آدم وهذا أيضًا وصف صحيح واصطلاح يميز الإنسان عن سائر الكائنات. إذًا هذا هو المعنى الذي يميز الكائنات وهو مهم حقيقة في البحث لأنه عندما يتُقارن هذه النتيجة بما توصلت إليه نتائج هذه الصوفية في الإنسان فإنه يظهر الخلاف جذريًا فإن حقيقة الأمر كما سيأتي أن التصوف يقرر وينظر إلى الإنسان على أنه كائن إلاهي كائن ربّاني كائن مقدس، علوي، وحينئذ هذا الوصف مرأي عاقل أو أنه من بني آدم ذاك يميزه عن الوصف الصوفي، فإن الوصف الصوفي سيخرجه عن هذا الإطار سيخرجه عن كونه مرئيًا عاقلًا إلى ما هو أعظم من ذلك أنه رب وإله ويخرجه من كونه من بني آدم إلى أنه إله خالق وليس مخلوق فكانت النتيجة الاصطلاحية مهمة جدًا. المبحث الذي يليه وهو ما يتعلق بمنزلة الإنسان بين الكائنات لا شك أنه مكرّم ووجه تكريمه عدة أمور من ذلك : - أن الله سبحانه وتعالى خلق أصله الذي هو أبوه آدم، خلقه بيده ونفخ فيه من روحه {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} وفي الآية {ونفخت فيه من روحي} وكذلك سبحانه وتعالى - أسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء فهذا التكريم الذي خص الله به تعالى آدم الذي هو أصل البشر لم يخص به خلقًا أخر، ثم أيضًا - خصه بخلقة تامة كاملة يقف بها ويتعاطى بها الحياة على أكمل وجه وأرقى حال وأرقى صورة، هذه لا توجد لغيره من الكائنات، والله سبحانه وتعالى يقول {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فالإنسان مفضل لا شك، هذا منزلته باختصار بين الكائنات. وكونه مسلم فهو أيضًا متميز بهذا الوصف عن سائر البشر، فإن الله تعالى يقول {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} فكونه مؤمن فإنه مميز كما قال سبحانه وتعالى {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} {أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} فالله عز وجل ميز بين المخلوقين، فمن كان صالحًا فهو خير من الطالح الفاسد ومن كان مسلمًا فهو خير من الكافر، فهذه أيضًا نتيجة مهمة في معرفة حقيقة الإنسان في الإسلام، ثم له أحكام فقهية خاصة موجودة في المبحث الخاص في هذا نختصر ذلك ولا نذكره الآن لأنه واضح، وإنما المقصود والمعنى أن مثل المعاني ربما تختلف بل هي تختلف عن المعاني التي يتوصل إليها الفكر الصوفي، فإن الإنسان في الإسلام متميز، فهو بين الكائنات متميزًا، لكن تميزه يبقيه في حد الخليقة، ولا يخرجه أكثر من ذلك، بينما التميز الذي في التصوف هو أعظم من ذلك وأكبر يصل به إلى درجة يرقى بها إلى أن يكون فوق الخلائق. ثم ما يتعلق بمنزلة النبي، النبي الذي هو أعظم البشر "أنا سيد ولد آدم وأنا فخر" وهو الذي وُصف أنه خليل الله في حق نبينا صلّ الله عليه وسلم، والأنبياء إبراهيم خليل الله كذلك والأنبياء مقربون مصطفون فهؤلاء أفضل البشر وأفضل بني آدم وأفضل الخلائق أيضًا لأنهم إذا كانوا أفضل بني البشر أو أفضل بني آدم، وبنو آدم هم أرقى الخلائق وأفضلها والخلاف هل الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ هذا خلاف جارٍ وليس محل تفصيلهاهنا، ولكن فما بالك إذا كان هذا الإنسان أفضل هؤلاء بني آدم أفضل منهم كلهم هو النبي، فيكون بذلك أرقى الخلائق على الإطلاق، مع ذلك أيضًا في معنى الإسلام ومعنى الأديان التي جاء بها الأنبياء فإن هذا الإنسان لا يمكن أن يرقى ليكون ربًّا وإلاهًا وخالقًا وإنما هو عبد مملوك {قل لا املك لنفسي نفعًّا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} وفي الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" فالنبي هو له تميز أنه رسول من عند الله مختص بالرسالة وأنه أعلى الخلق مرتبة لكن علوه هذا وحصوله على الرسالة لا يرقى به أن يكون ربًّا معبودًا إلاهًا خالقًا يتضرع ويتوسل ويدعى من دون الله سبحانه وتعالى فضلًا أن يقال أن أعظم تجلي  للإله هو في الأنبياء كما هو الحال الصوفي، فنلاحظ في دراسة سريعة ونظرة مختصرة على حال الإنسان في الإسلام أنه مُكرَّم أنه مرفوع وأنه مقدم لكن لا يزال في دائرة الخلق والمخلوق ولا يتجاوز تلك الدائرة لأنه لا يمكن له ذلك إلا بالوهم والظن والخرص وذلك لا يغني من الحق شيئًا، وهذه النتيجة المهمة جدًا في وضع الإنسان من حيث التكريم ومن حيث التحديد كمخلوق هذا لا نجده هكذا في الفكر الصوفي بل نجد أنه قفز عن هذا الإطار ونفذ منه بالطبع بالوهم والظن وليس بالحقيقة حتى صار في دائرة علوية في مرتبة علوية مرتبة إلاهية، بذلك سمّوه (بالإنسان الكامل) والأوصاف التي أسبغوها عليه تدلُّ على ذلك. وفق الله الجميع وصلّ الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله ربّ العالمين.
    تعليق على الورد الأول

    بصوت الكاتب

    8
    5
    00:00
    تحميل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد،
في هذا اللقاء نتحدث عن الفصل الأول من هذا الكتاب (الإنسان الكامل) وعنوانه: (الإنسان في الإسلام) وفيه ستة مباحث:

١- معنى الإنسان في اللغة والاصطلاح.
٢- منزلة الإنسان بين الكائنات.
٣- منزلة المسلم.
٤- منزلة النبي.
٥- الفرق بين الخالق والمخلوق.
٦- الطريق إلى سمو الإنسانية.

ومقصود في هذا الفصل هو تأصيل لحالة الإنسان في الإسلام مقابل حالة الإنسان في التصوف وبيان الفرق بين الحالتين، وهي بما أنها تأصيل فهي مختصرة لأن عنوان الرسالة (الإنسان الكامل في الفكر الصوفي) فيُفترض أن يكون مفصلًا في الجهة الصوفية خصوصًا أنه ملحوق بالنقد، لكن هذا كمدخل كان لا بد منه لبيان الحقيقة والمطلوب في وضع الإنسان وصورته الحقيقية في الإسلام فلذلك بُدأَ به، هذا مقصد هذا الفصل أن يكون هو المقدمة والبداية لوضع وحالة الإنسان في الفكر الصوفي ولذلك كان من الطبيعي أن نبدأفي هذا الفصل ببيان معنى الإنسان في اللغة والاصطلاح لأن اللغة والاصطلاح تخدم الحالة الصحيحة الحقّة للإنسان في وضعه كإنسان وفي وضعه في الإسلام، فاللغة إنما نزلت بحق وهي مُعبِّرة في الأصل عن حالة حقيقية لا كاذبة، وكذلك الاصطلاح المبني على اللغة العربية، فكان البحث في المعاجم في معنى الإنسان والنتيجة التي توصلنا إليها أن الإنسان أصله مأخوذ من كلة (أَنَسَ) والأَنس والأُنس هو بمعنى الظهور، مقابل الجن بمعنى الخفاء، فالإنس هو الذي يظهر للعين فيُرى، والجن هو الذي يُكن ويستتر فلا يُرى {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} فهذا معنى الإنسان في الأصل أي أنه من أَنَسَ، وكذلك له معنى آخر هو (النسيان)، فالإنسان من النسيان، فوجدنا من حيث اللغة له معنيان: الظهور والنسيان، الظهور باعتبار أنه مرأي والنسيان باعتبار أنه يعقل فإن النسيان لا يكون إلا بعد حفظ، والحفظ يكون بآلة العقل فالإنسان إذًا ظاهر وهو عاقل، وهكذا نستفيد المعنى الاصطلاحي، فالمعنى الاصطلاحي وقع فيه خلاف بين العلماء منذ القديم، فمنهم من نسبه إلى الجسد فجعل الإنسان هو هذا الجسد المرئي، ومنه من خصّه بالروح لأنه نظر إلى المعنى الذي يحركه ويقوم به وهو الروح وإنما الجسد تابع لذلك فقال الإنسان هو الروح، وذهب فريق ثالث إلى مذهب جامع فقال الإنسان جسد وروح وهو الحق، فالإنسان بغير روح ليس إنسانًا فهو ميت ولا أثر له، والروح وحدها لا وجود كامل لها إلا بجسد فلذلك الإنسان قد جمع ما بينهما فهذا هو الأقرب أن يكون الإنسان هو جسد وروح لكن الأشياء والكائنات التي هي أجساد وأرواح غير الإنسان هي موجودة ولذلك لا يتميز الإنسان حينئذ بكونه جسدًا وروحًا فإنه يشاركه في هذا المعنى الملائكة والجن والكائنات الأخرى البهائم، فهذه كلها ذات أجساد وذات أرواح فلا بد من تعريف مميز له يميزه عن سائر الكائنات الأخرى، فعندما نرجع ونستعين بالمعنى اللغوي وقد وقفنا على معنيين: أنه ظاهر وأنه ينسى، فالظهور هو الذي يُرى فله سطح ولون بهما يُرى والأشياء التي ذات السطوح وذات الألوان هي في محل النظر وتوصل العين إلى تحديد صورته والإنسان كذلك، ثم النسيان يدل كما تقدم على الحفظ فالحفظ لا يأتي إلا بعد نسيان، والحفظ لا يكون إلا بأداة العقل حينئذ يمكن أن يُقال أن الإنسان "مرأي عاقل" فهذا وصف يميزه عن كثير، فهو مرأي عكس المخلوقات التي لا تُرى مثل الملائكة مثل الجن، وهو وإن اشترك في الرؤية كونه مرئيًا بالبهائم والنباتات والجمادات فهو عاقل فهو يتميز عنها بالعقل عن النبات وعن الجماد وعن الحيوان وإن كان يتفق مع الجني ومع الملائكة في العقلانية لأنه يعقل وتلك أيضًا تعقل، لكن تلك تميز عنها بالظهور، إذًا من جهة أنه مرأي متميز عن كائنات ومن جهة أنه عاقل يتميز عن كائنات أخرى فإذا جُمعَ هذا الوصف أنه مرأي عاقل تميز عن سائر الكائنات، بعضهم يختصر هذا كله ويقول من البشر هو ابن آدم، آدم الذي هو أبوه فهو من بني آدم فيكون حينئذ من البشر أو بشر من بني آدم وهذا أيضًا وصف صحيح واصطلاح يميز الإنسان عن سائر الكائنات. إذًا هذا هو المعنى الذي يميز الكائنات وهو مهم حقيقة في البحث لأنه عندما يتُقارن هذه النتيجة بما توصلت إليه نتائج هذه الصوفية في الإنسان فإنه يظهر الخلاف جذريًا فإن حقيقة الأمر كما سيأتي أن التصوف يقرر وينظر إلى الإنسان على أنه كائن إلاهي كائن ربّاني كائن مقدس، علوي، وحينئذ هذا الوصف مرأي عاقل أو أنه من بني آدم ذاك يميزه عن الوصف الصوفي، فإن الوصف الصوفي سيخرجه عن هذا الإطار سيخرجه عن كونه مرئيًا عاقلًا إلى ما هو أعظم من ذلك أنه رب وإله ويخرجه من كونه من بني آدم إلى أنه إله خالق وليس مخلوق فكانت النتيجة الاصطلاحية مهمة جدًا.
المبحث الذي يليه وهو ما يتعلق بمنزلة الإنسان بين الكائنات لا شك أنه مكرّم ووجه تكريمه عدة أمور من ذلك :

- أن الله سبحانه وتعالى خلق أصله الذي هو أبوه آدم، خلقه بيده ونفخ فيه من روحه {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} وفي الآية {ونفخت فيه من روحي} وكذلك سبحانه وتعالى
- أسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء فهذا التكريم الذي خص الله به تعالى آدم الذي هو أصل البشر لم يخص به خلقًا أخر، ثم أيضًا
- خصه بخلقة تامة كاملة يقف بها ويتعاطى بها الحياة على أكمل وجه وأرقى حال وأرقى صورة، هذه لا توجد لغيره من الكائنات، والله سبحانه وتعالى يقول {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فالإنسان مفضل لا شك، هذا منزلته باختصار بين الكائنات.

وكونه مسلم فهو أيضًا متميز بهذا الوصف عن سائر البشر، فإن الله تعالى يقول {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} فكونه مؤمن فإنه مميز كما قال سبحانه وتعالى {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} {أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} فالله عز وجل ميز بين المخلوقين، فمن كان صالحًا فهو خير من الطالح الفاسد ومن كان مسلمًا فهو خير من الكافر، فهذه أيضًا نتيجة مهمة في معرفة حقيقة الإنسان في الإسلام، ثم له أحكام فقهية خاصة موجودة في المبحث الخاص في هذا نختصر ذلك ولا نذكره الآن لأنه واضح، وإنما المقصود والمعنى أن مثل المعاني ربما تختلف بل هي تختلف عن المعاني التي يتوصل إليها الفكر الصوفي، فإن الإنسان في الإسلام متميز، فهو بين الكائنات متميزًا، لكن تميزه يبقيه في حد الخليقة، ولا يخرجه أكثر من ذلك، بينما التميز الذي في التصوف هو أعظم من ذلك وأكبر يصل به إلى درجة يرقى بها إلى أن يكون فوق الخلائق.
ثم ما يتعلق بمنزلة النبي، النبي الذي هو أعظم البشر "أنا سيد ولد آدم وأنا فخر" وهو الذي وُصف أنه خليل الله في حق نبينا صلّ الله عليه وسلم، والأنبياء إبراهيم خليل الله كذلك والأنبياء مقربون مصطفون فهؤلاء أفضل البشر وأفضل بني آدم وأفضل الخلائق أيضًا لأنهم إذا كانوا أفضل بني البشر أو أفضل بني آدم، وبنو آدم هم أرقى الخلائق وأفضلها والخلاف هل الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ هذا خلاف جارٍ وليس محل تفصيلهاهنا، ولكن فما بالك إذا كان هذا الإنسان أفضل هؤلاء بني آدم أفضل منهم كلهم هو النبي، فيكون بذلك أرقى الخلائق على الإطلاق، مع ذلك أيضًا في معنى الإسلام ومعنى الأديان التي جاء بها الأنبياء فإن هذا الإنسان لا يمكن أن يرقى ليكون ربًّا وإلاهًا وخالقًا وإنما هو عبد مملوك {قل لا املك لنفسي نفعًّا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} وفي الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" فالنبي هو له تميز أنه رسول من عند الله مختص بالرسالة وأنه أعلى الخلق مرتبة لكن علوه هذا وحصوله على الرسالة لا يرقى به أن يكون ربًّا معبودًا إلاهًا خالقًا يتضرع ويتوسل ويدعى من دون الله سبحانه وتعالى فضلًا أن يقال أن أعظم تجلي  للإله هو في الأنبياء كما هو الحال الصوفي، فنلاحظ في دراسة سريعة ونظرة مختصرة على حال الإنسان في الإسلام أنه مُكرَّم أنه مرفوع وأنه مقدم لكن لا يزال في دائرة الخلق والمخلوق ولا يتجاوز تلك الدائرة لأنه لا يمكن له ذلك إلا بالوهم والظن والخرص وذلك لا يغني من الحق شيئًا، وهذه النتيجة المهمة جدًا في وضع الإنسان من حيث التكريم ومن حيث التحديد كمخلوق هذا لا نجده هكذا في الفكر الصوفي بل نجد أنه قفز عن هذا الإطار ونفذ منه بالطبع بالوهم والظن وليس بالحقيقة حتى صار في دائرة علوية في مرتبة علوية مرتبة إلاهية، بذلك سمّوه (بالإنسان الكامل) والأوصاف التي أسبغوها عليه تدلُّ على ذلك.
وفق الله الجميع وصلّ الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله ربّ العالمين.

إن أريد بكمال الرسول عليه السلام الكمال المطلق فهو باطل، وغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم وتشبيه للمخلوق بالخالق; لأن الكمال المطلق من اختصاص الله جل شأنه، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقدرته محدودة مستمدة من الله وليست له من ذاته. فالنبي صلى الله عليه وسلم كامل كمالاً بشرياً وأما الكمال المطلق فهو لله وحده لا يشاركه فيه مخلوق من مخلوقاته كائناً من كان لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ، وجميع المخلوقات يلحقها النقص . وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرى فيرفع فوق منزلته، أو يعطى بعض خصائص الألوهية، فقال -كما جاء في صحيح البخاري-: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله. أي لا تمدحوني بالباطل ولا تجاوزوا الحد في مدحي كما عملت النصارى مع عيسى فمدحوه حتى جعلوه إلها. العلامة: ابن باز - رحمه الله -

لا يوجد مناقشات
الإنسان ولو كان مفضلاً في أصل خلقته ووجوده، إلا أن بقاء هذا التفضيل مرهون بقيامه بما أمر الله به من الشريعة المنزلة بواسطة الرسول.. وهذا موضع الامتحان.

كتاب الإنسان الكامل في الفكر الصوفي د. لطف الله خوجة
الإنسان مجموعُ الرُّوحِ والجسد.. وإذا نظرنا إلى الشَّرع وجدنا هذه الحقيقة بارزةً في أوامرِه وأخباره، فأوامر الشرع متعلقةٌ بالإنسانِ جُملةً: جسده وروحه، فلكُلٍّ عبودية، فالعبوديةُ شامِلةٌ للظاهر والباطن، ولذا أجمع السلفُ على أنَّ الإيمانَ قولٌ وعمل. [ صـ ٢٤ ]
كرم الله الإنسان وأنعم عليه، وكان من أعظم التكريم له أن ميزه على كثير من الخلق بالهيئة المعينة على استثمار النعم.
من حكمة الله ان جمع للإنسان بين القوى الحيوانية والملكية فلو كان كالبهيمة لما صلح للعبادة، ولو كان كالملائكة لما صلح لعمارة الارض.
إنَّ كثيرًا من الناس، وإن كان التفضيل قد تضمنهم وشملهم بغير اختيارهم، إلا أنهم ضيعوه فحرموه باختيارهم لما كفروا. [ صـ ٣٥ ]
حرص النبي عليه السلام على تربية أصحابه رضوان الله عليهم على هذا المعنى وهو(النبي مهما بلغ) فلن يبلغ أن يكون إلهاً وربّاً مسؤولاً ، فكان حرصهم رضوان الله عليهم على طلب مرضاة الله وسؤاله والرغبة إليه فوق كل شئ، ولم يكن في قلوبهم الرغبة إلى المخلوق ، مهما كان شأنه.

ص/44
والإنسان واسطة بين جوهرين: وضيع، وهو الحيوان، ورفيع، وهو الملائكة.. فجمع فيه القوى الحيوانية، من حيث الشهوة، والقوى الملكية، من حيث العقل والفهم والعبادة، وكان لا بد من ذلك، حيث اختاره الله لعمارة الأرض وعبادته، وهيأه لمجاورته، ومن هنا كانت الحكمة أن يجمع له بين القوتين.

فإنه لو خلق كالبهيمة؛ معرى عن العقل لما صلح للعبادة، كما لم تصلح البهائم، ولو خلق كالملائكة معرى عن الحاجة البدنية لم يصلح لعمارة الأرض.

الإنسان الكامل في الفكر الصوفي، د. لطف الله خوجة ص٣٠.
قال الإمام الشاطبي: "إحياء النفوس وكمال العقول والأجسام، من حق الله تعالى في العباد، لا من حقوق العباد، وكون ذلك لم يجعل إلى اختيارهم هو الدليل على ذلك، فإذا أكمل الله تعالى على عبد حياته وجسمه وعقله، الذي به يحصل ما طلب به من القيام بما كلف به، فلا يصح للعبد إسقاطه".

[الموافقات ٢٨٥/٢-٢٨٦]

الإنسان الكامل في الفكر الصوفي، د. لطف الله خوجة ص٣٩.
وإذا ثبت الفرق بين الفريقين، وجب يقينًا أن يعلم أن المسلم ليس كالكافر في شيء أصلًا، ولا يساويه في شيء، فإذا هو كذلك، فباطل أن يكافأ دمه بدمه، أو عضوه بعضوه، أو بشرته ببشرته، فبطل أن يستقاد للكافر من المؤمن، أو يقتص له منه؛ إذ لا مساواة بينهما أصلًا.

الإنسان الكامل في الفكر الصوفي، د. لطف الله خوجة ص٤٠.
ليعلم أن الخلاف لا يعني جواز الأخذ بأي قول من الأقوال الواردة، فما من مسألة إلا وقد وقع فيها خلاف، ولو كان صوابًا أن يأخذ المسلم بأي قول دون النظر إلى الأدلة، لأوشك أن يتحلل من الدين.

الإنسان الكامل في الفكر الصوفي، د. لطف الله خوجة ص٤١.
  • حنان الوعيل
    حنان الوعيل

    أحسن الله إليكم ، لم يتضح جيدا الفرق بين النبي والرسول ، فإذا كان النبي يعمل بشريعة من قبله ولم يرسل إلى أحد فما هو حاله ؟ص٤٢

    0
  • حنان الوعيل
    حنان الوعيل

    - في قوله الله عز وجل ﴿مِن أَجلِ ذلِكَ كَتَبنا عَلى بَني إِسرائيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفسًا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسادٍ فِي الأَرضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَميعًا وَمَن أَحياها فَكَأَنَّما أَحيَا النّاسَ جَميعًا وَلَقَد جاءَتهُم رُسُلُنا بِالبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثيرًا مِنهُم بَعدَ ذلِكَ فِي الأَرضِ لَمُسرِفونَ﴾ [المائدة: ٣٢] هل يُراد منها نفس المؤمن فقط على ما تفضلتم الاستدلال به " ولقد بلغت حرمة المؤمن أن صار دمه يكافئ .. " ؟ ص ٣٧

    0
  • سارة
    سارة

    أحسن الله إليكم وبارك في علمكم ، هناك من المعلمين والمعلمات من يهتمون بتوجيه طلابهم وطالباتهم للقراءة في مدارج السالكين ، فما الرأي في ذلك ؟

    0
  • حور
    حور

    أحسن الله إليكم شيخنا الكريم وبارك في علمكم ونفع بكم ، في تعريف الإنسان في الاصطلاح ورد قوله : ( وهي لطيفة ربانية روحية سلطانية خلقت في عالم اللاهوت في أحسن تقويم ، ثم ردت في عالم الأبدان ، الذي هو أسفل في نظام سلسلة الوجود )

    لو شرحت معنى : عالم اللاهوت ، وسلسلة الوجود

    0
  • النُّهى
    النُّهى

    كيف نرد على من يقول أنه ليس من الضرورة في كون النبي من الإنس أنه أفضل ولكن لأن النبي لو كان من الجن وأرسل للإنس لم يكن حجة عليهم لخفائه وعدم ظهوره ؟ بخلاف لو كان من الإنس فإنه حجة على الجن والإنس كليهما. ص30

    0
    • أ.د.لطف الله عبد العظيم خوجه
      أ.د.لطف الله عبد العظيم خوجه

      كون النبي من الإنس هو للأمرين: فضل الإنس، ولظهوره وعدم خفائه. وفضل جنسه ضروري؛ لأن الله تعالى لا يصطفي إلا أحسن خلقه للرسالة؛ حتى لايحتج أحد بنقص فيه.

      0
    • أظهر المزيد من الردود
  • مجد
    مجد

    بارك الله فيكم،،
    مشاركة مع استقسار في جزئية الموضوع
    من حيث مهمة إعمال العقل بجانب نصوص الوحي في معرفة الغاية من الخلق وللنظر في التكوين الإنساني المخلوق الفقير لمكونه، فإن " الظاهرة العقلية ظاهرة عقلية من جهتين: الأولى استدلالية، وهي تعني الاستدال بالمشاهد على ماوراء المشاهد وهو الله. والثانية سببية، وهي تعني ارتباط النتيجة التي هي هذا العالم بمعطياته التي نراها ، ارتباطا ضروريا وعقليا بالسبب الأول الذي أدى إلى خلقه وهو الله". العقل وفهم القرآن، المحاسبي: 118.

    وهنا سؤال يتبادر إلى الذهن فمادام العقل وجد ولديه المقدرة الموصلة لمعرفة الحقائق أو إلى النتائج الصحيحة لتلك المقدمات لماذا انحرف وضل كثير من الناس؟!

    0
    • أ.د.لطف الله عبد العظيم خوجه
      أ.د.لطف الله عبد العظيم خوجه

      العقل ليس وحده الموجه للإنسان، فهناك النفس الأمارة بالسوء، والهوى، والشيطان، وشياطين الإنس. وهذه ربما غلبت العقل، وغيبته، أو أفسدته. والعقل قابل للفساد.

      0
    • أظهر المزيد من الردود