الإنسان الكامل في الفكر الصوفي - عرض ونقد -

الأوراد/ الورد الثاني عشر (٣٦٧ - ٣٩٨)

هذا ملخص يتضمن أهم النقاط الرئيسية والأفكار المهمة؛ لذا هو لا يغني عن الكتاب، صممناه لكم بشكل مريح يساعد على ترتيب المعلومة وفهمها

  • بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد، فهذا هو التعليق على الفصل السادس من الكتاب، والذي هو بعنوان: موقف الإنسان الكامل من الشريعة. بما أنه قد تقدّم بيان خصائص الإنسان الكامل ووظائفه، وقد وُضع بحسب الفكر الصوفي في مقام إلهي ربّاني، بل أكثر من ذلك حينما جمع أوصاف الحق وأوصاف الخلق، وحينما كانت له وظائف كونية محورية في إيجاد العالم، في سبب وجود العالم، في إيجاد العالم، في القيام على التدبير بما حمل طوائف من الصوفية على الجهر والنطق بألوهية الإنسان، حينذاك لا بد أن نبحث عن أثر مثل هذه المقالة في التزام المتصوفة بالشريعة. الأمر الذي لا يخفى على أحد يسمع للمتصوفة وتقريراتهم أنهم لا ينكرون أبدًا التزامهم بالشريعة بل قديمًا وحديثًا يؤكّدون على هذا الالتزام بنصوص واضحة صريحة ليست محل التأويل، وهذا أمر نجده مثلًا في مقدمة الرسالة للقشيري ونجده عند الغزالي، نجده عند الطوسي، الكلاباذي، أبو طالب المكّي، عند أئمة التصوف، لا أحد منهم يتبرأ من الشريعة، وإن كانوا في ذات الوقت يحكون عن أُمم او طوائف منهم قد تحللوا من الشريعة وأسقطوا التكاليف ونزّلوا نصوصًا على موقفهم، وهذا أمر قد حكوه في كتبهم كما الطوسي وغيره كما أيضًا القشيري، وبينوا ضلال هؤلاء وأنهم خارجون عن التصوف والفكر الصوفي، أي الذين يقولون بسقوط التكاليف ويقولون بالعصمة ويتمادون في هذا المعنى وهذا الاتجاه، لكن الأمر الذي يحتاج إلى توثّق وإلى بحث: هل بالفعل أن هؤلاء في النظام الصوفي أجنبيون خارجون عن الحد الصوفي، حد الفكر الصوفي؟ أم انهم يترجمون عن معاني أصيلة قد استقرت في هذا الفكر وأنتجت مثل هذا القول حتى صار قائلهم يقول: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وأن اليقين هو الاتصال والفناء في الذات الإلهية، وأنه إذا حصل ذلك فلا معنى للقيام بالتكاليف، لأنه حينئذ يكون العبد ربّ والربّ عبد. فأي المذهبين هو الذي يُنسب إلى الفكر الصوفي؟ نحن نعلم أن الفكر الصوفي، أو أن الصوفي يُنازعه فكران: فكر صوفي وفكر إسلامي، أو دين إسلامي ودين صوفي، فدين التصوف وهو قديم وهو قبل الإسلام، هذا يقوم على تأليه الإنسان، على أن الإنسان كائن إلهي، الأصل أنه كان متحدًّا بالإله الحق ثم انفصل عنه ثم يعود إليه مرة أخرى، فهو كائن إلهي أوله وآخره، يفنى ويرجع إلى حالة الاتحاد "يبقى من لم يزُل ويفنى من لم يكن". أما في العقيدة الإسلامية وفي الدين الإسلامي الإنسان إنسان مخلوق تحت طائلة الأمر والنهي ولا يمكن أبدًا أن يرتقي ويتحدّ بالذات الإلهية، ولا يمكن له أن يُحصّل الصفات الإلهية كلها، وما حصّله هو من صفات فهي في حقه بشرية ومن ثم لا يمكن أن يُحصّل ولو صفة واحدة إلهية، وإنما صفاته لائقة به كمخلوق، فلا يمكن أبدًا أن يتخطى هذا المقام ليظنّ ولو ظنًّا أنه معصوم، أنه ليس تحت طائلة القيام بالتكاليف وأن الحجاب بينه وبين الربّ قد سقط، وكذلك الأدب وأنه يدخل في باب من الأنس لا حدّ له حتى يصل إلى درجة التدلل على الربّ ومخاطبته مخاطبة المحبّ لحبيبه أو العاشق لمعشوقه أو الذي الخلّ لخليله. هذا الأمر ليس موجودًا في النظام الإسلامي، الفكر الإسلامي، بالعقيدة الإسلامية، الشريعة، لكنه موجود عند المتصوفة، موجود عند المتصوفة لأن الفكر الصوفي هو الذي يأصّل لذلك ويقرر ذلك وينظّر. أما النظام الإسلامي لا يقرر لمثل هذا، لا يقرر لألوهية الإنسان ولا لربوبية الإنسان. نعم سنجد المتصوفة يؤكّدون على الشريعة كما ذكر ذلك القشيري في كتابه (الرسالة) ونقل نصوصًا في ذلك كثيرة، وقطعًا نعلم أن كثيرًا من المتصوفة صادقون فيما يقولون من التزام الشريعة وعدم العصمة، أو اعتقاد العصمة، وإن كان عندهم كلام في الأُنس يكاد يخلُّ بالحجاب بين العبد والربّ ويخلّ بالأدب بدعوى الأُنس. فهذا موجود عندهم، لكن في ذات الوقت، يعني موجود عندهم إثبات الشريعة والإيمان بالتكاليف الشرعية وتقريرها والإنكار على من خرج عليها، لكن في ذات الوقت عندهم من التقريرات ما يخرج بهم عن حد الشريعة ويصل بهم إلى حدّ إسقاط التكاليف. فعندما يقولون عن الإنسان أنه جمع الخصائص الإلهية والخلقية فإنهم أنزلوه مرتبة الإله، حينذاك يصحّ أن يعترض أحد فيقول: كيف يكون مُلزمًا باتباع الأوامر والنواهي وهو صار ربانيّ المعنى والأوصاف؟ كما قال ابن عربي: "الربّ عبد والعبد ربّ ........ يا ليت شعري من المكلفُ؟ إن قلتَ عبدً فذاك ميت/ربّ/نفي ........ وإن قلت ربّ فأنّا يكلفُ؟" هذان البيتان معبّران عن حقيقة مسألة سقوط التكاليف، فإذا صار أبو يزيد البسطامي يقول: "أنا الله" إذا قال الحلاج "ما في الجبّة إلا الله" وغيرهم يقولون بهذا المعنى حتى ابن عربي يقول مثل هذا، كيف حينذاك يقوم بصلاة وصيام وحج، ولمن؟ لمن تكون له طاعته وأمره؟ لمن تكون له طاعته في أمره ونهيه؟ وهو الذي يأمر وهو الذي ينهى، هذا الإنسان الكامل لأنه تمثّل في مقام ربانيّ وإلهي وهو الذي يوصل أوامر الإله إلى الخلق، بل صار هو محطّ النظر ومحطّ الطلب، ومحطّ الطاعة، فمن ثُمّ لا يُتصّور مثل هذه الخصائص أن تُنسب إلى هذا الإنسان الكامل، ثم بعد ذلك أن يكون مكلّفًا، هذا تناقض تمامًا، خصوصًا في آخر أمره، قد يقولون في أول الأمر في أول السلوك، في أول الطريق لا أزال غير مدرك إلهيته وأصله الرباني والروحاني والاتحاد بالذات الإلهية والرجوع إلى الأصل، غير مدرك هذا، فهو لا زال تحت طائلة الشريعة، لكن ما أن يتصل ويعرف الحقائق كما هي ويفنى في الذات الإلهية حينذاك تنتهي في حقه الشريعة والخضوع للشريعة، فله ثلاث حالات: - حالة الاتحاد الأزلي السابق مع الإله يوم كان روحانيًا، حينها لم يكن أمر ولا نهي. - ثم في حالة الانفصال لما انفصل صار عليه أمر ونهي، صار تحت طائلة الشريعة. - ثم إذا سلك أن يصل إلى أن يتخلص من هذا الانفصال بالتخلص من أحكام البدن والأحكام السلفية ويرجع إلى الاتصال مرة أخرى، حينذاك يرجع إلى حالته الأولى حالة الإتحاد والذوبان والفناء في الأول، في الذات الإلهية، حنيذاك لا معنى لأن يُأمر ويُنهى لأنه صار إلهيّ المعنى والأوصاف، ولذلك نجد كثير من المصطلحات تخدم هذا المعنى إما مباشرة أو غير مباشر، يعني عندما يقولون بالولي عندما يقولون بالإنسان الكامل، هذا الذي تكلمنا عنه، هذا يُؤصّل إلى مثل هذا، عندما يقولون: يفنى عن بشريته ويبقى بالله، فهذا البقاء أيضًا يقرر هذا المعنى. عندما يتكلمون عن وحدة الوجود والشهود، أما وحدة الوجود فإنها فكرة تكاد أن تنطبق وتكون محورًا للقول بسقوط التكاليف وبالعصمة أيضًا، لأنه يكون معصومًا ويكون ساقط التكاليف، إذا صار الإله قد حلّ في المخلوق في هذا الإنسان واتحدّ به حينذاك رجعنا إلى المعنى الأول: تحصيل الخصائص الإلهية، والوظائف الإلهية والربّانية في هذا الكون، حينذاك يكون لا معنى لأمره ونهيه. إذا جئنا إلى معنى وحدة الشهود، وحدة الشهود هو أدنى من ذلك ولا يلزم منه ترك التكاليف، لان معنى وحدة الشهود أن يستغرق في التأمل الربّاني والإلهي حتى يصبح كأنه يرى الله عزّ وجل في المخلوقات صانعًا فاعلًا مبدعًا خالقًا. فهو يرى الله سبحانه وتعالى في المخلوقات لا بذاته وإنما بصنعه: أن تعبد الله كأنك تراه، فهو يرى حتى المخلوقات بعبادة الفكر والتدبر فكأنه يرى الله عز وجل. هذه الحالة لا ينغي أن تصل إلى درجة إسقاط التكاليف، لكن الصوفي قد يستغرق في ذلك حتى يحصل له محوٌ وسُكرٌ وفناءٌ واضمحلالٌ، حتى لا يعد يعي ما حوله، وحينذاك تسقط عنه التكاليف تلقائيًا، لأنه لن يكون في حال يستطيع به القيام بالعبادات وبالطاعات وبالأوامر والنواهي لأنه فاقد عقله، أعطاه عقلًا وحالًا، فبسبب حاله سُلب عقله، ولما سُلب عقله سقط عنه ما فرط. وشيخ الإسلام في هذا يقول: "إن كان زوال عقله بسبب مباح كان معذورًا، وإن كان تطلّبه بسبب غير مباح كان مؤاخذًا ومسؤولًا عن تركه للتكاليف ولو كان في حالة سُكر". إذًا السُكر والجذب والمحو والاصطلام، هذه المصطلحات التي تدل على الغيبة وعدم الشهود، التي يقررها الصوفية ويمدحونها وهي ناتجة عن حالة استغراق في وحدة الشهود، هي أيضًا تُفضي إلى ترك التكاليف وإلى إسقاطها رغمًا، وهذا أمر يُؤاخذ به الصوفية لأنهم يعملون على الوصول إلى هذه الحالة، حالة السُكر التي فيها ترك التكاليف. إذًا عندنا أمور من المصطلحات والأحوال الصوفية تُفضي إلى هذا، استحسان كل شيء، لما الصوفي يقرر أنه ينبغي أن يستحسن كل شيء ولا يستقبح كل شيء بالنظر إلى أنه من الله، كثير من الصوفية لا يميز هذا، يرجع بالاستحسان إلى أنه بالنظر إلى المخلوقات، وليس بالنظر إلى الله، يعني ما كان من عند الله كله خير، هذا لا شك فيه، وما كان من عند الإنسان ففيه خير وشر {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}. لكن كل ذلك من عند الله سبحانه وتعالى، فالإنسان ينظر إلى أفعال الله عز وجل فلا يرى فيها إلا الخير، فيستحسنها من هذه الجهة وهذا ليس موجبًا لإسقاط التكاليف. لكن ليس كل صوفي يدرك مثل هذا الأمر فتجده يرجع بالاستحسان إلى ما يصدر من أفعال الناس، وحينذاك سيسوّي ما بين الطائع وما بين العاصي، ما بين الممتثل للشريعة وغير الممتثل للشريعة لأنه يستحسن كل شيء صدر من الناس، ولا يعلم أن الاستحسان ينبغي أن يكون فيما صدر عن الله وليس عن المخلوق، فهذا الخلط والنظر إلى أفعال المخلوقين على أنها مستحسنة تُفضي أيضًا إلى إسقاط الشريعة فإنه حينئذ يستوي عنده الذي يصلي والذي لا يصلي، الذي يؤمن والذي لا يؤمن، الذي يطيع والذي لا يطيع، كل هذه، معنى العصمة عندهم، تفسير العصمة، العصمة عندهم تُقَرّر على أنها قضية صوفية بمعنى أن الصوفي يصل إلى درجة العصمة وقد يقولون ذلك صراحة بل ابن عربي ذكر أن من شرط الولي أن يكون معصومًا، وإن كان الأوائل كالقشيري والطوسي الكلاباذي وغيرهم لا يدّعون العصمة، لكن تفسيرهم لمقام الولاية أنه حفظ وأن الولي محفوظ يُفضي إلى معنى، لو حصلت معنى الحفظ عندهم يُفضي إلى العصمة، فإن الحفظ عندهم: ألا يعصي وألا يقع إلا في طاعة، وأن تكون أوقاته كله محفوظة بالطاعة، وما بين الطاعة والطاعة طاعة، وأنه يعني يمضون إلى معنى أكثر من ذلك أنه تنقبل أفعاله كلها موافقات ولا يصل إلى المخالفات، يعني لا يفعل إلا موافقات، يعني هذا معنى العصمة، بل يبالغ بعضهم فيقول أن مخالفته أيضًا تصبح موافقات، على معنى حديث أهل بدر "اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم". يعني حتى المخالفة والمعصية التي يأتيها تصبح موافقة بسبب مقامه، وهي عبادة وطاعة، لو ذهبنا نتتبع ما أقروه من مصطلحات ومعاني لوجدناها تمحو بالصوفي قسرًا إلى أن يقول: لا موجب للطاعة ولا موجب للأمر والنهي وأن يلتزم به الصوفي. فكل هذه المصطلحات إما تقوده مباشرة، مصطلحات وحدة الوجود، الشهود، الفناء، البقاء، الولاية، كل هذه المصطلحات تقوده إلى هذه النتيجة، نتيجة أنه لا يؤمن بوجوب التزام الشريعة، بل يرى أنه قد ترقّى عن ذلك ووصل إلى درجة اليقين الذي به، بهذا اليقين لا يُساءل عن التزامه بالشريعة، فإنه صار، وهنا يتفق هذا الفكر مع الفكر الفلسفي، الفلاسفة يؤمنون بالشريعة والقانون ضابطًا لأحوال العامة، لكنهم يقولون إذا صار فيلسوفًا فإنه أدرك المعنى الذي وراء القانون وهو ضبط الناس، والفيلسوف حكيم منضبط بنفسه، فلا يحتاج لمثل هذه القوانين، ولذلك صاغوه بالنبي وربما فضلوه على النبي، فالنبي تلقى الحكمة وهو ضابط منضبط بالحكمة وبالشريعة من غير أن يلتزم الشريعة، هكذا يقولون، وكذلك الفيلسوف تلقى الحكمة من لدن ذاته، النبي تلقى الحكمة من لدن الوحي لكن هذا من لدن ذاته، هو عرف الحكمة كما عرفها النبي فلذلك لا يحتاج إلى قانون كي ينضبط، كما كان ابن سينا يشرب الخمر ويقول: هذه لا تضرني، إما تضر العامة لأن العاميّ ليس عنده قانون ولا يدرك الحكمة، فأباح لنفسه الخمر أن يشربه على أنه حكيم. فهذا الفكر الموجود عند الفلاسفة موجود عند الصوفية في مسألة الشريعة، أو على الأقل المصطلحات الصوفية تُفضي إلى هذا، ولذلك كان ينبغي على مثل القشيري ألا يجزع ولا يتألم من انحراف السبيل في زمانه وخروج أناس تلاعبوا بالتصوف واتخذوه طريقة للتحلل من الشريعة، فإن المصطلحات الصوفية تُغري بهذا وبعضها تؤكد هذا وتوطّده حتى تنتج هذه النتيجة يقينًا، فبعضها من طريق صريح واضح مباشر، وبعضها توصل إلى ذلك بطريق غير مباشر، ولذلك لا تعجب أن يخرج من النظام الصوفي أناس طوائف وفئات لا تلتزم الشريعة وتخرج إلى حالة من الزندقة. فهذا الفكر هو الذي قرر لهم ذلك وإذا رجعنا إلى الأصول أدركنا حقيقة الأمر أن هذا الفكر فكر غير إسلامي ولذلك لا يحرص أبدًا على التزام الشريعة والقيام بالإسلام فإنه فكر وثني قديم له أصوله وقواعده التي يُؤمن بها، ولذلك لا عجب ألا يكون ملتزمًا بالشريعة. وصلَّ الله على نبينا محمد.
    تعليق على الورد الثاني عشر

    بصوت الكاتب

    1
    3
    00:00
    تحميل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد،
فهذا هو التعليق على الفصل السادس من الكتاب، والذي هو بعنوان: موقف الإنسان الكامل من الشريعة.
بما أنه قد تقدّم بيان خصائص الإنسان الكامل ووظائفه، وقد وُضع بحسب الفكر الصوفي في مقام إلهي ربّاني، بل أكثر من ذلك حينما جمع أوصاف الحق وأوصاف الخلق، وحينما كانت له وظائف كونية محورية في إيجاد العالم، في سبب وجود العالم، في إيجاد العالم، في القيام على التدبير بما حمل طوائف من الصوفية على الجهر والنطق بألوهية الإنسان، حينذاك لا بد أن نبحث عن أثر مثل هذه المقالة في التزام المتصوفة بالشريعة.
الأمر الذي لا يخفى على أحد يسمع للمتصوفة وتقريراتهم أنهم لا ينكرون أبدًا التزامهم بالشريعة بل قديمًا وحديثًا يؤكّدون على هذا الالتزام بنصوص واضحة صريحة ليست محل التأويل، وهذا أمر نجده مثلًا في مقدمة الرسالة للقشيري ونجده عند الغزالي، نجده عند الطوسي، الكلاباذي، أبو طالب المكّي، عند أئمة التصوف، لا أحد منهم يتبرأ من الشريعة، وإن كانوا في ذات الوقت يحكون عن أُمم او طوائف منهم قد تحللوا من الشريعة وأسقطوا التكاليف ونزّلوا نصوصًا على موقفهم، وهذا أمر قد حكوه في كتبهم كما الطوسي وغيره كما أيضًا القشيري، وبينوا ضلال هؤلاء وأنهم خارجون عن التصوف والفكر الصوفي، أي الذين يقولون بسقوط التكاليف ويقولون بالعصمة ويتمادون في هذا المعنى وهذا الاتجاه، لكن الأمر الذي يحتاج إلى توثّق وإلى بحث: هل بالفعل أن هؤلاء في النظام الصوفي أجنبيون خارجون عن الحد الصوفي، حد الفكر الصوفي؟
أم انهم يترجمون عن معاني أصيلة قد استقرت في هذا الفكر وأنتجت مثل هذا القول حتى صار قائلهم يقول: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وأن اليقين هو الاتصال والفناء في الذات الإلهية، وأنه إذا حصل ذلك فلا معنى للقيام بالتكاليف، لأنه حينئذ يكون العبد ربّ والربّ عبد. فأي المذهبين هو الذي يُنسب إلى الفكر الصوفي؟
نحن نعلم أن الفكر الصوفي، أو أن الصوفي يُنازعه فكران: فكر صوفي وفكر إسلامي، أو دين إسلامي ودين صوفي، فدين التصوف وهو قديم وهو قبل الإسلام، هذا يقوم على تأليه الإنسان، على أن الإنسان كائن إلهي، الأصل أنه كان متحدًّا بالإله الحق ثم انفصل عنه ثم يعود إليه مرة أخرى، فهو كائن إلهي أوله وآخره، يفنى ويرجع إلى حالة الاتحاد "يبقى من لم يزُل ويفنى من لم يكن".
أما في العقيدة الإسلامية وفي الدين الإسلامي الإنسان إنسان مخلوق تحت طائلة الأمر والنهي ولا يمكن أبدًا أن يرتقي ويتحدّ بالذات الإلهية، ولا يمكن له أن يُحصّل الصفات الإلهية كلها، وما حصّله هو من صفات فهي في حقه بشرية ومن ثم لا يمكن أن يُحصّل ولو صفة واحدة إلهية، وإنما صفاته لائقة به كمخلوق، فلا يمكن أبدًا أن يتخطى هذا المقام ليظنّ ولو ظنًّا أنه معصوم، أنه ليس تحت طائلة القيام بالتكاليف وأن الحجاب بينه وبين الربّ قد سقط، وكذلك الأدب وأنه يدخل في باب من الأنس لا حدّ له حتى يصل إلى درجة التدلل على الربّ ومخاطبته مخاطبة المحبّ لحبيبه أو العاشق لمعشوقه أو الذي الخلّ لخليله.
هذا الأمر ليس موجودًا في النظام الإسلامي، الفكر الإسلامي، بالعقيدة الإسلامية، الشريعة، لكنه موجود عند المتصوفة، موجود عند المتصوفة لأن الفكر الصوفي هو الذي يأصّل لذلك ويقرر ذلك وينظّر.
أما النظام الإسلامي لا يقرر لمثل هذا، لا يقرر لألوهية الإنسان ولا لربوبية الإنسان. نعم سنجد المتصوفة يؤكّدون على الشريعة كما ذكر ذلك القشيري في كتابه (الرسالة) ونقل نصوصًا في ذلك كثيرة، وقطعًا نعلم أن كثيرًا من المتصوفة صادقون فيما يقولون من التزام الشريعة وعدم العصمة، أو اعتقاد العصمة، وإن كان عندهم كلام في الأُنس يكاد يخلُّ بالحجاب بين العبد والربّ ويخلّ بالأدب بدعوى الأُنس.
فهذا موجود عندهم، لكن في ذات الوقت، يعني موجود عندهم إثبات الشريعة والإيمان بالتكاليف الشرعية وتقريرها والإنكار على من خرج عليها، لكن في ذات الوقت عندهم من التقريرات ما يخرج بهم عن حد الشريعة ويصل بهم إلى حدّ إسقاط التكاليف. فعندما يقولون عن الإنسان أنه جمع الخصائص الإلهية والخلقية فإنهم أنزلوه مرتبة الإله، حينذاك يصحّ أن يعترض أحد فيقول: كيف يكون مُلزمًا باتباع الأوامر والنواهي وهو صار ربانيّ المعنى والأوصاف؟
كما قال ابن عربي:
"الربّ عبد والعبد ربّ ........ يا ليت شعري من المكلفُ؟
إن قلتَ عبدً فذاك ميت/ربّ/نفي ........ وإن قلت ربّ فأنّا يكلفُ؟"

هذان البيتان معبّران عن حقيقة مسألة سقوط التكاليف، فإذا صار أبو يزيد البسطامي يقول: "أنا الله"
إذا قال الحلاج "ما في الجبّة إلا الله"
وغيرهم يقولون بهذا المعنى حتى ابن عربي يقول مثل هذا، كيف حينذاك يقوم بصلاة وصيام وحج، ولمن؟
لمن تكون له طاعته وأمره؟ لمن تكون له طاعته في أمره ونهيه؟
وهو الذي يأمر وهو الذي ينهى، هذا الإنسان الكامل لأنه تمثّل في مقام ربانيّ وإلهي وهو الذي يوصل أوامر الإله إلى الخلق، بل صار هو محطّ النظر ومحطّ الطلب، ومحطّ الطاعة، فمن ثُمّ لا يُتصّور مثل هذه الخصائص أن تُنسب إلى هذا الإنسان الكامل، ثم بعد ذلك أن يكون مكلّفًا، هذا تناقض تمامًا، خصوصًا في آخر أمره، قد يقولون في أول الأمر في أول السلوك، في أول الطريق لا أزال غير مدرك إلهيته وأصله الرباني والروحاني والاتحاد بالذات الإلهية والرجوع إلى الأصل، غير مدرك هذا، فهو لا زال تحت طائلة الشريعة، لكن ما أن يتصل ويعرف الحقائق كما هي ويفنى في الذات الإلهية حينذاك تنتهي في حقه الشريعة والخضوع للشريعة، فله ثلاث حالات:
- حالة الاتحاد الأزلي السابق مع الإله يوم كان روحانيًا، حينها لم يكن أمر ولا نهي.
- ثم في حالة الانفصال لما انفصل صار عليه أمر ونهي، صار تحت طائلة الشريعة.
- ثم إذا سلك أن يصل إلى أن يتخلص من هذا الانفصال بالتخلص من أحكام البدن والأحكام السلفية ويرجع إلى الاتصال مرة أخرى، حينذاك يرجع إلى حالته الأولى حالة الإتحاد والذوبان والفناء في الأول، في الذات الإلهية، حنيذاك لا معنى لأن يُأمر ويُنهى لأنه صار إلهيّ المعنى والأوصاف، ولذلك نجد كثير من المصطلحات تخدم هذا المعنى إما مباشرة أو غير مباشر، يعني عندما يقولون بالولي عندما يقولون بالإنسان الكامل، هذا الذي تكلمنا عنه، هذا يُؤصّل إلى مثل هذا، عندما يقولون: يفنى عن بشريته ويبقى بالله، فهذا البقاء أيضًا يقرر هذا المعنى.
عندما يتكلمون عن وحدة الوجود والشهود، أما وحدة الوجود فإنها فكرة تكاد أن تنطبق وتكون محورًا للقول بسقوط التكاليف وبالعصمة أيضًا، لأنه يكون معصومًا ويكون ساقط التكاليف، إذا صار الإله قد حلّ في المخلوق في هذا الإنسان واتحدّ به حينذاك رجعنا إلى المعنى الأول: تحصيل الخصائص الإلهية، والوظائف الإلهية والربّانية في هذا الكون، حينذاك يكون لا معنى لأمره ونهيه.
إذا جئنا إلى معنى وحدة الشهود، وحدة الشهود هو أدنى من ذلك ولا يلزم منه ترك التكاليف، لان معنى وحدة الشهود أن يستغرق في التأمل الربّاني والإلهي حتى يصبح كأنه يرى الله عزّ وجل في المخلوقات صانعًا فاعلًا مبدعًا خالقًا. فهو يرى الله سبحانه وتعالى في المخلوقات لا بذاته وإنما بصنعه: أن تعبد الله كأنك تراه، فهو يرى حتى المخلوقات بعبادة الفكر والتدبر فكأنه يرى الله عز وجل.
هذه الحالة لا ينغي أن تصل إلى درجة إسقاط التكاليف، لكن الصوفي قد يستغرق في ذلك حتى يحصل له محوٌ وسُكرٌ وفناءٌ واضمحلالٌ، حتى لا يعد يعي ما حوله، وحينذاك تسقط عنه التكاليف تلقائيًا، لأنه لن يكون في حال يستطيع به القيام بالعبادات وبالطاعات وبالأوامر والنواهي لأنه فاقد عقله، أعطاه عقلًا وحالًا، فبسبب حاله سُلب عقله، ولما سُلب عقله سقط عنه ما فرط. وشيخ الإسلام في هذا يقول: "إن كان زوال عقله بسبب مباح كان معذورًا، وإن كان تطلّبه بسبب غير مباح كان مؤاخذًا ومسؤولًا عن تركه للتكاليف ولو كان في حالة سُكر".
إذًا السُكر والجذب والمحو والاصطلام، هذه المصطلحات التي تدل على الغيبة وعدم الشهود، التي يقررها الصوفية ويمدحونها وهي ناتجة عن حالة استغراق في وحدة الشهود، هي أيضًا تُفضي إلى ترك التكاليف وإلى إسقاطها رغمًا، وهذا أمر يُؤاخذ به الصوفية لأنهم يعملون على الوصول إلى هذه الحالة، حالة السُكر التي فيها ترك التكاليف.
إذًا عندنا أمور من المصطلحات والأحوال الصوفية تُفضي إلى هذا، استحسان كل شيء، لما الصوفي يقرر أنه ينبغي أن يستحسن كل شيء ولا يستقبح كل شيء بالنظر إلى أنه من الله، كثير من الصوفية لا يميز هذا، يرجع بالاستحسان إلى أنه بالنظر إلى المخلوقات، وليس بالنظر إلى الله، يعني ما كان من عند الله كله خير، هذا لا شك فيه، وما كان من عند الإنسان ففيه خير وشر {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}.
لكن كل ذلك من عند الله سبحانه وتعالى، فالإنسان ينظر إلى أفعال الله عز وجل فلا يرى فيها إلا الخير، فيستحسنها من هذه الجهة وهذا ليس موجبًا لإسقاط التكاليف. لكن ليس كل صوفي يدرك مثل هذا الأمر فتجده يرجع بالاستحسان إلى ما يصدر من أفعال الناس، وحينذاك سيسوّي ما بين الطائع وما بين العاصي، ما بين الممتثل للشريعة وغير الممتثل للشريعة لأنه يستحسن كل شيء صدر من الناس، ولا يعلم أن الاستحسان ينبغي أن يكون فيما صدر عن الله وليس عن المخلوق، فهذا الخلط والنظر إلى أفعال المخلوقين على أنها مستحسنة تُفضي أيضًا إلى إسقاط الشريعة فإنه حينئذ يستوي عنده الذي يصلي والذي لا يصلي، الذي يؤمن والذي لا يؤمن، الذي يطيع والذي لا يطيع، كل هذه، معنى العصمة عندهم، تفسير العصمة، العصمة عندهم تُقَرّر على أنها قضية صوفية بمعنى أن الصوفي يصل إلى درجة العصمة وقد يقولون ذلك صراحة بل ابن عربي ذكر أن من شرط الولي أن يكون معصومًا، وإن كان الأوائل كالقشيري والطوسي الكلاباذي وغيرهم لا يدّعون العصمة، لكن تفسيرهم لمقام الولاية أنه حفظ وأن الولي محفوظ يُفضي إلى معنى، لو حصلت معنى الحفظ عندهم يُفضي إلى العصمة، فإن الحفظ عندهم: ألا يعصي وألا يقع إلا في طاعة، وأن تكون أوقاته كله محفوظة بالطاعة، وما بين الطاعة والطاعة طاعة، وأنه يعني يمضون إلى معنى أكثر من ذلك أنه تنقبل أفعاله كلها موافقات ولا يصل إلى المخالفات، يعني لا يفعل إلا موافقات، يعني هذا معنى العصمة، بل يبالغ بعضهم فيقول أن مخالفته أيضًا تصبح موافقات، على معنى حديث أهل بدر "اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم".
يعني حتى المخالفة والمعصية التي يأتيها تصبح موافقة بسبب مقامه، وهي عبادة وطاعة، لو ذهبنا نتتبع ما أقروه من مصطلحات ومعاني لوجدناها تمحو بالصوفي قسرًا إلى أن يقول: لا موجب للطاعة ولا موجب للأمر والنهي وأن يلتزم به الصوفي.
فكل هذه المصطلحات إما تقوده مباشرة، مصطلحات وحدة الوجود، الشهود، الفناء، البقاء، الولاية، كل هذه المصطلحات تقوده إلى هذه النتيجة، نتيجة أنه لا يؤمن بوجوب التزام الشريعة، بل يرى أنه قد ترقّى عن ذلك ووصل إلى درجة اليقين الذي به، بهذا اليقين لا يُساءل عن التزامه بالشريعة، فإنه صار، وهنا يتفق هذا الفكر مع الفكر الفلسفي، الفلاسفة يؤمنون بالشريعة والقانون ضابطًا لأحوال العامة، لكنهم يقولون إذا صار فيلسوفًا فإنه أدرك المعنى الذي وراء القانون وهو ضبط الناس، والفيلسوف حكيم منضبط بنفسه، فلا يحتاج لمثل هذه القوانين، ولذلك صاغوه بالنبي وربما فضلوه على النبي، فالنبي تلقى الحكمة وهو ضابط منضبط بالحكمة وبالشريعة من غير أن يلتزم الشريعة، هكذا يقولون، وكذلك الفيلسوف تلقى الحكمة من لدن ذاته، النبي تلقى الحكمة من لدن الوحي لكن هذا من لدن ذاته، هو عرف الحكمة كما عرفها النبي فلذلك لا يحتاج إلى قانون كي ينضبط، كما كان ابن سينا يشرب الخمر ويقول: هذه لا تضرني، إما تضر العامة لأن العاميّ ليس عنده قانون ولا يدرك الحكمة، فأباح لنفسه الخمر أن يشربه على أنه حكيم.
فهذا الفكر الموجود عند الفلاسفة موجود عند الصوفية في مسألة الشريعة، أو على الأقل المصطلحات الصوفية تُفضي إلى هذا، ولذلك كان ينبغي على مثل القشيري ألا يجزع ولا يتألم من انحراف السبيل في زمانه وخروج أناس تلاعبوا بالتصوف واتخذوه طريقة للتحلل من الشريعة، فإن المصطلحات الصوفية تُغري بهذا وبعضها تؤكد هذا وتوطّده حتى تنتج هذه النتيجة يقينًا، فبعضها من طريق صريح واضح مباشر، وبعضها توصل إلى ذلك بطريق غير مباشر، ولذلك لا تعجب أن يخرج من النظام الصوفي أناس طوائف وفئات لا تلتزم الشريعة وتخرج إلى حالة من الزندقة.
فهذا الفكر هو الذي قرر لهم ذلك وإذا رجعنا إلى الأصول أدركنا حقيقة الأمر أن هذا الفكر فكر غير إسلامي ولذلك لا يحرص أبدًا على التزام الشريعة والقيام بالإسلام فإنه فكر وثني قديم له أصوله وقواعده التي يُؤمن بها، ولذلك لا عجب ألا يكون ملتزمًا بالشريعة.
وصلَّ الله على نبينا محمد.

«وهذا أجمع عليه المسلمون، وهو مقتضى النصوص: أن كل عاقل عالم لا تسقط عنه التكاليف؛ لقول الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99]، وإذا مات سقط عنه التكاليف، ولا تسقط التكاليف إلا بأحد أمرين: إما رفع العقل،(صغيراً لم يبلغ أو مجنوناً أو مغمى عليه)، فهذا تسقط عنه التكاليف، والثاني: الموت إذا مات، . أما ما دام العقل ثابتاً والحياة موجودة، فإنه يُكلف ولا تسقط عنه التكاليف، قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ونعتقد: أن العبودية لا تسقط عن العبد ما عقل وعلم ما له وما عليه، فيبقى على أحكام القوة والاستطاعة، إذ لم يُسْقط الله ذلك عن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ]. والأنبياء هم خير الناس، ومع ذلك هم أعظم الناس عبودية لله، وهم الذين وفّوا مقام العبودية حقها عليهم الصلاة والسلام، وأشرف مقامات نبينا صلى الله عليه وسلم العبودية خاصة والرسالة، ولهذا وفى الله بالعبودية. [ ومن زعم أنه قد خرج من رق العبودية إلى فضاء الحرية بإسقاط العبودية ]. يعني: سقطت عنه التكاليف، فليس عليه تكاليف ولا هو برقيق لله، إذاً: رقيق للشيطان، خرج من رق العبودية لله فيكون عبداً للشيطان، ولابد. شرح الحموية لابن تيمية للشيخ : عبدالعزيز الراجحي.

(إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر : هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ... وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ، ولا يقرون عليها ، ولا يقولون إنها لا تقع بحال ، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً ، وأعظمهم قولاً لذلك : الرافضة ، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل.) مجموع فتاوى/شيخ الإسلام بن تيمية. ( 4 / 320 ) ( 4 / 319).

سئل شيخ الإسلام عمن ادعى العصمة في العبيديين فقال: أما القول بأنهم كانوا معصومين من الذنوب والخطأ، كما يدعيه الرافضة في الاثني عشرة، فهذا القول شر من قول الرافضة بكثير، فإن الرافضة ادعت ذلك فيمن لا شك في إيمانه وتقواه، بل فيمن لا يشك أنه من أهل الجنة: كعلي، والحسن، والحسين رضي الله عنهم. ومع هذا فقد اتفق أهل العلم والإيمان على أن هذا القول من أفسد الأقوال، وأنه من أقوال أهل الإفك والبهتان، فإن العصمة في ذلك ليست لغير الأنبياء عليهم السلام. بل كل من سوى الأنبياء يؤخذ من قوله ويترك ، ولا تجب طاعة من سوى الأنبياء والرسل في كل ما يقول ، ولا يجب على الخلق اتباعه والإيمان به في كل ما يأمر به ويخبر به ، ولا تكون مخالفته في ذلك كفرا، بخلاف الأنبياء، بل إذا خالفه غيره من نظرائه وجب على المجتهد النظر في قوليهما، وأيهما كان أشبه بالكتاب والسنة تابعه، كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً }. فأمر عند التنازع بالرد إلى الله وإلى الرسول ، إذ المعصوم لا يقول إلا حقاً . ومن علم أنه قال الحق في موارد النزاع وجب اتباعه، كما لو ذكر آية من كتاب الله تعالى، أو حديثاً ثابتاً عن رسول الله يقصد به قطع النزاع. أما وجوب اتباع القائل في كل ما يقوله من غير ذكر دليل يدل على صحة ما يقول، فليس بصحيح، بل هذه المرتبة هي مرتبة الرسول ، التي لا تصلح إلا له. مجموع فتاوى ابن تيمية ٩/٢١٦

لا يوجد مناقشات

#اقتباس: ٣٦٧-٣٩٨
ف٦/ موقف الإنسان الكامل من الشريعة في الفكر الصوفي

للإنسان الكامل العصمة وفكرتها تولدت من: الولاية والبقاء بعد الفناء، أي بقاء الإنسان الكامل بكل الصفات الإلهية؛ لذلك له تقرير الربوبية، وإرتفاع أحكام الشرع في حقه فلا طاعة ولا تكليف عليه.
وسقوط التكاليف ناتج عن الفناء وإسقاط التفرقة بين المحب والمحبوب.
من أجل ذلك وقعت نصوص الصوفية في تناقض بين التمسك بالشرع وبين أفكار الصوفية في التحلل منه.
  • رغد محمد الفراج
    رغد محمد الفراج

    أشكل علي التفريق بين العصمة بالمفهوم الصوفي، والعدالة والحفظ بالمفهوم السني، فما الفرق بينهما؟

    0