الإنسان الكامل في الفكر الصوفي - عرض ونقد -

الأوراد/ الورد الخامس عشر (٤٧٢ - ٥٠١)

هذا ملخص يتضمن أهم النقاط الرئيسية والأفكار المهمة؛ لذا هو لا يغني عن الكتاب، صممناه لكم بشكل مريح يساعد على ترتيب المعلومة وفهمها

  • بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد، فهذا هو التعليق الأخير على الكتاب ويدور حول قضية انتقال الفكرة الصوفية، فكرة الإنسان الكامل من ضمن ذلك إلى الثقافة الإسلامية من الثقافات القديمة، طرق الانتقال، حيث إنه ثبت وجود الفكرة القديمة عند المتصوفة المسلمين، وجودها بتفاصيلها الدقيقة والأصول ولا شك أن الصوفية المسلمين زادوا على ذلك بأن مزجوها بالدين وبالنصوص الشرعية القرآنية والأحاديث ووضعوا في ذلك أحاديث ونصوص وآثار لم يخلوا كتب الصوفية من هذه الآثار الموضوعة، فسّروا النصوص وفق النظرة الصوفية القديمة بمعنى أنهم سلكوا مسلك التأويل الباطني وخرجوا بمعاني الشريعة عمّا وضعت له. وكلامنا الآن في قضية الانتقال، مسألة الانتقال، انتقال الأفكار القديمة قبل الإسلام إلى المسلمين ثم بعد ذلك امتزاجها مع النصوص الشرعية أمر لا يكاد يخطئه باحث منصف، فإن الاحتكاك الذي حصل بين المسلمين بسبب الفتوحات أمر معلوم مشهور، ثم إن هناك فئام من الناس كانت لهم قضية كبرى وهي إدخال هذه الثقافات القديمة على المسلمين، يعني إنهم كانت لهم أهداف وبرامج في هذا الصدد، نعلم ان هناك أناس ادخلوا هذه الثقافة بقصد حسن، حيث إنهم رأوا عدم المخالفة أو اشتبه عليهم أو ما فطنوا إلى صنيعهم في إدخال ثقافات قديمة بسبب أنهم هم أنفسهم مزج من ثقافات، الشخصية الواحدة تكون عندها الثقافة القديمة والثقافة الحديثة بسبب البيئة التي نشأوا فيها والفكر الذي أتى من المسلمين عليه فامتزج الأمران فيه ثم بدأ يُنتج من ثقافة خليطة بين ملّتين ودينين، هذا هو الواقع. لكن هذا ليس حديثنا في هذا الصنف من الناس الذي نقل الثقافة الصوفية إلى المسلمين بما في ذلك الإنسان الكامل، الولي، القطب، الغوث، الحقيقة المحمدية، النور المحمدي، والعقل وغير ذلك من المصطلحات التي تدور حول معنى واحد نقلها بحسن الظن أو بغفلة، لكن هناك برامج كانت واضحة للملتمس البحث التاريخي بدقة كانت واضحة له أن هناك برامج معدّة سلفًا ويقوم عليها أناس من أجل إدخال الثقافة القديمة بشكل منظم إلى الإسلام خصوصًا الثقافة الفلسفية الصوفية، ولدينا ثلاث قنوات ها هنا قامت بهذه المهمة: إخوان الصفا، الذين عملوا في الترجمة، وفرق الشيعة الغلاة. أما إخوان الصفا فهذه جماعة لا يتجاوز عددهم عشرة أفراد، خمسة منهم مثل أبو سليمان بن معشر البستي، مثل الزنجاني، بعضهم قال مسلمة المجريطي، وغيرهم كانت لهم جهود، بل هم وضعوا هذه الرسائل رسائل إخوان الصفا وخلّان الوفاء، ما هي قضية هذه الرسائل التي وُضعت في القرن الرابع؟ يدل على ذلك أن أبو حيّان التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) ذكر هذه القصة، قصة إخوان الصفا ووضعِهم لهذا الكتاب وذكر أنه ناقشه وهو كان في القرن الرابع، توفي 380، إذًا هم كانوا في هذا القرن، إذا لم يكونوا قبله ففي الغالب هم في هذا القرن، القرن الرابع، ووضعوا هذه الرسائل والرسائل موجودة ومطبوعة إلى هذا اليوم، فلسفية محضة، كل الأفكار الفلسفية التي عُرف بها الفلاسفة من مسألة الفيض، مسألة معاد الأرواح، مثل مسألة الحلول والاتحاد والإنسان الكامل، العقل وكيفية وجود الخلق والقضية التي اضطلع بها الفلاسفة المسلمون لاحقًا وهي المزج ما بين الفلسفة والدين، وأن الأنبياء والحكماء هم صنفان لقضية واحدة، إن كان الأنبياء تلقوا العلم الحقيقي من طريق وحي فالحكماء -أي الفلاسفة- تلقوا العلم من طريق النفس وانكشافها من الداخل، وحاصل الأمر كما في قصة حيّ بن يقظان أن ما يتلقاه الفيلسوف هو ما يتلقاه النبي، لكن هذا من طريق الوحي وهذا من طريق العقل أو طريق انكشاف النفسي. وهذا ما يؤمن به هؤلاء الفلاسفة إما إيمانًا عميقًا أو هو ضمن الهدف والبرنامج في تحوير الملّة المحمدية، وإلا الفرق بين الطريقتين وبين الملتين فرق كبير كبير، هذا لا يرى خلقًا، يرى فيضًا، وهذا لا يرى معادًا جسمانيًا بل يراه روحانيًا وهذا له طريق خاص في السلوك والخلاص وله فكرة حول إنسان كامل، هذه أشياء ليست أساسية، هي أساسية ليست موجودة في الإسلام أصلًا لكنها موجودة عند الفلاسفة. فرسائل إخوان الصفا عملت على بيان أنه لا فرق بين ما يدعو إليه الحكيم وما يدعو إليه النبي، أي لا فرق بين نصوص الفلاسفة ونصوص القرآن الكريم، وهكذا قرروا وطبقوا في هذه الرسائل وهو الأمر الذي تميزوا به وتميز به ابن سينا. وأيضًا أراد ابن رشد أن يُقعّد له في كتابه: (فصل المقال ما بين الشريعة والحكمة من اتصال) وكان حقيقة ابن رشد أخطبهم لقرب لغته ولأنه أصلًا هو فقيه وقد كتب كتابًا عظيمًا في الفقه لا نظير له (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) فيه مقارنة بين المذاهب الأربعة وبيان عِلل أقوالها وأدلتها ونحو ذلك. فهو فقيه وابن فقيه، لكنه فيلسوف فأراد تقريب الفلسفة وتشريعه وبيان أنه لا يخالف الشريعة، وآمن بما قال به كثير من الناس وكثير من الباحثين وهو سائر على طريقة هؤلاء الفلاسفة أصحاب رسائل إخوان الصفا، فهذه الرسائل إذا نقلتْ الفلسفة ونقلتْ الفكر الصوفي فهي أيضًا ضمنًا قد نقلت فكرة الإنسان الكامل، ففكرة العشق وفكرة الحلول والاتحاد ظاهرة وموجودة في هذه الرسائل. الطريقة الثانية وهو الطريق الثاني لانتقال الفكرة وهي أسبق من رسائل إخوان الصفا: الترجمة، أول من بدأ بالترجمة في تاريخ الإسلام هو خالد بن يزيد بن معاوية، وهذا في القرن الأول، في السبعينات الهجرية، أتى بكتب الهند وتُرجمت له، ربما لم يكن هناك أثر ظاهر في هذه الترجمة على المسلمين وخصوصًا الدولة الأموية لم يكن في زمانها فلسفة وفلاسفة وإن بدأت الفرق تظهر في أيام الدولية الأموية، لكن الترجمة التي كانت لها أثر كبير واطلع بسببها المسلمون على كتب الفلاسفة، ترجمة المأمون، أمره عندما أمر، وهو كان قد تولّى الخلافة في الدولة العباسية في نهاية القرن بداية الثالث، توفي 218، أمر بترجمة كتب الفلاسفة فتُرجمت وشاعت بين المسلمين، وإذا تُرجمت كتب الفلاسفة فكل الأفكار التي درسناها في هذا الكتاب عن الإنسان الكامل وما يحتفّ بفكرة الإنسان الكامل من أفكار أخرى أصلية هي موجودة عند الفلاسفة. إذاً هي موجودة في كتب المترجمة، في الكتب المترجمة التي تُرجمت ومن ثَمَّ اطلع عليها معتزلة ومن بعد صوفية، الصوفية أيضًا من ليس من قبيل المصادفة أن يكون ظهورها في زمن المأمون، في زمن المأمون إذًا كأنما تقعّدت فرقتان وتأصلت في الأمة: فرقة الفلاسفة وفرقة الصوفية. فالصوفية كان لهم الظهور الاسمي والكياني في نهاية القرن الثاني وبداية الثالث أي في عهد المأمون، ثم أيضًا الفلسفة قُعّدت وأصّلت في هذا الزمان، وهو كما قلنا وجهان لعملة واحدة وهو إحياء الأديان والثقافات الشرقية الفلسفية القديمة الصوفية. إذًا صار لهؤلاء ظهور في هذا الوقت وفي هذا الزمن الذي هو نهاية القرن الثاني. الطريق الثالث الذي به انتقلت الفكرة الصوفية برمتها بما تحمل من أفكار، خصوصًا مسألة الإنسان الكامل، الولي، الشيخ، القطب، الإمام، الحقيقة المحمدية، هذه وُجدت أول ما وُجدت عند الفرق المتقدمة، فرقة الشيعة خصوصًا، هؤلاء الذين قالوا بالحلول والاتحاد في علي خصوصًا، وبدأ ذلك السبأية، عبد الله بن السبأ واتباعه كانوا يقولون لعلي: "أنت أنت" أي أنت الله وعلي استمع إلى قولهم وحرّقهم ونفى عبد الله بن سبأ إلى المدائن، ثم أتى من بعده الكيسانيّة، الكيسانية اتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكيسان كان مولاه وخادمه، فهؤلاء أيضًا كانت عندهم هذه العقيدة، أن الله حلَّ في علي، ثم البيانية والرزماية والُمغيرية والخطّابية والأسدية، حتى الإسماعيلية، كل هؤلاء كان عندهم هذا الاعتقاد أن الإله حلّ في علي وفي أئمة آل البيت وكانوا أيضًا أئمة هؤلاء الفرق كانوا يرجعون بالحلول إلى أنفسهم فيزعمون أن الإله بعدما حلّ في علي وفي الأئمة حلّ فيه. وفكرة الإنسان الكامل تدور حول هذه القضية، أنه ارتقى وصارت له هذه الرتبة العالية بسبب الحلول والاتحاد، والفكرة هذه موجودة في فترة متقدمة منذ القرن الأول، منذ الأربعينات من الهجرة النبوية في عهد علي رضي الله عنه، الفكرة موجودة إذًا من القرن الأول من قُبيل منتصفه إلى آخره والصوفية لم توجد في هذه الفكرة ولا الفلاسفة، حتى بعد بداية القرن الثاني حتى المنتصف منه وفرق الشيعة الغالية تعجّ بأفكارها وأفرادها وهذه الفكرة التي حيال الإنسان الكامل موجودة عندهم، ثم ظهر التصوف بعد ذلك. والإنسان الكامل فكرة معتناة عند الشيعة ولهم في ذلك مؤلفات بهذا العنوان (الإنسان الكامل) ويكفي أن ننظر ما لهم من أوصاف ووضعوه من خصائص ومزايا وأسماء وأوصاف لأئمتهم ومشايخهم وأوليائهم وآياتهم، ندرك تمامًا أن ما عند الصوفية من غلو، ما عند الصوفية من خصائص أسبغوها على مشايخهم وأوليائهم سموهم أقطاب، أغواث، حقيقة محمدية ونور محمدي وغير ذلك، وإنسان كامل، نجد عند ذلك سواءً بسواء عند أئمة الشيعة، فالشيعة أيضًا ينظرون إلى آياتهم وأوليائهم وأئمتهم مشايخهم بمثل ما ينظر الصوفية إلى مشايخهم وأوليائهم سواءً بسواء بلا فرق. فها هنا نجد أن الفكر الصوفي نال هذه الأفكار واقتبسها وسارت إليه أيضًا من قناة غلاة الشيعة. هكذا نكون قد انتهينا من عرض هذا الكتاب وأوصي في آخر الأمر بقراءة المقال الأخير الذي ختمت به هذا الكتاب وهو بعنوان: (قبل الختام، طرق التوظيف الصوفي للنصّ الشرعي) وهو في صفحة 491، فإنه مقال مفيد يبيّن كيفية استغلال الفكر الصوفي للنصوص الشرعية بالرغم التباعد الكبير من الفكرتين: الإسلامية والصوفية، أو العقيدتين: الإسلامية والصوفية، وهذا الصنيع يذكّرنا بصنيع اليهود وبولس في محاولة الخروج بالدين النصراني المسيحي الذي كان دينًا توحيديًا جاء به عيسى {اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} هذا دين التوحيد انقلب إلى تثليث وبعد أن كان فيه تحريم الخمر والخنزير صارت الخنزير والخمر مباح أُدخلت بدع كثيرة بسبب بولس الذي كان ألدّ أعداء المسيح، ولم يؤمن به ولم يتْبَعه حتى مات المسح ثم فجأة انقلب مؤمنًا به وادعى أنه لقيه وأنه آمن على يديه ثم بدأ يُمارس تغليلًا وتحريفًا في الدين المسيحي النصراني فخرج به إلى الشرك والوثنية، وهكذا أراد اليهود أن يفعلوا مع الدين الإسلامي، ولم ينجحوا مثل ما نجحوا مع الدين النصراني لأن الدين النصراني أُوكل حفظه إلى الرحبان والرهبان، بينما الدين الإسلامي توكّل الله سبحانه وتعالى بحفظه، كمال قال تعالى {إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} أما في التوراة والإنجيل فقال سبحانه وتعالى {إنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استُحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} فوَكَل حفظ الكتاب إليهم فما حفظوه ولذلك حُرّف دينهم فلم يبقى الدين الصحيح منه، أما الإسلام فإن الله عز وجل هو الذي تكفّل بحفظه ومن ثَمَّ فهو باقِ إلى يوم القيامة، لا يمكن لأحد أن يحرفه ويخرجه عن حقيقته كما نزل، بل سيبقى إلى قيام الساعة وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى. والحمد لله ربّ العالمين.
    تعليق على الورد الخامس عشر

    بصوت الكاتب

    2
    4
    00:00
    تحميل
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فهذا هو التعليق الأخير على الكتاب ويدور حول قضية انتقال الفكرة الصوفية، فكرة الإنسان الكامل من ضمن ذلك إلى الثقافة الإسلامية من الثقافات القديمة، طرق الانتقال، حيث إنه ثبت وجود الفكرة القديمة عند المتصوفة المسلمين، وجودها بتفاصيلها الدقيقة والأصول ولا شك أن الصوفية المسلمين زادوا على ذلك بأن مزجوها بالدين وبالنصوص الشرعية القرآنية والأحاديث ووضعوا في ذلك أحاديث ونصوص وآثار لم يخلوا كتب الصوفية من هذه الآثار الموضوعة، فسّروا النصوص وفق النظرة الصوفية القديمة بمعنى أنهم سلكوا مسلك التأويل الباطني وخرجوا بمعاني الشريعة عمّا وضعت له.
وكلامنا الآن في قضية الانتقال، مسألة الانتقال، انتقال الأفكار القديمة قبل الإسلام إلى المسلمين ثم بعد ذلك امتزاجها مع النصوص الشرعية أمر لا يكاد يخطئه باحث منصف، فإن الاحتكاك الذي حصل بين المسلمين بسبب الفتوحات أمر معلوم مشهور، ثم إن هناك فئام من الناس كانت لهم قضية كبرى وهي إدخال هذه الثقافات القديمة على المسلمين، يعني إنهم كانت لهم أهداف وبرامج في هذا الصدد، نعلم ان هناك أناس ادخلوا هذه الثقافة بقصد حسن، حيث إنهم رأوا عدم المخالفة أو اشتبه عليهم أو ما فطنوا إلى صنيعهم في إدخال ثقافات قديمة بسبب أنهم هم أنفسهم مزج من ثقافات، الشخصية الواحدة تكون عندها الثقافة القديمة والثقافة الحديثة بسبب البيئة التي نشأوا فيها والفكر الذي أتى من المسلمين عليه فامتزج الأمران فيه ثم بدأ يُنتج من ثقافة خليطة بين ملّتين ودينين، هذا هو الواقع.
لكن هذا ليس حديثنا في هذا الصنف من الناس الذي نقل الثقافة الصوفية إلى المسلمين بما في ذلك الإنسان الكامل، الولي، القطب، الغوث، الحقيقة المحمدية، النور المحمدي، والعقل وغير ذلك من المصطلحات التي تدور حول معنى واحد نقلها بحسن الظن أو بغفلة، لكن هناك برامج كانت واضحة للملتمس البحث التاريخي بدقة كانت واضحة له أن هناك برامج معدّة سلفًا ويقوم عليها أناس من أجل إدخال الثقافة القديمة بشكل منظم إلى الإسلام خصوصًا الثقافة الفلسفية الصوفية، ولدينا ثلاث قنوات ها هنا قامت بهذه المهمة:
إخوان الصفا، الذين عملوا في الترجمة، وفرق الشيعة الغلاة.
أما إخوان الصفا فهذه جماعة لا يتجاوز عددهم عشرة أفراد، خمسة منهم مثل أبو سليمان بن معشر البستي، مثل الزنجاني، بعضهم قال مسلمة المجريطي، وغيرهم كانت لهم جهود، بل هم وضعوا هذه الرسائل رسائل إخوان الصفا وخلّان الوفاء، ما هي قضية هذه الرسائل التي وُضعت في القرن الرابع؟
يدل على ذلك أن أبو حيّان التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) ذكر هذه القصة، قصة إخوان الصفا ووضعِهم لهذا الكتاب وذكر أنه ناقشه وهو كان في القرن الرابع، توفي 380، إذًا هم كانوا في هذا القرن، إذا لم يكونوا قبله ففي الغالب هم في هذا القرن، القرن الرابع، ووضعوا هذه الرسائل والرسائل موجودة ومطبوعة إلى هذا اليوم، فلسفية محضة، كل الأفكار الفلسفية التي عُرف بها الفلاسفة من مسألة الفيض، مسألة معاد الأرواح، مثل مسألة الحلول والاتحاد والإنسان الكامل، العقل وكيفية وجود الخلق والقضية التي اضطلع بها الفلاسفة المسلمون لاحقًا وهي المزج ما بين الفلسفة والدين، وأن الأنبياء والحكماء هم صنفان لقضية واحدة، إن كان الأنبياء تلقوا العلم الحقيقي من طريق وحي فالحكماء -أي الفلاسفة- تلقوا العلم من طريق النفس وانكشافها من الداخل، وحاصل الأمر كما في قصة حيّ بن يقظان أن ما يتلقاه الفيلسوف هو ما يتلقاه النبي، لكن هذا من طريق الوحي وهذا من طريق العقل أو طريق انكشاف النفسي.
وهذا ما يؤمن به هؤلاء الفلاسفة إما إيمانًا عميقًا أو هو ضمن الهدف والبرنامج في تحوير الملّة المحمدية، وإلا الفرق بين الطريقتين وبين الملتين فرق كبير كبير، هذا لا يرى خلقًا، يرى فيضًا، وهذا لا يرى معادًا جسمانيًا بل يراه روحانيًا وهذا له طريق خاص في السلوك والخلاص وله فكرة حول إنسان كامل، هذه أشياء ليست أساسية، هي أساسية ليست موجودة في الإسلام أصلًا لكنها موجودة عند الفلاسفة.
فرسائل إخوان الصفا عملت على بيان أنه لا فرق بين ما يدعو إليه الحكيم وما يدعو إليه النبي، أي لا فرق بين نصوص الفلاسفة ونصوص القرآن الكريم، وهكذا قرروا وطبقوا في هذه الرسائل وهو الأمر الذي تميزوا به وتميز به ابن سينا.
وأيضًا أراد ابن رشد أن يُقعّد له في كتابه: (فصل المقال ما بين الشريعة والحكمة من اتصال) وكان حقيقة ابن رشد أخطبهم لقرب لغته ولأنه أصلًا هو فقيه وقد كتب كتابًا عظيمًا في الفقه لا نظير له (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) فيه مقارنة بين المذاهب الأربعة وبيان عِلل أقوالها وأدلتها ونحو ذلك. فهو فقيه وابن فقيه، لكنه فيلسوف فأراد تقريب الفلسفة وتشريعه وبيان أنه لا يخالف الشريعة، وآمن بما قال به كثير من الناس وكثير من الباحثين وهو سائر على طريقة هؤلاء الفلاسفة أصحاب رسائل إخوان الصفا، فهذه الرسائل إذا نقلتْ الفلسفة ونقلتْ الفكر الصوفي فهي أيضًا ضمنًا قد نقلت فكرة الإنسان الكامل، ففكرة العشق وفكرة الحلول والاتحاد ظاهرة وموجودة في هذه الرسائل.
الطريقة الثانية وهو الطريق الثاني لانتقال الفكرة وهي أسبق من رسائل إخوان الصفا: الترجمة، أول من بدأ بالترجمة في تاريخ الإسلام هو خالد بن يزيد بن معاوية، وهذا في القرن الأول، في السبعينات الهجرية، أتى بكتب الهند وتُرجمت له، ربما لم يكن هناك أثر ظاهر في هذه الترجمة على المسلمين وخصوصًا الدولة الأموية لم يكن في زمانها فلسفة وفلاسفة وإن بدأت الفرق تظهر في أيام الدولية الأموية، لكن الترجمة التي كانت لها أثر كبير واطلع بسببها المسلمون على كتب الفلاسفة، ترجمة المأمون، أمره عندما أمر، وهو كان قد تولّى الخلافة في الدولة العباسية في نهاية القرن بداية الثالث، توفي 218، أمر بترجمة كتب الفلاسفة فتُرجمت وشاعت بين المسلمين، وإذا تُرجمت كتب الفلاسفة فكل الأفكار التي درسناها في هذا الكتاب عن الإنسان الكامل وما يحتفّ بفكرة الإنسان الكامل من أفكار أخرى أصلية هي موجودة عند الفلاسفة.
إذاً هي موجودة في كتب المترجمة، في الكتب المترجمة التي تُرجمت ومن ثَمَّ اطلع عليها معتزلة ومن بعد صوفية، الصوفية أيضًا من ليس من قبيل المصادفة أن يكون ظهورها في زمن المأمون، في زمن المأمون إذًا كأنما تقعّدت فرقتان وتأصلت في الأمة: فرقة الفلاسفة وفرقة الصوفية.
فالصوفية كان لهم الظهور الاسمي والكياني في نهاية القرن الثاني وبداية الثالث أي في عهد المأمون، ثم أيضًا الفلسفة قُعّدت وأصّلت في هذا الزمان، وهو كما قلنا وجهان لعملة واحدة وهو إحياء الأديان والثقافات الشرقية الفلسفية القديمة الصوفية. إذًا صار لهؤلاء ظهور في هذا الوقت وفي هذا الزمن الذي هو نهاية القرن الثاني.
الطريق الثالث الذي به انتقلت الفكرة الصوفية برمتها بما تحمل من أفكار، خصوصًا مسألة الإنسان الكامل، الولي، الشيخ، القطب، الإمام، الحقيقة المحمدية، هذه وُجدت أول ما وُجدت عند الفرق المتقدمة، فرقة الشيعة خصوصًا، هؤلاء الذين قالوا بالحلول والاتحاد في علي خصوصًا، وبدأ ذلك السبأية، عبد الله بن السبأ واتباعه كانوا يقولون لعلي: "أنت أنت" أي أنت الله وعلي استمع إلى قولهم وحرّقهم ونفى عبد الله بن سبأ إلى المدائن، ثم أتى من بعده الكيسانيّة، الكيسانية اتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكيسان كان مولاه وخادمه، فهؤلاء أيضًا كانت عندهم هذه العقيدة، أن الله حلَّ في علي، ثم البيانية والرزماية والُمغيرية والخطّابية والأسدية، حتى الإسماعيلية، كل هؤلاء كان عندهم هذا الاعتقاد أن الإله حلّ في علي وفي أئمة آل البيت وكانوا أيضًا أئمة هؤلاء الفرق كانوا يرجعون بالحلول إلى أنفسهم فيزعمون أن الإله بعدما حلّ في علي وفي الأئمة حلّ فيه.
وفكرة الإنسان الكامل تدور حول هذه القضية، أنه ارتقى وصارت له هذه الرتبة العالية بسبب الحلول والاتحاد، والفكرة هذه موجودة في فترة متقدمة منذ القرن الأول، منذ الأربعينات من الهجرة النبوية في عهد علي رضي الله عنه، الفكرة موجودة إذًا من القرن الأول من قُبيل منتصفه إلى آخره والصوفية لم توجد في هذه الفكرة ولا الفلاسفة، حتى بعد بداية القرن الثاني حتى المنتصف منه وفرق الشيعة الغالية تعجّ بأفكارها وأفرادها وهذه الفكرة التي حيال الإنسان الكامل موجودة عندهم، ثم ظهر التصوف بعد ذلك.
والإنسان الكامل فكرة معتناة عند الشيعة ولهم في ذلك مؤلفات بهذا العنوان (الإنسان الكامل) ويكفي أن ننظر ما لهم من أوصاف ووضعوه من خصائص ومزايا وأسماء وأوصاف لأئمتهم ومشايخهم وأوليائهم وآياتهم، ندرك تمامًا أن ما عند الصوفية من غلو، ما عند الصوفية من خصائص أسبغوها على مشايخهم وأوليائهم سموهم أقطاب، أغواث، حقيقة محمدية ونور محمدي وغير ذلك، وإنسان كامل، نجد عند ذلك سواءً بسواء عند أئمة الشيعة، فالشيعة أيضًا ينظرون إلى آياتهم وأوليائهم وأئمتهم مشايخهم بمثل ما ينظر الصوفية إلى مشايخهم وأوليائهم سواءً بسواء بلا فرق.
فها هنا نجد أن الفكر الصوفي نال هذه الأفكار واقتبسها وسارت إليه أيضًا من قناة غلاة الشيعة.
هكذا نكون قد انتهينا من عرض هذا الكتاب وأوصي في آخر الأمر بقراءة المقال الأخير الذي ختمت به هذا الكتاب وهو بعنوان: (قبل الختام، طرق التوظيف الصوفي للنصّ الشرعي) وهو في صفحة 491، فإنه مقال مفيد يبيّن كيفية استغلال الفكر الصوفي للنصوص الشرعية بالرغم التباعد الكبير من الفكرتين: الإسلامية والصوفية، أو العقيدتين: الإسلامية والصوفية، وهذا الصنيع يذكّرنا بصنيع اليهود وبولس في محاولة الخروج بالدين النصراني المسيحي الذي كان دينًا توحيديًا جاء به عيسى {اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}
هذا دين التوحيد انقلب إلى تثليث وبعد أن كان فيه تحريم الخمر والخنزير صارت الخنزير والخمر مباح أُدخلت بدع كثيرة بسبب بولس الذي كان ألدّ أعداء المسيح، ولم يؤمن به ولم يتْبَعه حتى مات المسح ثم فجأة انقلب مؤمنًا به وادعى أنه لقيه وأنه آمن على يديه ثم بدأ يُمارس تغليلًا وتحريفًا في الدين المسيحي النصراني فخرج به إلى الشرك والوثنية، وهكذا أراد اليهود أن يفعلوا مع الدين الإسلامي، ولم ينجحوا مثل ما نجحوا مع الدين النصراني لأن الدين النصراني أُوكل حفظه إلى الرحبان والرهبان، بينما الدين الإسلامي توكّل الله سبحانه وتعالى بحفظه، كمال قال تعالى {إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
أما في التوراة والإنجيل فقال سبحانه وتعالى {إنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استُحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} فوَكَل حفظ الكتاب إليهم فما حفظوه ولذلك حُرّف دينهم فلم يبقى الدين الصحيح منه، أما الإسلام فإن الله عز وجل هو الذي تكفّل بحفظه ومن ثَمَّ فهو باقِ إلى يوم القيامة، لا يمكن لأحد أن يحرفه ويخرجه عن حقيقته كما نزل، بل سيبقى إلى قيام الساعة وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى.
والحمد لله ربّ العالمين.

لقبوا بهذا الإسم نسبة إلى رجل من دعاتهم«حمدان بن قرمط» إجمال مذهبهم: ظاهره الرفض وباطنه الكفر،وحصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم ، وهو يطلع من جهة الله تعالى على جميع أسرار الشرائع، ولا بد في كل زمان من إمام معصوم يرجع إليه. وغاية مذهبهم نقض الشرائع. ويقولون بوجود إلاهين اثنين(السابق / واللاحق) كما ينكرون المعاد. باختصار القرامطة/ابن الجوزي ص/38

ويُطلق عليها : الباطنية ، وإن كان هذا إلى الوصف أقرب منه إلى الاسم ، ويشتركون مع الرافضة في هذا الوصف ، كما يشترك معهم غيرهم في هذا الوصف . وإنما وُصفوا بذلك أعني بـ " الباطنية " لأنهم يقولون : إن لكل ظاهر باطناً . ويقولون ذلك حتى في القرآن ، فله عندهم ظاهر وباطن ، فالباطن لا يفهمه سواهم ! وهذه وسيلة من وسائل أهل الضلال لهدم الإسلام . جذور الإسماعيلية : تنتسب كالرافضة إلى عبد الله بن سبأ اليهودي ، فهم يشتركون في كونهم " صنيعة يهودية " ! وذلك لأنهم كانوا يشتركون مع الرافضة حتى وفاة جعفر الصادق – رحمه الله. رؤوس هذه الفرقة وأعمدتها الذين نظروا وقعدوا لها. تعد الإسماعيلية إسماعيل بن جعفر هو أساسها ، وإليه تنتسب . من أشهر اعتقادات الإسماعيلية : * هم نفاة للأسماء والصفات . كما ينفون أن الله خلق العالَم خلقا مباشراً ، وإنما أبدع الكاف واخترع النون ( كُن ) . * كما يعتقدون أن الله لم يخلق الخلق ، وأنه لا يُدبر شؤونهم ولا يرزقهم ولا يُحييهم ولا يُميتهم ، وإنما الذي يقوم بذلك كله هو العقل الأول الذي أبدعه الله – بزعمهم – * وهم يقولون بالحلول . وبِـقِـدَم العالَم . والقول بتناسخ الأرواح . والقول بالوصية والرجعة * والنبوّة عند الإسماعيلية مكتسبة ، فباستطاعة الإنسان أن يُصبح نبيّـاً ! * كما أنهم يعتقدون أن علياً بمنزلة محمد عليه السلام. . وأنكروا أن يكون القرآن وحياً ، بل يعتقدون أنه من المعارف التي فاضت على قلب النبي محمد عليه الصلاة والسلام.. * يغلون في أئمتهم حتى يرفعونهم إلى مرتبة الألوهية ، كحال الرافضة تماماً .واعتقادهم في الصحابة كاعتقاد إخوانهم من الرافضة ! بل أشد، فقد نعتوا الصحابة بالصفات القبيحة كإبليس ! وفرعون وهامان والطاغوت وهُبل. مقال الشيخ عبدالرحمن السحيم صيد الفوائد https://goo.gl/3jpcJY

لا يوجد مناقشات

# اقتباس: ٤٧٢- ٥٠١
إن فكرة الإنسان الكامل نُقلت إلى البيئة الإسلامية بعدة طرق مع زيادات وتوسع من قبل الصوفية.
ص/475
(فالإسلام ينسب التصريف والتدبير وعلم الغيب إلى الله تعالى ويدعو إلى عبادته، وحده لاشريك له ، والتصوف ينسب كل ذلك إلى الأولياء، ويدعو إلى عبادتهم ، إن هذا الفرق الجوهري الذي لايمكن إخفاؤه ، يُطْلِع الباحث على حقيقة التصوف، وحقيقة الفرق بينه وبين الإسلام ، وأن كل ادعاء بسلامة التصوف فهو: قلبٌ للحقيقة وتلبيس لها بالباطل)
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي.
د.لطف الله خوجة.
(( مما يعجب له المرء أن المتصوفة يقولون " إن من غايات التصوف التعلق بالله تعلقًا تامًا حتى لا يكون فيه غيره ..
ثم مع ذلك يدعون إلى تعظيم الأولياء تبركًا وتوسلًا ودعاءً مما لا يصح أن يكون إلا لله تعالى
وذلك مما يبطل أن تكون غاية التصوف التعلق بالله تعالى وحده !! ))
لا يوجد استفسارات