-
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد، فهذا هو التعليق الأول على الفصل الخامس والذي بعنوان: وساطة الإنسان الكامل في الفكر الصوفي. الإنسان الكامل في الفكر الصوفي وسيط بين من ومن؟ قالوا بين الحق والخلق، فهو برزخ في مقام ما بين الحق والخلق وهذا بموجب ما له من صفات إلهية حقيّة وصفات خلقية كونية فهو جامعة للجهتين. ومن ثم جمعه هذا أهّله لأن يكون في مركز القلب فهو كما يقولون قلب للعالم وهو البيت المعمور، هذا حسب اصطلاحهم، فكونه قلب العالم لا يصل العالم إلى الله إلا به، ولا يصل الحق إلى العالم إلا به فهو برزخ من هذا المعنى، وواسطة بين الطرفين من هذا المعنى، فهو يتلقى من الحق إلى الخلق ومن الخلق إلى الحق، فله بذلك دور ووظيفة، هذه الوظيفة إما نزولاً من الحق إلى الخلق أو صعودًا من الخلق إلى الحق. أما نزولًا فبه يتعرّف الحق إلى الخلق، هذا الحديث المصنوع الموضوع صوفيًا: "كنتُ كنزًا خفيًّا لا أُعرف، فخلقت الخلق ليعرفوني" وكذلك لإنزال فيوضاته إلى الخلق، بمعنى آخر لأن يقوم في مقام الخلافة عن الحق في أمر هذا الكون. وأما من حيث الخلق إلى الحق -أي صعودًا- فإنه هو الوسيط والواسطة والوسيلة في تعرفهم إلى الحق وكذلك في معرفتهم للأسرار التي تدور في هذا الكون. يقول ابن عربي وغيره أن مقامه مقام التثنية، ما معنى التثنية؟ يقولون الكلمات إما مفردة أو مثنى أو جمع، فمفرد ومثنى وجمع، هذا تصوير خيالي لكن جعلوه من القضايا التي يستدلون بها على هذه المرتبة، قضية خيالية رمزية دليل على هذه المرتبة، مرتبة كونية، مرتبة خطيرة كبيرة جدًا، هل يصلح أن يكون دليل رمزي وخيالي؟ لكن مع ذلك يقول: أن الإنسان في مقام التثنية والخلق في مقام الإفراد والحق في مقام الجمع، فهذا المثنى، مقام التثنية له وجه إلى المفرد وله وجه إلى الجمع فهو عنده هذه الأوصاف وهذه الأوصاف. ومما أيضًا قد يستدل به ويستدل به ابن عربي على مثل هذا الدور أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم بيده بينما ذكر خلقًا آخر بيد أو أيدٍ، وما ثنّى إلا في هذا المخلوق في هذا الإنسان الكامل، كأنه بل هو كذلك يستدل بمثل هذا على أنه جامع للحقائق الكونية والخلقية، ومن ثَمَّ صار يقول -وفقًا لذلك-: "العبد ربّ الربّ عبد يا ليت شعري من المكلّفُ؟ إن قلت عبد فذاك ميتٌ/فذاك نفيٌ" وفي رواية "فذاك ربّ" "أو قلت ربٌ أنّا يكلف؟" وهذا في (الفتوحات) وأما في (فصوص الحكم) فيقول: "فأنت عبد وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد وأنت رب وأنت عبد ... لمن له فيه خطاب عهد فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد" وعلى ذلك لا نتعجب أن نجد، إذا كان هذا هو المعتقد، مثل الحلاج ومثل أبي يزيد الأسطامي والنوري وغيرهم، والشبلي أيضًا أن يقول: "أنا الله" أو "ما في الجبة إلا الله" يعني لم يكن هذا شطحًا، إذا تخيل أن إنسان مثل هذا جامع للحقائق الإلهية ويضيف إلى ذلك حقائق خلقية أيضًا فما معنى هذا؟ ابن عربي ماذا يقول؟ "المحبّ لله هو الأول من عين ما هو آخر، فدخلت آخريته على أولويّته ودخلت اوليته على آخريته وما ثم إلا عينه، فأوليته عينه وآخريته عبده وهو محبوبه، فقد تداخلت صفاته في صفات محبوبة أي الحق" يعني بالمحبوب الحق الله سبحانه "فإن قلت عبد لم تخلص وإن قلت سيد لم تخلص، وأنت صادق في الأمرين، فهذا حكم التداخل" طيب لماذا استحدث مثل هذه المرتبة؟ وهي مرتبة الوساطة والبرزخية والتثنية هل لا بد أن يكون السؤال الذي يرد ها هنا خصوصًا لمن كان من أهل الإسلام أن يقول: يعني نحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتعرف بنفسه إلى الخلق وبخلقه إلى الخلق، هو الذي يدبر، هو الذي يتقرب الناس إليه من غير وسائط {ادعوني استجب لكم} جاء إلى الإسلام بمنع هذه الوسائط فلماذا وضع هذا الفكر مثل هذه المرتبة لأجل استحداث وظيفة لمخلوق إنسان كامل أو قطب؟ ما الذي دعاهم إلى مثل هذا؟ علة استحداث مثل هذه المرتبة هي أصلًا فكرة عقدية فلسفية صوفية قديمة في الإله في الحق في واجب الوجود، نظرتهم إليه وما له من خصائص وصفات وأسماء هي التي أثمرت مثل هذه الفكرة، فإنهم نزعوا الأسماء والصفات كلها من هذا الحق، الذي هو الله سبحانه وتعالى، فنفوا عنه أي نسبة وأي إضافة، نفوا عنه أي صفة، بل بعضهم بالغ في ذلك حتى وصل إلى نفي الوجود والعدم ونفي الامتناع، أمور حتى يحصل التنزيه بحسب فكرهم وقاعدتهم، أن التنزيه لا يحصل إلا إذا انتفت المشاركة ولو بالاسم بين الخالق والمخلوق، فزعموا أن هذا تنزيه وهذا تعظيم لجناب الحق، فلذلك نزعوا عنه كل هذه الأوصاف فبقي بلا أوصاف. كما يقولون :"ذات بسيطة مجردة من النسب والإضافات بالنسبة إلى الموجودات الخارجية" فإذا صار ما عنده هذه الأوصاف تمامًا فكيف حينذاك يمكن تدبير هذا الكون وتدوير الكون لا بد له من صفة، صفة المدبر، صفة الخالق، صفة البارئ، المصور، والحليم وهذه الأسماء كلها، هي لا يمكن أبدًا أن يكون لها أثر إلا بوجودها وهم نزعوها بدعوى التنزيه، ومن ثَمَّ كان لا تدري أهو الامر مركب هكذا، نزع من ها هنا واستحداث لمرتبة واسطة من ها هنا لإسباغ هذا الواسطة كل تلك الصفات المنزوعة من الحق من الإله، هكذا يبدو الأمر. وصاروا يقررون أمور من التنزيه لا تدري، ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا ذكره ابن خلدون، قال: "وقد أشار ابن سينا في كتابه (الإشارات) في فصول التصوف فقال: "جلّ جناب الحق أن يكون شرعة لكل وارد، أو أن يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد"" هذه فكرة فلسفية، أنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد، فهذا الحق وهذا أول الوجود ما صدر عنه إلا واحد هو الإنسان الكامل هو العقل الأول، ومن ثم من العقل الأول جاءت المخلوقات الباقية، لماذا؟ حتى يجلّ جناب الحق أن يكون شِرعة لكل وارد، كأنه إذا خلق الخلق بنفسه سبحانه وتعالى فذلك معناه أنه شرعة لكل وارد وأن ذلك ينافي جلالة جناب الحق، فلا بد ألا يخلق وألا يكون له اتصال بهذا الخلق إلا واحد فقط، هو الذي صدر عنه أولًا ثم بعد ذلك من الواحد. وهذا كله تعظيم. قاسوا وصاغوا التعظيم على وفق ما وقر في عقولهم من غير سند من وحي. ابن عربي ماذا يقول؟ "ولولاه من حيث برزخيته" أي من الإنسان الكامل من حيث برزخيته "التي لا تغاير للطرفين لم يقبل شيء من العالم المدد الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط ولم يصل إليه شيء" إذًا هذه هي الفكرة التي تسوقهم إلى هذه القضية، لكن الأمر هل هو كذلك؟ هذه مسألة سنناقشها لاحقًا لكن كفكرة أولية نزع كل الأوصاف من الإله أو من أي شيء ما وتجريده كما يقولون من كل النسب والإضافات حتى لا يبقى له أي صفة ولا اسم، ذلك ما معناه؟ ذلك معناه نفي وجوده، نفي ذاته، إذ لا يمكن أبدًا أن تكون الذات من غير الصفات، ولو فتش الإنسان في عالم الغيب، عالم الشهادة، خصوصًا عالم الشهادة، لا يمكن أن يجد شيئًا مجردًا من كل صفة وله كيان وله ذات، إذا نُزعت الصفات كلها من هذا الكيان، فمعنى ذلك نفي الكيان نفسه، فحقيقة قول هؤلاء عدم إثبات إله حق وواجب وجود كما يقولون. وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله ربّ العالمين.
تعليق على الورد الثامن - ١
بصوت الكاتب
3400:00 -
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد، فهذا التعليق الثاني على الفصل الخامس: وساطة الإنسان الكامل. هذه الوساطة على نوعين: 1- وساطة صاعدة. 2- وساطة نازلة. من الحق إلى الخلق ومن الخلق إلى الحق. فأما الوساطة التي من الحق إلى الخلق وهو يقوم به هذا الإنسان الكامل فهو على قسمين، أو وساطتان: الأول، الوساطة الأولى تتعلق بتعرف الحق إلى الخلق، والوساطة الثانية في إيجاد العالم. أما من حيث تعرف الحق على الخلق بوساطة الإنسان الكامل فهذا مفهوم في ضوء ما تقدم من قولهم أن الإنسان الكامل جمع خصائص إلهية، فكل الأسماء والصفات الإلهية هي ثابتة لهذا الإنسان الكامل فله كل الخصائص الإلهية، كل الأسماء والصفات الإلهية. ومن هذا يمكن أن يكون هو الوسيلة في التعرف إلى الحق، فمن أراد التعرف إلى الحق فوسيلته وطريقته هذا الإنسان الكامل الذي حوى الأسماء والصفات الإلهية، طبعًا هذا قولهم، فالإنسان على الصورة الإلهية، ومتى ما كان الإنسان قد عرف هذا المقام فإنه يتحقق بالصورة، فحقيقة الإنسان أن الصورة الإلهية موجودة فيه لكنها لا تظهر ولا تبدو إلا حين يتحقق الإنسان بهذا المعنى ويفهمه. مثل البذرة فيها الشجرة لكنها لا تُنبت الشجرة إلا إذا سُقيت بالماء بعد غرسها في التربة، كذلك الإنسان الأصل فيه أنه كامل وأن له الصفات الإلهية لكن هذه لا تظهر ولا تبدو كما هي إلا حين يتحقق الإنسان بهذا المعنى ويدرك مقامه، هكذا يقول الصوفية، فهذه الوظيفة الأولى: التعرف على الحق من خلال الإنسان الكامل. الوظيفة الثانية: إيجاد العالم، خلق العالم، فإنه هو الواسطة في خلق العالم باعتبار أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، باعتبار عدم المناسبة بين الحق والخلق فلا بد من وسيط، وهذا تقدم بيانه في تعليق سابق، فهذا الوسيط هو الذي منه تبدو الخلائق وتظهر وتصدر، فإنه -أي الحق- لما أراد أن يخلق الخلق خلق أولًا هذا الإنسان الكامل. وحقيقة الوصف ليس خلق وإنما هو صدور فهو مذهب فلسفي أن واجب الوجود صدر عنه الأول، أو العقل الأول، صدر عنه كما يصدر النور عن الشمس، عن مصدره، فكذلك صدر عن واجب الوجود، صدر الأول وهو الإنسان الكامل. التعبير قد يختلف بل يختلف في جمل من المصطلحات والكلمات عند الصوفية لكن المعنى فلسفي. هذا ابن عربي يقول: "الأول وحده خليفة الحق، وما ظهر عنه من أمثاله في عالم الأجسام فهم خلفاء هذه الخليفة" إذًا الأول يعني الذي هو الإنسان الكامل في الفكر الصوفي هو خليفة الحق، وما ظهر عن هذا الأول -أي الإنسان الكامل- من أمثاله. إذاً الذي ظهر من المخلوقات والموجودات إنما ظهر عن الإنسان الأول وليس عن الحق، فالحق لم يظهر عنه إلا واحد هو هذا الإنسان الكامل. ابن الفارض يذكر في شعرِ كلامًا يبيّن هذا، يقول: "وروحي للأرواح روح وكلما ترى حسنًا في الكون من فيض طينتي ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن شهود ولم تعهد عهود بذمة فلا حيٌّ إلا عن حياتي حياته وطوعي مرادي كل نفس مريدة" الجيني يقول: "اعلم أن هذا المَلك المسمّى في اصطلاح الصوفية (الحق المخلوق به) و(الحقيقة المحمدية) -أي الإنسان الكامل- نظر الله إلى هذا المَلك" أي إلى هذا الإنسان الكامل الذي هو أيضًا الحقيقة المحمدية كما تقدم في حلقات أو تعليقات سابقة، مرادفات الإنسان الكامل الحقيقة المحمدية أن الله نظر إلى هذا الإنسان الكامل "بما نظر إلى نفسه فخلقه من نوره، وخلق العالم منه" طبعًا الصوفية مضطرون إلى أن يستعملوا مصطلحات (الخلق) و(الخالقية) ونحو ذلك حتى يعني يظهر انسجامهم إلى حدٍّ ما مع النصوص، بينما الفلاسفة أصرح في هذا وأوضح عندما يقولون (صدر) حقيقة كلام الصوفية ليس خلق وإنما هو صدور، لكن المعنى يقول: "خلقه من نوره وخلق العالم منه" أي من هذا الأول هذا الإنسان الكامل "وجعله محل نظره من العالم". إذًا هناك توافق بين الفلسفة وربما تطابق بينهم وبين المتصوفة في فكرة إيجاد هذا العالم وأنه كان من خلال هذا الإنسان الكامل، فهو الذي تولّى إظهار الموجودات إلى الوجود، وهكذا صار للوجود وجودًا به، وإذا أرادوا شرعنة هذا الكلام يقولون: "خلق الله العالم به" أي خلق السماوات وخلق الخلائق به -أي بالإنسان الكامل- وعندهم غرض الالتصاق بنصوص الشريعة سواءً صحّت أو لم تصح، فيأتون بحديث مشهور عندهم، يسمونه حديث جابر: "إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره...الخ" إلى آخر ما قال، فيجعلون الحقيقة المحمدية وربما النبي محمد صلَّ الله عليه وسلم بجسده وروحه هو أول المخلوقات، ثم من ذلك صدر وظهرت المخلوقات الأخرى. إذاً الإنسان الكامل له في هذه العملية مقام المؤثر الذي لا يمكن حصول ثمرته ونتيجته إلا به، ولا يمكن التعرف على الإله إلا به، ولا يمكن إيجاد العالم إلا به، فإذًا كل هذا العالم كل هذه الموجودات لولاه ما كان، كما يروون في ذلك أثرًا ليس له سند ولا صحّة: "لولاك لولاك ما كانت الأفلاك" وإلى غير ذلك مع مرونة في التفسير. منهم من يأتي ويقول يعني أنه خلق العالم لأجل بعثة النبي صلَّ الله عليه وسلم، لأجل أن يهدي به العالم، يعني هنا مجال للتأويل للتخلص من الإلزامات الخطيرة من وراء هذه الفكرة، لكن إذا تحرّى الإنسان الفكر الوصفي على حقيقته يجد أنه فلسفي لا يؤمن حقيقة بالخلق وإنما هو صدور، وهذا صدور أول ثم من هذا الأول في الفكر الفلسفي يقولون هذا الأول، العقل الأول، صدر عنه بعد ذلك النفس الكلية وباتحاد النفسية الكلية والعقل الأول ظهرت المخلوقات، وهكذا يدندن المتصوفة في هذه المسألة. فإذا صار الإنسان هو محل نظر الإله، هو الذي به يُتعرف إلى الإله وهو سبب الوجود وبه كان الوجود، انبنى على ذلك وظيفة أخرى وهي الخلافة، الخلافة والقيّوميّة على العالم، باعتبار أنه ليس للحق مناسبة مع هذا المخلوق وهذا الخلق، فلا بد من هذه الواسطة فليست واسطة في الإيجاد فقط والتعرف بل واسطة أيضًا في الخلافة، بمعنى القيّوميّة على الكون والعالم، فهذا الإنسان الكامل هو الذي يقوم على هذا الكون، وسموه خليفة وفسروا الآية {إنّي جاعل في الأرض خليفة} بهذا المعنى، كعادتهم في تفسير النصوص بما يتوافق مع المعنى الصوفي. ثم هذه الفكرة حقيقة ليس ابن عربي وحده الذي يدندن حولها ومثله من كان من الحلولية والاتحادية، بل هي فكرة قديمة موجودة منذ أول التصوف، كما الفكرة المتعلقة بالتعرف وبالصورة وغير ذلك، فإن ابن عربي يقول أنه هذا الإنسان الكامل يُعطى كُن، وبه يتصرف ويدبر، وهكذا قال المتصوف منذ القديم، قاله أبو طالب وطبّقه يزيد والحلاج عندما قال: "أنا الله، ما في الجبّة إلا الله" وتلطف غيره من الصوفية فعبروا بتعبيرات أخرى، فامثلًا السلمي يقول: إن إرادة الولي وليس من الإنسان الكامل تتحد وتوافق إرادة الرب سبحانه وتعالى فإذا أراد شيئًا فإنه يوافق إرادة الرب ومن ثم يقع المقدور على ما يشاء هذا الولي وما يشاء الرب سبحانه وتعالى سواءً بسواء. ويأتي مثلًا أبو عبد القادر الجيلاني فيعبر بتعبير آخر انه يحدث هناك اتحاد في الإرادة بين الطرفين، اتحاد في الإرادة بين الطرفين، فيقع المراد على مرادهما، يقع الأمر على إرادتهما بسبب اتحاد الإرادتين، اتحاد الإرادتين، توافق إرادة العبد مع إرادة الله سبحانه، قوله أنهم يقولون يُعطى كُن، والهجويري له تعبير آخر أنه يتصرف بهمته فيُنزل المطر وينصر المسلمين على الكافرين ويفعل ويفعل، كل تعبيراتهم وإن اختلفت في آخر الأمر، في المحصلة أن الإنسان له تصرف كامل مطلق، إذًا هو الذي يقوم بأمر الكون ويدبّر العالم من دون الله سبحانه وتعالى لأنه أُقيم هذا المقام. وأما الاستدلال بالنصوص على هذه القضية ففيها شك كبير لأن المقام الذي يقفه الإنسان الكامل هو مقام إلهي ربوبي وهذا في نقض لدعوات الرسل جميعًا، فإنه بهذا الأمر يكون هذا الإنسان الكامل في مقام الألوهية فيُتعبّد من دون الله، وهذا أثره ظاهر جدًا في تعظيم أتباع الطرق الصوفية لمشايخهم حتى ارتقوا بهم إلى درجة الربوبية، فالعبودية لهم والسجود لهم والسؤال لهم والدعاء والتضرع، كل ما كان لله صار لهؤلاء، وهذا أمر طبيعي إذا أُقيم مثل هذا المقام الربوبي فإن النتيجة الطبيعية المنبنية على ذلك أن يأتي الناس والأتباع فيعظموهم من دون الله عز وجل ويبذلون لهم العبادة الكاملة، فهذا الأثر أثر متوقع لذلك الاعتقاد. لكن استدلال الصوفية بالنصوص في هذا أن هناك ملائكة تدبّر وأن عيسى كان يحيى الموتى وأنه وأنه ومثل هذه الأمور التي يستند إليها هؤلاء وهي في حقيقة الأمر توسيع لدائرة الدليل الشرعي بما إيمان ببعضه وتحميل له لما لا يحتمله، وكما قلنا بل يمكن كما قال سبحانه {ما كان لبشر أن يأتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادًا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تُعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} هل يأمر الله سبحانه وتعالى باتخاذ الأرباب والإنسان الكامل والقطب وما سموه غوثًا وغير ذلك، يأمرهم ويرشدهم إلى أن يتخذوهم أربابًا من دون الله يتجهون إليهم بالعبادة والطاعة المطلقة؟ لا يمكن. إذًا ما كان من الرب سبحانه وتعالى في إيكال بعض الوظائف الكونية إلى الملائكة وبعض خلقه فذلك على سبيل جزئي، يعني هنالك محدودية في الكم والنوع، فنوع الأعمال محدودة وليست مطلقة، فالإحياء والإماتة لله سبحانه وتعالى، والرزق لله سبحانه وتعالى، فهي محدودة إذا صارت لبعض خلقه، يُعطى شيئًا محدودًا وبكم محدود، يعني محدود في النوع -في أنواع الوظائف- ومحدود في قدر هذه الوظائف، فلا نجد مَلكًا ولا بشرًا ولا خلقًا له تدبير له مطلق، لا يشهد لذلك أي نص، ولا تدبير كامل، يعني ليس كامل في كل الأعمال وليس مطلقًا بكل بالشمولية، ثم إضافة إلى ذلك لم يُرتّب على مثل هذه الإيكالات والتوكيلات من أعمال ووظائف كونية لهؤلاء الخلق من ملائكة وغير ذلك، لم يُرتّب على ذلك التضرع إليهم وعبادتهم من دون الله سبحانه وتعالى بخلاف الصوفية الذين رتبوا على ما أنزلوا الإنسان الكامل فيه أو أنزلوه في مقام رتبوا على ذلك أنهم صاروا يدعون من دون الله سبحانه وتعالى. فالمقصود أنه استدلال هؤلاء بمثل هذه النصوص لا معنى له ولا يشهد له إلا بتأويل باطنيّ يُخرج الدين عن حقيقته تمامًا. وفق الله الجميع وصلَّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله ربّ العالمين.
تعليق على الورد الثامن - ٢
بصوت الكاتب
1400:00
فهذا هو التعليق الأول على الفصل الخامس والذي بعنوان: وساطة الإنسان الكامل في الفكر الصوفي.
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي وسيط بين من ومن؟
قالوا بين الحق والخلق، فهو برزخ في مقام ما بين الحق والخلق وهذا بموجب ما له من صفات إلهية حقيّة وصفات خلقية كونية فهو جامعة للجهتين.
ومن ثم جمعه هذا أهّله لأن يكون في مركز القلب فهو كما يقولون قلب للعالم وهو البيت المعمور، هذا حسب اصطلاحهم، فكونه قلب العالم لا يصل العالم إلى الله إلا به، ولا يصل الحق إلى العالم إلا به فهو برزخ من هذا المعنى، وواسطة بين الطرفين من هذا المعنى، فهو يتلقى من الحق إلى الخلق ومن الخلق إلى الحق، فله بذلك دور ووظيفة، هذه الوظيفة إما نزولاً من الحق إلى الخلق أو صعودًا من الخلق إلى الحق.
أما نزولًا فبه يتعرّف الحق إلى الخلق، هذا الحديث المصنوع الموضوع صوفيًا: "كنتُ كنزًا خفيًّا لا أُعرف، فخلقت الخلق ليعرفوني"
وكذلك لإنزال فيوضاته إلى الخلق، بمعنى آخر لأن يقوم في مقام الخلافة عن الحق في أمر هذا الكون.
وأما من حيث الخلق إلى الحق -أي صعودًا- فإنه هو الوسيط والواسطة والوسيلة في تعرفهم إلى الحق وكذلك في معرفتهم للأسرار التي تدور في هذا الكون.
يقول ابن عربي وغيره أن مقامه مقام التثنية، ما معنى التثنية؟
يقولون الكلمات إما مفردة أو مثنى أو جمع، فمفرد ومثنى وجمع، هذا تصوير خيالي لكن جعلوه من القضايا التي يستدلون بها على هذه المرتبة، قضية خيالية رمزية دليل على هذه المرتبة، مرتبة كونية، مرتبة خطيرة كبيرة جدًا، هل يصلح أن يكون دليل رمزي وخيالي؟
لكن مع ذلك يقول: أن الإنسان في مقام التثنية والخلق في مقام الإفراد والحق في مقام الجمع، فهذا المثنى، مقام التثنية له وجه إلى المفرد وله وجه إلى الجمع فهو عنده هذه الأوصاف وهذه الأوصاف.
ومما أيضًا قد يستدل به ويستدل به ابن عربي على مثل هذا الدور أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم بيده بينما ذكر خلقًا آخر بيد أو أيدٍ، وما ثنّى إلا في هذا المخلوق في هذا الإنسان الكامل، كأنه بل هو كذلك يستدل بمثل هذا على أنه جامع للحقائق الكونية والخلقية، ومن ثَمَّ صار يقول -وفقًا لذلك-:
"العبد ربّ الربّ عبد
يا ليت شعري من المكلّفُ؟
إن قلت عبد فذاك ميتٌ/فذاك نفيٌ"
وفي رواية "فذاك ربّ"
"أو قلت ربٌ أنّا يكلف؟"
وهذا في (الفتوحات) وأما في (فصوص الحكم) فيقول:
"فأنت عبد وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد
وأنت رب وأنت عبد ... لمن له فيه خطاب عهد
فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد"
وعلى ذلك لا نتعجب أن نجد، إذا كان هذا هو المعتقد، مثل الحلاج ومثل أبي يزيد الأسطامي والنوري وغيرهم، والشبلي أيضًا أن يقول: "أنا الله" أو "ما في الجبة إلا الله"
يعني لم يكن هذا شطحًا، إذا تخيل أن إنسان مثل هذا جامع للحقائق الإلهية ويضيف إلى ذلك حقائق خلقية أيضًا فما معنى هذا؟
ابن عربي ماذا يقول؟
"المحبّ لله هو الأول من عين ما هو آخر، فدخلت آخريته على أولويّته ودخلت اوليته على آخريته وما ثم إلا عينه، فأوليته عينه وآخريته عبده وهو محبوبه، فقد تداخلت صفاته في صفات محبوبة أي الحق"
يعني بالمحبوب الحق الله سبحانه "فإن قلت عبد لم تخلص وإن قلت سيد لم تخلص، وأنت صادق في الأمرين، فهذا حكم التداخل"
طيب لماذا استحدث مثل هذه المرتبة؟
وهي مرتبة الوساطة والبرزخية والتثنية هل لا بد أن يكون السؤال الذي يرد ها هنا خصوصًا لمن كان من أهل الإسلام أن يقول: يعني نحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتعرف بنفسه إلى الخلق وبخلقه إلى الخلق، هو الذي يدبر، هو الذي يتقرب الناس إليه من غير وسائط {ادعوني استجب لكم}
جاء إلى الإسلام بمنع هذه الوسائط فلماذا وضع هذا الفكر مثل هذه المرتبة لأجل استحداث وظيفة لمخلوق إنسان كامل أو قطب؟ ما الذي دعاهم إلى مثل هذا؟
علة استحداث مثل هذه المرتبة هي أصلًا فكرة عقدية فلسفية صوفية قديمة في الإله في الحق في واجب الوجود، نظرتهم إليه وما له من خصائص وصفات وأسماء هي التي أثمرت مثل هذه الفكرة، فإنهم نزعوا الأسماء والصفات كلها من هذا الحق، الذي هو الله سبحانه وتعالى، فنفوا عنه أي نسبة وأي إضافة، نفوا عنه أي صفة، بل بعضهم بالغ في ذلك حتى وصل إلى نفي الوجود والعدم ونفي الامتناع، أمور حتى يحصل التنزيه بحسب فكرهم وقاعدتهم، أن التنزيه لا يحصل إلا إذا انتفت المشاركة ولو بالاسم بين الخالق والمخلوق، فزعموا أن هذا تنزيه وهذا تعظيم لجناب الحق، فلذلك نزعوا عنه كل هذه الأوصاف فبقي بلا أوصاف.
كما يقولون :"ذات بسيطة مجردة من النسب والإضافات بالنسبة إلى الموجودات الخارجية"
فإذا صار ما عنده هذه الأوصاف تمامًا فكيف حينذاك يمكن تدبير هذا الكون وتدوير الكون لا بد له من صفة، صفة المدبر، صفة الخالق، صفة البارئ، المصور، والحليم وهذه الأسماء كلها، هي لا يمكن أبدًا أن يكون لها أثر إلا بوجودها وهم نزعوها بدعوى التنزيه، ومن ثَمَّ كان لا تدري أهو الامر مركب هكذا، نزع من ها هنا واستحداث لمرتبة واسطة من ها هنا لإسباغ هذا الواسطة كل تلك الصفات المنزوعة من الحق من الإله، هكذا يبدو الأمر.
وصاروا يقررون أمور من التنزيه لا تدري، ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا ذكره ابن خلدون، قال: "وقد أشار ابن سينا في كتابه (الإشارات) في فصول التصوف فقال: "جلّ جناب الحق أن يكون شرعة لكل وارد، أو أن يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد""
هذه فكرة فلسفية، أنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد، فهذا الحق وهذا أول الوجود ما صدر عنه إلا واحد هو الإنسان الكامل هو العقل الأول، ومن ثم من العقل الأول جاءت المخلوقات الباقية، لماذا؟
حتى يجلّ جناب الحق أن يكون شِرعة لكل وارد، كأنه إذا خلق الخلق بنفسه سبحانه وتعالى فذلك معناه أنه شرعة لكل وارد وأن ذلك ينافي جلالة جناب الحق، فلا بد ألا يخلق وألا يكون له اتصال بهذا الخلق إلا واحد فقط، هو الذي صدر عنه أولًا ثم بعد ذلك من الواحد. وهذا كله تعظيم.
قاسوا وصاغوا التعظيم على وفق ما وقر في عقولهم من غير سند من وحي.
ابن عربي ماذا يقول؟ "ولولاه من حيث برزخيته" أي من الإنسان الكامل من حيث برزخيته "التي لا تغاير للطرفين لم يقبل شيء من العالم المدد الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط ولم يصل إليه شيء"
إذًا هذه هي الفكرة التي تسوقهم إلى هذه القضية، لكن الأمر هل هو كذلك؟
هذه مسألة سنناقشها لاحقًا لكن كفكرة أولية نزع كل الأوصاف من الإله أو من أي شيء ما وتجريده كما يقولون من كل النسب والإضافات حتى لا يبقى له أي صفة ولا اسم، ذلك ما معناه؟
ذلك معناه نفي وجوده، نفي ذاته، إذ لا يمكن أبدًا أن تكون الذات من غير الصفات، ولو فتش الإنسان في عالم الغيب، عالم الشهادة، خصوصًا عالم الشهادة، لا يمكن أن يجد شيئًا مجردًا من كل صفة وله كيان وله ذات، إذا نُزعت الصفات كلها من هذا الكيان، فمعنى ذلك نفي الكيان نفسه، فحقيقة قول هؤلاء عدم إثبات إله حق وواجب وجود كما يقولون.
وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله ربّ العالمين.
مصطلحات حلول الحوادث
من: 245 — إلى: 245
يرد مصطلح حلول الحوادث في كلام نفاة صفات الرب جل وعلا حيث يقولون ننزه الله عن حلول الحوادث، ومرادهم أنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ولا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولا يأتي يوم القيامة ولا يحب ولا يريد شيئًا بعد أن لم يكن مريدًا له، فلا يقول له "كن" حقيقة، ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويًا، ولا يغضب يوم القيامة غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديًا، ولا يقول للمصلي بعد أن يقول ﴿الحمد لله رب العالمين﴾: حمدني عبدي، فإن هذه كلها حوادث وهو منزه عن حلول الحوادث. معجم ألفاظ العقيدة، لأبي عبدالله عامر عبدالله فالح ص١٥٢.
مقولة "الواحد لا يصدر عنه إلا واحد"
من: 246 — إلى: 246
الواحد لا يصدر عنه إلا واحد: هذه المقولة يطلقها الفلاسفة، ومن يوافقهم من المتفلسفة المنتسبين إلى الإسلام ممن يقولون بالعقول العشرة، وأن الله واحد لا يصدر عنه - عندهم - إلا واحد وهو العقل الأول على ما سيأتي بيانه. كما أنها ترد في كتب العقائد خصوصًا في باب القدر، وارتباطه بفعل الأسباب؛ حيث يبين العلماء أن الأسباب لا تستقل بالتأثير، وأنه ما من سبب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه، ولا بد له من مانع يمنع مقتضاه وأثره إذا لم يدفعه الله عنه؛ فليس في الوجود شيء واحد يستقل بفعل شيء إلا الله وحده. قال الله - تعالى -: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الذاريات: ٤٩. أي فتعلمون أن خالق الأزواج واحد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في القصيدة التائية في القدر: وفي الكون تخصيص كثير يدل مَن له نوعُ عقلٍ أنه بإرادةِ وإصداره عن واحد بعد واحد أو القول بالتجويز رَمْيةُ حيرةِ ويريد الشيخ رحمه الله من خلال هذه الأبيات أن يبين أن ما في الكون من التخصيصات المتنوعة من كل وجه دلالةٌ واضحة على نفوذ مشيئة الله، وأن ذلك كائن بإرادته - عز وجل-. ومن تلك التخصيصات ما يُرى من الحِكم والانتظام، والحسن والالتئام، والخلق الغريب، والإبداع العجيب. ثم إن هذه التخصيصات مما يبين خطأ المتفلسفة الذين قالوا: إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ فهذه المقولة صادرة عن حيرة وضلال؛ فإن الواحد العقلي الذي يثبته الفلاسفة كالوجود المجرد من الصفات، وكالعقول المجردة، وكالكليات التي يدَّعون تركُّب الأنواع منها؛ فإن هذا الواحد لا حقيقة له في الخارج. قال الطوفي رحمه الله في شرح البيتين السابقين: "وقد تضمن البيتان المذكوران الإشارة إلى ثلاثة مذاهب: أحدها: مذهب القائلين بأن صانع العالم يفعل بالطبع والإيجاب كإحراق النار، وتبريد الماء، وهبوط الحجر الثقيل في الهواء لا بالقدرة والاختيار: وشبهتهم على ذلك دقيقة تعسُّفية، ولا أصل لها. وقد رد الله - تعالى - عليهم بقوله: {يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} الرعد: ٤. ورد عليهم الأصوليون بأن الفاعل بالطبع لا يتمادى زمنُ فعله، ولا يتخصص بعد وجود فاعله ببعض الأزمنة والأمكنة دون بعض. وأفعال الله - تعالى - تتمادى، ويتأخر بعضها عن بعض، ويختص ببعض ظروف الزمان والمكان دون بعض. وما ذاك إلا لصدوره عن قدرة واختيار، لا عن طبع وإيجاب. وإلى هذا أشار الشيخ - يعني ابن تيمية - بقوله: وفي الكون تخصيص كثير... البيت. المذهب الثاني: قول القائلين بأن واجب الوجود واحد، الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأنه لو صدر عنه أكثر من واحد لكان من حين صدور هذا عنه مغايرًا لنفسه من حيث صدورُ الآخر عنه، والمغايرة تقتضي التعدد، والتكثُّر؛ فيلزم أن يكون واحدًا كثيرًا، وهو محال. قالوا: فوجب القول بأن الصادر عنه واحد، وهو الفلك الذي دونه، وعن ذلك الفلك ما دونه إلى أن انتهى التدريج إلى فلك القمر، وهو الذي يلي العالم السفلي، وهو عالم الكون، والفساد؛ فأثَّر فلك القمر في العناصر الأربعة: النار، والهواء، والماء، والأرض، ثم دبَّرت هذه العناصر ما تركَّب منها، وهو هذا العالم. وهذا ونحوه تقرير مذهب الحكماء - يعني الفلاسفة - على ما ذكره بعضهم. وهو فاسد؛ لأنه يوجب أن لا يوجد شيئان إلا وأحدهما علة للآخر". إلى أن قال رحمه الله: "وإلى هذا أشار الشيخ - يعني ابن تيمية - بقوله: وإصداره عن واحد بعد واحد... وأجاب عنه بأنه رمية حَيْرة، أي أنه دعوى لا برهان عليها، وإنما هو رأي صدر عن عقولٍ حارَتْ، وعن طريق الحق جارَتْ، وما لا برهان عليه لا يسمع". باختصار من كتاب مصطلحات في كتب العقائد، للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ص١٤٢-١٤٥.
إثبات كمال الرب (عز وجل) وأنه في كمالاته وصفاته غير مماثل لخلقه
من: 252 — إلى: 252
كلمات للطحاوي رحمه الله فيها إثبات كمال الرب (عز وجل) وأنه في كمالاته وصفاته غير مماثل لخلقه، بل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) قال الإمام الطحاوي :(خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة. ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بخلقهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، كما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً. ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم.) والقاعدة التي يقوم عليها الإيمان: قوله تعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء: 23]. شرح العقيدة الطحاوية.
#مصطلحات، (الهوية المطلقة)
من: 246 — إلى: 246
الهوية الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق. التعريفات/الجرجاني
توافق الصوفية مع الجهمية في باب الأسماء والصفات
من: 247 — إلى: 247
((الجهمية إحدى الفرق الكلامية التي تنتسب إلى الإسلام، وهي ذات مفاهيم وآراء عقدية خاطئة في مفهوم الإيمان وفي صفات الله تعالى وأسمائه، وترجع في نسبتها إلى مؤسسها الجهم بن صفوان . فالجهمية في مسائل العقيدة يذهبون في الصفات إلى النفي، فينفون عن الله - عز وجل - كل الصفات، ويجعلون الصفة الواحدة الموجودة هي صفة الوجود المطلق.)) موسوعة الفرق والأديان والمذاهب المعاصرة.
ص(240)
ويمكن تصوير البرزخ في المعنى الصوفي بأنه:
(الحد الفاصل، والجامع بين الحقائق الإلهية والكونية والوسيط بين الطرفين)
كذلك هنا نجد خروجاً صوفياً على مقتضى اللغة من دون سند من كلام أهل العربية، بالتوسع في معاني المفردات، لتعبر عن الحقائق الصوفية الخالصة.!!
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي.
د. لطف الله خوجة
ص(244)
للمتصوفة نظرة فلسفية للإله ، تقوم على تجريده من الصفات في حال التنزيه. وفي حال أخرى يلبسونه إياها بشرط المشاركة مع الموجودات لتكون تلك الصفات هي نفسها صفات للموجودات خصوصا الإنسان.
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي.
د. لطف الله خوجة
ص(248)
وأصل دائهم :
أنهم شبهوا ، ثم عطلوا ، نظروا في صفات الله تعالى ، وجعلوها مثل صفات الخلق، فحملهم ذلك على التعطيل،.
ودوائهم:
أن يتركوا التشبيه ويثبتوا الصفات على الوجه اللائق به سبحانه تعالى ،فكل موجود له صفات تخصه تتلائم مع كينونيته وماهيته.
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي.
د. لطف الله خوجه
ص: 249
جعل الصوفية غاية نهاية الكمال الإنساني في التشبه بالإله على قدر الطاقة، وهذا مشكل ففي الصفات هم على المذهب الأشعري فإذا كانت الأشعرية تنفي بعض صفات الله وتثبت البعض ، فكيف يتخلق الصوفي بأخلاق الله ؟!
ثم إذ بلغ الكمل منهم مرحلة الفناء في الذات الإلهية يرى ذاتا بلا صفات وهنا يقع في الاتحاد.
منيرة حامد الغامدي
ص/245
(فهذا وجه عدم المناسبة، ولأجل أن القيام بذلك يفضي إلى إثبات (الحدوث) في الذات الإلهية المنزهة عن ذلك، فكان لابد من واسطة...إلخ)
السؤال من فضلكم:
لماذا إثبات صفة التدبير لله تعالى يفضي إلى إثبات الحدوث في الذات الإلهية كما يزعمون؟؟
أ.د.لطف الله عبد العظيم خوجه
لأن بذلك يتصل بالمخلوق، الذي هو متغير، فيحدث التغير في الذات الإلهية تبعا، في العلم والإرادة والقدرة وغيرها.
ومن هنا قالوا: لا مناسبة بينهما.