-
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، اما بعد: فهذا هو التعليق الثالث على الفصل الثاني في موضوع مهم وهو ما جرى عليه بعض الناس من تقسيم التصوف إلى سني وبدعي أو إسلامي وفلسفي، هل يصحّ هذا التقسيم؟ وهو تقسيم آمن به حتى طائفة من السلفيين الناقدين للتصوف فضلًا عن الباحثين فضلًا عن أنه أعجب كثيرًا من المتصوفة الذين يدركون أن التصوف فكر مستقل عن الإسلام. لكن هذه الفكرة بحد ذاتها تخدم التصوف بشكل كبير فإنه يمكن حين النقد والاعتراض على قضايا التصوف وأخبارها والتي هي ظاهرة المناقضة للإسلام، أن يُقال من قبل المتصوفة المتحمسين للتصوف أن هذا ليس من التصوف المعتدل بل هو من المنحرف ونحن نجاهده فيبقى بذلك التصوف قائمًا باسم وعنوان التصوف السني المعتدل، لكن في حقيقة الأمر التصوف كما هو على فِكره القديم لم يتغير منه شيء، والدليل على ذلك أننا لا نكاد نجد تصوفًا، طريقة صوفية قائمة يمكن أن يُشار على إليها أنها تمثل منهاج النبوة على طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، فإنه حين فرز هذه الطرق واختبارها واحدة بعد الواحدة والنظر في امتثالها لقضايا السنة واتباع النبي عليه الصلاة والسلام وصدر الإسلام من السلف الصالح، نجد هناك اختلافًا يزيد وينقص حتى في الأصول، فإذا كان كذلك فهذا منبئ ومشير إلى بطلان هذا التقسيم حقيقة، التقسيم الذي جاء به من أراد إما يدفع عن التصوف أجنبيته أو أراد أن يُخلّص التصوف من أجنبيته، فجاء بمثل هذا التقسيم المنافي المجافي للعلمية والمنهجية البحثية، فإن البحث الذي يتعلق بالتصوف له مسارات: بحث في الأفكار والأصول والقضايا، وبحث في التاريخ، وبحث في الشخصيات الصوفية. ما هو تاريخ التصوف قبل الإسلام وبعد الإسلام في ظل دائرة الإسلام؟ والتصوف أيضًا من خلال الأفكار والأصول المطروحة الواردة، والتصوف من خلال التراجم والشخصيات. بمجموع هذه وفحصها والتدقيق بها نخرج بنتيجة نهائية أن التصوف ليس فيه سنة، بل التصوف حقيقة بدعة في أقل أحوالها بدعة تختلف درجاتها، وإنما إذا جئنا إلى النتيجة الكلية للتصوف أنه فكر فلسفي أجنبي عن الإسلام تمامًا، قد يتداخل مع القضايا الإسلامية وتتشابه في قضايا، ذلك لا يُغنيها ولا يُقدمها إلى جهة الإسلام والسنة لأن التوافق بين المِلل والأديان المختلفة وارد. فالإسلام واليهودية والنصرانية تتفق في أن هناك إله ربّ معبود، وتتفق في إثبات النبوات، وتتفق في إثبات اليوم الآخر. تختلف في تفاصيل ذلك ومع ذلك هذا النصراني هذا اليهودي لا يُغنيه شيء أن يكون على هذا الدين حتى يلتحق بالإسلام، دع عنك الأديان الأخرى. فمجرد التوافق لا يعني شيئًا ولا يجعل المتفقَين في هذه القضايا مثل بعض وينقل حكم هذا إلى هذا وحكم هذا إلى هذا، كلا، إنما المطلوب الاتفاق في الأصول والقضايا الأساس والرئيسة، هذا هو المطلوب، فإذا اختلفا فحينئذٍ لا يعني اتفاقهما في بعض الأشياء. وهكذا الاتفاق بين الإسلام وبين التصوف في بعض القضايا والعجيب أن الاتفاق بينهما في قضايا فرعية وليست أصلية، لأنّا إذا نظرنا للإله في الإسلام قائم على توحيد الله سبحانه وتعالى بأنه فرد صمد واحد مباين عن خلقه مستوٍ على عرشه له الربوبية والألوهية والأسماء والصفات التي يتميز بها عن سائر الخلق، بينما أصل الفكر الصوفي قائم على الوحدة والحلول والاتحاد وأن هذا الذي عندهم هو الإله متحد أو سيتحد بهذه المخلوقات اتحادًّا كليًّا جزئيًّا كان متحدًّا وكانوا به متحدين ثم انفصلوا ثم يرجعون إليه. فأصل الفكر الصوفي الوحدة، وحدة الوجود القائمة على الحلول والاتحاد والإسلام فكرة توحيدية ما بين التوحيدية والوحداويّة بون شاسع كبير جدًا. هناك توافق في اسم الزهد الذي وُجد عند أوائل المتصوفة نعم لكن ليس هو الزهد الذي عند المسلمين ودليل ذلك أن التصوف عندما دخل البيئة الإسلامية وكان في البيئة الإسلامية حينذاك -وهذا في القرن الثاني- كان في البيئة الإسلامية صنفان من الزهّاد: عبّاد وعلماء، علماء زهّاد وعبّاد زهاد. التصوف اختار أن يتبنّى زهاد العبّاد، وامتطى آثارهم ومشى على سبيلهم واتخذهم متصوفة يروجون للتصوف وهذا ما حصل وقبل هؤلاء الزهاد كثير منهم، أكثرهم، قبلوا التصوف لأنه ليس عندهم علم مميز يميز لهم بين الزهد الشرعي وبين الزهد الصوفي، فلم يروا فرقًا لم يميزوا. بينما زهاد العلماء لم يقبلوا بالتصوف، هذا مالك هذا الشافعي هذا أحمد هذا أبو زُرعة وغيرهم ممن نقد التصوف عندما لاحظوه، عندما نشأ وعندما رأوا أتباعه وبعض أفكارهم التي لم تكُن في تلك المرحلة متضحة ولا يعلنون بها في أول الأمر كما هي، وإنما يظهرون الزهد والعبادة وبينهم زهاد وعباد حقيقيين لا يزيفون زهدهم وإنما يتكلمون بما يفعلون وما يعتقدون، وهذا الأمر كان في صالح التصوف لأنه يعطيه امانًا ويعطيه ثقة وضمانًا وقبولًا عند الناس بسبب هؤلاء الزهاد العباد الصادقين الذين لا يدركون ما في التصوف من خلل. اما العلماء فقد كانوا يرفضون حتى من الزهاد الفطناء الذين هم أقرب إلى العلم ما كانوا ليقبلوا أن يكونوا متصوفة، مثل الفضيل بن عياض مثل إبراهيم بن أدهم وهؤلاء كثيرًا ما ينسبهم المتصوفة إلى التصوف ويرجعون بهم إلى أنهم صوفية وحقيقة الأمر أنهم ليسوا من الصوفية في شيء لأنهم لم يرد عنهم لا في أقوالهم ولا أفعالهم بأخبار صحيحة مصطلحات التصوف ولا أحوال المتصوفة وإنما كانوا مجرد زهاد. إذًا حتى في الزهد نلاحظ أن زهدهم مختلف ولذلك لم يقبله علماء الزهاد وقبله زهاد العبّاد. إذا تتبعنا قضايا التصوف حتى بالسلوك حتى في اعتقاد في الله سبحانه وتعالى المتصوفة لهم غلو كبير جدًا في المشايخ، يعتقدون أنهم يصرّفون الكون وأنهم يدبرون ويسألونهم حوائجهم من دون الله سبحانه وتعالى، هذا أحوال المشركين وليس أحوال أهل الإسلام، ليس المقصود أن نتتبع لكن المقصود أن نعطي خطوطًا عريضة في أن فكرة تصوف سني لا يوجد، تصوف إسلامي حقيقة لا يوجد. لو جئنا من حيثية أخرى، يعني هذه الفكرة في ذاتها متناقضة لأنه عندما نقول تصوف ينقسم إلى سني وبدعي، إلى إسلامي وفلسفي فنحن في حقيقة الأمر نتكلم على فكرة غير موجودة لأنه لا يمكن أن تكون فكرة لها كيان وحضور وأتباع وظهور، ثم إنها لا تتميز بفكرة بل تكون متناقضة، لا يصح أن يكون مثلًا نصراني هو نصراني ومسلم في نفس الوقت، ولا يهودي مسلم في نفس الوقت، يعني لا يصلح أن تجتمع فكرتان متناقضتان في شخص واحد، إلا أن يكون أحدهما هو الصواب والآخر تزييف، أما أنه يتبنى كليهما! أن نتوقع مثلًا إسلام يجمع بين التوحيد والشرك؟ الإسلام يجمع بين التوحيد أو بين السنة والبدعة؟ هذا تناقض لا يمكن، إما أن يكون سنة وإما أن يكون بدعة. فهو غير مقبول، الجمع بين فكرتين متناقضتين في محل واحد غير مقبول سواءً كان في شخص أو كان في ملة، لأنها إذا كانت ملة تقول: نحن على الإسلام نحن على النصرانية نحن على اليهودية، مثل دعوى الملة الإبراهيمية فهذا تزييف، تزييف ولا يمكن أن تكون ملة بهذه الطريقة المتناقضة وبينها من المفارقات التي لا يمكن أبدًا أن تلتقي، لا يمكن، لأنه حينئذٍ لن تتميز من الذي يلتحق بها؟ يلتحق بها من يؤمن أن يكون يهوديًا ونصرانيًا أو مسلمًا؟ هذا العقل السوي والإنسان السوي لا يقبله، يقول، عندما يتأمل هذه الأديان واختلافاتها، يقول: أكون على واحدة منها ولا أكون على الثلاثة حينئذٍ لا أدري أنا أين، كالذي يقول لك: اذهب إلى مدينة كَذا ومدينة كَذا في الشمال، ثم يقول سواءٌ عليك أن تذهب من الجنوب أو تذهب من الشرق أو من الغرب أو تذهب من الشمال كلها ستؤدي بك إلى الشمال، يقول كيف هذا؟ لو ذهبت إلى الجنوب ذهبت إلى جهة المضادة ولو ذهبت إلى الغرب والشرق ذهبت إلى جهة أخرى لن أصل أبدًا إنما طريقه واحد، فكذلك في باب الأفكار والأديان، لا يمكن أن يقول يصح أن أجمع بين متناقضات وأكون على فكر صحيح. هذا هو حال من يقول إن التصوف فلسفي وسني، إن أردت أن تكون سنيًّا فأنت على تصوف، وإن أردت أن تكون فلسفيًا فأنت على تصوف. لا! هذا كظاهر وتزييف: ممكن، ولكن كحقيقة لا يمكن: فإما أن يختار وأن يكون التصوف سنيا أو يكون بدعيا، تصوفا إسلاميا أو تصوفا فلسفيا. وحقيقة الأمر أنه ليس هناك تصوف إسلامي ولا تصوف سني، فإنه لم يكن أبدًا هذا المصطلح لا بمفهومه ولا بلفظه موجودًا في تاريخ الإسلام، لم يشِر إليه كتاب ولا سنة وإنما تعسّف الصوفية في إدخالهم تحت ظلال الآيات، لم تكن هذه أصلًا موجودة في التاريخ لا في الكتاب ولا في السنة ولا في تاريخ الصحابة، لا يوجد من الصحابة منهم متصوف، وبالإجماع التصوف بدأ في نهاية القرن الثاني كفرقة وكاسم ومصطلح، وأما المعاني التي يوردها الصوفية التي كانت قبل ويضمون فيها الصحابة فهذه دعاوى لا تثبت عن الصحابة ألفاظ صوفية ولا معانٍ صوفية، وحتى التي فيها كلام عن الزهد والعبادة والتقلل من الدنيا فهذه تُنسب إلى الإسلام ولا تُنسب إلى التصوف. إذًا، هذه الفكرة لها تفاصيل كثيرة جدًا حقيقة، وخلاصتها أننا لا نجد هذا الفكر موجودًا في نصوص الكتاب والسنة ولا في التاريخ الأول ولا في الصدر الأول وكذلك المعاني الموجودة في التصوف نجدها غريبة جدًا لا تتوافق مع الإسلام في الأصول وليست في الفروع. وكذلك لا يمكن أن نجد فرقة يمكن أن يُشار إليها، طريقة يمكن أن يُشار إليها أنها هذه هي الطريقة النبوية ومطابقة للطريقة النبوية، بل نجد إنكار العلماء ابتداءً منذ أن ظهر هذا الفكر بين المسلمين. وحينذاك هذه الفكرة، فكرة تقسيم التصوف إلى فلسفي وسني لا أقول أن فيه نظر بل هو باطل، باطل تاريخًا وواقعًا حقيقة وباطل أيضًا فكرة، فإما أن يكون تصوف فلسفي أو يكون تصوف إسلامي، على فرض أنه يوجد هكذا تصوف إسلامي، لكن أن يجمع بين نقيضين هذا من المُحالات. وفق الله الجميع.
تعليق على الورد الرابع
بصوت الكاتب
8400:00
فهذا هو التعليق الثالث على الفصل الثاني في موضوع مهم وهو ما جرى عليه بعض الناس من تقسيم التصوف إلى سني وبدعي أو إسلامي وفلسفي، هل يصحّ هذا التقسيم؟ وهو تقسيم آمن به حتى طائفة من السلفيين الناقدين للتصوف فضلًا عن الباحثين فضلًا عن أنه أعجب كثيرًا من المتصوفة الذين يدركون أن التصوف فكر مستقل عن الإسلام. لكن هذه الفكرة بحد ذاتها تخدم التصوف بشكل كبير فإنه يمكن حين النقد والاعتراض على قضايا التصوف وأخبارها والتي هي ظاهرة المناقضة للإسلام، أن يُقال من قبل المتصوفة المتحمسين للتصوف أن هذا ليس من التصوف المعتدل بل هو من المنحرف ونحن نجاهده فيبقى بذلك التصوف قائمًا باسم وعنوان التصوف السني المعتدل، لكن في حقيقة الأمر التصوف كما هو على فِكره القديم لم يتغير منه شيء، والدليل على ذلك أننا لا نكاد نجد تصوفًا، طريقة صوفية قائمة يمكن أن يُشار على إليها أنها تمثل منهاج النبوة على طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، فإنه حين فرز هذه الطرق واختبارها واحدة بعد الواحدة والنظر في امتثالها لقضايا السنة واتباع النبي عليه الصلاة والسلام وصدر الإسلام من السلف الصالح، نجد هناك اختلافًا يزيد وينقص حتى في الأصول، فإذا كان كذلك فهذا منبئ ومشير إلى بطلان هذا التقسيم حقيقة، التقسيم الذي جاء به من أراد إما يدفع عن التصوف أجنبيته أو أراد أن يُخلّص التصوف من أجنبيته، فجاء بمثل هذا التقسيم المنافي المجافي للعلمية والمنهجية البحثية، فإن البحث الذي يتعلق بالتصوف له مسارات: بحث في الأفكار والأصول والقضايا، وبحث في التاريخ، وبحث في الشخصيات الصوفية. ما هو تاريخ التصوف قبل الإسلام وبعد الإسلام في ظل دائرة الإسلام؟ والتصوف أيضًا من خلال الأفكار والأصول المطروحة الواردة، والتصوف من خلال التراجم والشخصيات. بمجموع هذه وفحصها والتدقيق بها نخرج بنتيجة نهائية أن التصوف ليس فيه سنة، بل التصوف حقيقة بدعة في أقل أحوالها بدعة تختلف درجاتها، وإنما إذا جئنا إلى النتيجة الكلية للتصوف أنه فكر فلسفي أجنبي عن الإسلام تمامًا، قد يتداخل مع القضايا الإسلامية وتتشابه في قضايا، ذلك لا يُغنيها ولا يُقدمها إلى جهة الإسلام والسنة لأن التوافق بين المِلل والأديان المختلفة وارد. فالإسلام واليهودية والنصرانية تتفق في أن هناك إله ربّ معبود، وتتفق في إثبات النبوات، وتتفق في إثبات اليوم الآخر. تختلف في تفاصيل ذلك ومع ذلك هذا النصراني هذا اليهودي لا يُغنيه شيء أن يكون على هذا الدين حتى يلتحق بالإسلام، دع عنك الأديان الأخرى. فمجرد التوافق لا يعني شيئًا ولا يجعل المتفقَين في هذه القضايا مثل بعض وينقل حكم هذا إلى هذا وحكم هذا إلى هذا، كلا، إنما المطلوب الاتفاق في الأصول والقضايا الأساس والرئيسة، هذا هو المطلوب، فإذا اختلفا فحينئذٍ لا يعني اتفاقهما في بعض الأشياء. وهكذا الاتفاق بين الإسلام وبين التصوف في بعض القضايا والعجيب أن الاتفاق بينهما في قضايا فرعية وليست أصلية، لأنّا إذا نظرنا للإله في الإسلام قائم على توحيد الله سبحانه وتعالى بأنه فرد صمد واحد مباين عن خلقه مستوٍ على عرشه له الربوبية والألوهية والأسماء والصفات التي يتميز بها عن سائر الخلق، بينما أصل الفكر الصوفي قائم على الوحدة والحلول والاتحاد وأن هذا الذي عندهم هو الإله متحد أو سيتحد بهذه المخلوقات اتحادًّا كليًّا جزئيًّا كان متحدًّا وكانوا به متحدين ثم انفصلوا ثم يرجعون إليه. فأصل الفكر الصوفي الوحدة، وحدة الوجود القائمة على الحلول والاتحاد والإسلام فكرة توحيدية ما بين التوحيدية والوحداويّة بون شاسع كبير جدًا. هناك توافق في اسم الزهد الذي وُجد عند أوائل المتصوفة نعم لكن ليس هو الزهد الذي عند المسلمين ودليل ذلك أن التصوف عندما دخل البيئة الإسلامية وكان في البيئة الإسلامية حينذاك -وهذا في القرن الثاني- كان في البيئة الإسلامية صنفان من الزهّاد: عبّاد وعلماء، علماء زهّاد وعبّاد زهاد. التصوف اختار أن يتبنّى زهاد العبّاد، وامتطى آثارهم ومشى على سبيلهم واتخذهم متصوفة يروجون للتصوف وهذا ما حصل وقبل هؤلاء الزهاد كثير منهم، أكثرهم، قبلوا التصوف لأنه ليس عندهم علم مميز يميز لهم بين الزهد الشرعي وبين الزهد الصوفي، فلم يروا فرقًا لم يميزوا. بينما زهاد العلماء لم يقبلوا بالتصوف، هذا مالك هذا الشافعي هذا أحمد هذا أبو زُرعة وغيرهم ممن نقد التصوف عندما لاحظوه، عندما نشأ وعندما رأوا أتباعه وبعض أفكارهم التي لم تكُن في تلك المرحلة متضحة ولا يعلنون بها في أول الأمر كما هي، وإنما يظهرون الزهد والعبادة وبينهم زهاد وعباد حقيقيين لا يزيفون زهدهم وإنما يتكلمون بما يفعلون وما يعتقدون، وهذا الأمر كان في صالح التصوف لأنه يعطيه امانًا ويعطيه ثقة وضمانًا وقبولًا عند الناس بسبب هؤلاء الزهاد العباد الصادقين الذين لا يدركون ما في التصوف من خلل. اما العلماء فقد كانوا يرفضون حتى من الزهاد الفطناء الذين هم أقرب إلى العلم ما كانوا ليقبلوا أن يكونوا متصوفة، مثل الفضيل بن عياض مثل إبراهيم بن أدهم وهؤلاء كثيرًا ما ينسبهم المتصوفة إلى التصوف ويرجعون بهم إلى أنهم صوفية وحقيقة الأمر أنهم ليسوا من الصوفية في شيء لأنهم لم يرد عنهم لا في أقوالهم ولا أفعالهم بأخبار صحيحة مصطلحات التصوف ولا أحوال المتصوفة وإنما كانوا مجرد زهاد.
إذًا حتى في الزهد نلاحظ أن زهدهم مختلف ولذلك لم يقبله علماء الزهاد وقبله زهاد العبّاد. إذا تتبعنا قضايا التصوف حتى بالسلوك حتى في اعتقاد في الله سبحانه وتعالى المتصوفة لهم غلو كبير جدًا في المشايخ، يعتقدون أنهم يصرّفون الكون وأنهم يدبرون ويسألونهم حوائجهم من دون الله سبحانه وتعالى، هذا أحوال المشركين وليس أحوال أهل الإسلام، ليس المقصود أن نتتبع لكن المقصود أن نعطي خطوطًا عريضة في أن فكرة تصوف سني لا يوجد، تصوف إسلامي حقيقة لا يوجد. لو جئنا من حيثية أخرى، يعني هذه الفكرة في ذاتها متناقضة لأنه عندما نقول تصوف ينقسم إلى سني وبدعي، إلى إسلامي وفلسفي فنحن في حقيقة الأمر نتكلم على فكرة غير موجودة لأنه لا يمكن أن تكون فكرة لها كيان وحضور وأتباع وظهور، ثم إنها لا تتميز بفكرة بل تكون متناقضة، لا يصح أن يكون مثلًا نصراني هو نصراني ومسلم في نفس الوقت، ولا يهودي مسلم في نفس الوقت، يعني لا يصلح أن تجتمع فكرتان متناقضتان في شخص واحد، إلا أن يكون أحدهما هو الصواب والآخر تزييف، أما أنه يتبنى كليهما! أن نتوقع مثلًا إسلام يجمع بين التوحيد والشرك؟ الإسلام يجمع بين التوحيد أو بين السنة والبدعة؟ هذا تناقض لا يمكن، إما أن يكون سنة وإما أن يكون بدعة. فهو غير مقبول، الجمع بين فكرتين متناقضتين في محل واحد غير مقبول سواءً كان في شخص أو كان في ملة، لأنها إذا كانت ملة تقول: نحن على الإسلام نحن على النصرانية نحن على اليهودية، مثل دعوى الملة الإبراهيمية فهذا تزييف، تزييف ولا يمكن أن تكون ملة بهذه الطريقة المتناقضة وبينها من المفارقات التي لا يمكن أبدًا أن تلتقي، لا يمكن، لأنه حينئذٍ لن تتميز من الذي يلتحق بها؟ يلتحق بها من يؤمن أن يكون يهوديًا ونصرانيًا أو مسلمًا؟ هذا العقل السوي والإنسان السوي لا يقبله، يقول، عندما يتأمل هذه الأديان واختلافاتها، يقول: أكون على واحدة منها ولا أكون على الثلاثة حينئذٍ لا أدري أنا أين، كالذي يقول لك: اذهب إلى مدينة كَذا ومدينة كَذا في الشمال، ثم يقول سواءٌ عليك أن تذهب من الجنوب أو تذهب من الشرق أو من الغرب أو تذهب من الشمال كلها ستؤدي بك إلى الشمال، يقول كيف هذا؟ لو ذهبت إلى الجنوب ذهبت إلى جهة المضادة ولو ذهبت إلى الغرب والشرق ذهبت إلى جهة أخرى لن أصل أبدًا إنما طريقه واحد، فكذلك في باب الأفكار والأديان، لا يمكن أن يقول يصح أن أجمع بين متناقضات وأكون على فكر صحيح.
هذا هو حال من يقول إن التصوف فلسفي وسني، إن أردت أن تكون سنيًّا فأنت على تصوف، وإن أردت أن تكون فلسفيًا فأنت على تصوف. لا! هذا كظاهر وتزييف: ممكن، ولكن كحقيقة لا يمكن: فإما أن يختار وأن يكون التصوف سنيا أو يكون بدعيا، تصوفا إسلاميا أو تصوفا فلسفيا. وحقيقة الأمر أنه ليس هناك تصوف إسلامي ولا تصوف سني، فإنه لم يكن أبدًا هذا المصطلح لا بمفهومه ولا بلفظه موجودًا في تاريخ الإسلام، لم يشِر إليه كتاب ولا سنة وإنما تعسّف الصوفية في إدخالهم تحت ظلال الآيات، لم تكن هذه أصلًا موجودة في التاريخ لا في الكتاب ولا في السنة ولا في تاريخ الصحابة، لا يوجد من الصحابة منهم متصوف، وبالإجماع التصوف بدأ في نهاية القرن الثاني كفرقة وكاسم ومصطلح، وأما المعاني التي يوردها الصوفية التي كانت قبل ويضمون فيها الصحابة فهذه دعاوى لا تثبت عن الصحابة ألفاظ صوفية ولا معانٍ صوفية، وحتى التي فيها كلام عن الزهد والعبادة والتقلل من الدنيا فهذه تُنسب إلى الإسلام ولا تُنسب إلى التصوف.
إذًا، هذه الفكرة لها تفاصيل كثيرة جدًا حقيقة، وخلاصتها أننا لا نجد هذا الفكر موجودًا في نصوص الكتاب والسنة ولا في التاريخ الأول ولا في الصدر الأول وكذلك المعاني الموجودة في التصوف نجدها غريبة جدًا لا تتوافق مع الإسلام في الأصول وليست في الفروع. وكذلك لا يمكن أن نجد فرقة يمكن أن يُشار إليها، طريقة يمكن أن يُشار إليها أنها هذه هي الطريقة النبوية ومطابقة للطريقة النبوية، بل نجد إنكار العلماء ابتداءً منذ أن ظهر هذا الفكر بين المسلمين. وحينذاك هذه الفكرة، فكرة تقسيم التصوف إلى فلسفي وسني لا أقول أن فيه نظر بل هو باطل، باطل تاريخًا وواقعًا حقيقة وباطل أيضًا فكرة، فإما أن يكون تصوف فلسفي أو يكون تصوف إسلامي، على فرض أنه يوجد هكذا تصوف إسلامي، لكن أن يجمع بين نقيضين هذا من المُحالات.
وفق الله الجميع.
تحريف الكلم عن مواضعه
من: 119 — إلى: 119
(تحريف الكلم عن مواضعه) هو: في قوله تعالى:(يحرفون الكلم من بعد مواضعه) النساء /146 التحريف بمعنى التغيير، أي يغيرونه عن وجهه، فيقولون ،المراد كذا، على خلاف ما أراد الله ورسوله، والكلم هو الوحي الذي جاءت به الرسل ، قال العلماء : والتحريف نوعان: تحريف معنوي والقائلون به كثير، وهو أن يصرف كلام الله ورسوله إلى غير ما أراد الله ورسوله .مثل/ تحريف (استوى) بمعنى ( استولى) وتحريف لفظي والقائلون به قليل .مثل /(نصب الله) ورفع( موسى) في قوله تعالى(وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) الكنز الثمين في تفسير ابن عثيمين.
#مصطلحات، (التأويل)
من: 119 — إلى: 119
يعرف الجرجاني التأويل بأنه: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقاً بالكتاب والسنة، مثل قوله تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الميت) [الأنعام:95] إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيراً، وإن أراد إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلاً . وهذا يعني أن التأويل يقصد به صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى يحتمله . وأصل التأويل في اللغة: بمعنى التفسير ، وقد دعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لابن عباس، رضي الله عنه، فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) ولا خلاف بين علماء أهل السنة والجماعة في قبول التأويل الصحيح وهو تأويل الأمر بعمل المأمور به، وتأويل النهي بترك المنهي عنه، أما التأويل الذي يخالف الكتاب والسنة ويؤدي إلى تحريف الكلم عن مواضعه فهذا هو التأويل المذموم المنهي عنه. التعريفات.
معنى قول ابن تيمية (فالحقيقة له سبحانه ولغيره المجاز)
من: 116 — إلى: 116
قول ابن تيمية ص 116 (فالحقيقة له سبحانه ولغيره المجاز) : وأما ثبوت المجاز في القرآن والسنة: فمسألة خلافية من قديم. والذي نريد التنبيه عليه هنا هو: أن القول بوجود المجاز في القرآن لا يستلزم تأويل الصفات الثابتة لله تعالى، كالاستواء، والنزول، قال ابن تيمية : إذا وصف الله نفسه بصفة ،أو وصفه بها رسوله، أو وصفه بها المؤمنون الذين اتفق المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، فصرْفها عن ظاهرها اللائق بجلال الله سبحانه، إلى باطن يخالف الظاهر، ومجاز ينافي الحقيقة، لا بد فيه من أربعة أشياء: *أحدها* / أن ذلك اللفظ مستعمل بالمعنى المجازي؛ لأن الكتاب والسنة جاء باللسان العربي، ولا يجوز أن يراد بشيء منه خلاف لسان العرب، أو خلاف الألسنة كلها، فلا بد أن يكون ذلك المعنى المجازي ما يراد به اللفظ، وإلا فيمكن كل مُبطل أن يفسر أي لفظ بأي معنى سنح له، وإن لم يكن له أصل في اللغة. *الثاني* / أن يكون معه دليل يوجب صرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه، *الثالث* / أنه لا بد من أن يسلم ذلك الدليل الصارف عن معارض. *الرابع* / أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا تكلم بكلام وأراد به خلاف ظاهره وضد حقيقته، فلا بد أن يبين للأمة أنه لم يرد حقيقته، وأنه أراد مجازه.ثم هذا الرسول الأمي العربي بعث بأفصح اللغات وأبين الألسنة والعبارات ، ولا يجوز أن يحيلهم على دليل خفي، لا يستنبطه إلا أفراد الناس. الرسالة المدنية في تحقيق المجاز والحقيقة في صفات الله شيخ الإسلام بن تيمية.
التأويل الباطني
من: 119 — إلى: 119
لون من ألوان الصد عن الإسلام، ووسيلة خبيثة لصرف الناس عنه، وغاية يُسعى من خلالها لطمس معالمه، وستر جماله، ويسره، ووضوحه. فالإسلام دين واضح ميسور، وأدلته المستقاة من الكتاب والسنة تسبق إلى الأفهام ببادئ الرأي، وأول النظر؛ فهي سائغة جلية تقنع العقول، وتسكن النفوس، وتغرس الاعتقادات الصحيحة الجازمة الملائمة للفطرة في القلوب. والتأويل الباطني يخالف ذلك، وينبذه وراء ظهره. أولاً: تعريف التأويل الباطني: أ- تعريفه في اللغة: هذا المصطلح يتركب من كلمتين التأويل: ومعناه يدور حول التفسير، والمصير، والعاقبة وغيرها من المعاني. والباطني: وأصل هذه الكلمة مادة بَطْن، وهو خلاف الظهر، والباطن: اسم فاعل وهو ضد الظاهر. ب- المعنى الاصطلاحي للتأويل الباطني: هو الزعم بأن لنصوص الشرع ظاهرًا وباطنًا. هذا تعريف مختصر، وهناك تعريفات أوسع وأشمل تبين معنى ذلك، وسبب الأخذ به، ومنها تعريف من يقول إنه: "تفسير الكتب المقدسة تفسيرًا رمزيًا أو مجازيًا يكشف عن معانيها. الشريعة - كما يقول بعضهم - مشتملة على ظاهر وباطن؛ لاختلاف فطر الناس، وتباين قرائحهم في التصديق؛ فكان لا بد من إخراج النص من دلالته الظاهرية إلى دلالته الباطنية بطريق التأويل؛ فالظاهر هو الصور والأمثال المضروبة للمعاني، والباطن هو المعاني الخفية التي لا تتجلى إلا لأهل البرهان؛ فالتأويل - في نظرهم - هو الطريقة المؤدية إلى رفع التعارض بين ظاهر الأقاويل وباطنها". ثانيًا: سبب التسمية: لعل التعريفين السابقين قد بينا سبب التسمية؛ فالباطنية سميت بذلك لأخذهم بالتفسير أو التأويل الباطني. فكل من أخذ به سمي باطنيًا، وكل طائفة أخذت به دخلت في مسمى الفرق الباطنية. ثالثًا: طوائف الباطنية: الباطنية مسمى واسع، ويدخل تحته فرق كثيرة، وتكاد تنحصر في طائفتين، ويدخل تحت كل طائفة فرق عديدة. الطائفة الأولى: باطنية تتظاهر بحب آل البيت، وتبطن الكفر، وتزعم أن للنصوص ظاهرًا علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، وباطنًا علمه عليًا رضي الله عنه وبلغه علي سرًا إلى الأئمة من بعده. ويدخل تحت هذه الطائفة فرق عديدة كالشيعة الإمامية، والإسماعيلية، والنصيرية، والدروز، والبابية، والبهائية، وسائر الفرق الباطنية التي انبثقت من الشيعة الاثني عشرية. الطائفة الثانية: وهي التي تتظاهر بحب النبي صلى الله عليه وسلم وهم غلاة الصوفية القائلين بتقسيم الدين إلى حقيقة وشريعة. الشريعة عندهم: أحكام الدين الظاهرة، أو الأحكام التكليفية. والحقيقة: هي ما وراء هذه الأحكام من إشارات وأسرار؛ فإذا وصل العابد إلى الحقيقة لم يحتج معها إلى القيام بأمور الشرع. هاتان هما طائفتا التأويل الباطني على وجه الإجمال. رابعًا: هدفهم من القول بالتأويل الباطني: قد تبين فيما مضى شيء من ذلك، ويمكن إجماله فيما يلي: ١- إبطال الشرائع. ٢- ترويج الباطل. ٣- إضفاء الصبغة الشرعية على ما يقولون، وإيهام الناس أن آراءهم متفقة مع نصوص الشرع. وبذلك صارت تلك الطوائف تأخذ بالتأويل الباطني لنصوص القرآن. وتزعم أن من تقاعد عَقْلُه عن الغوص في الخفايا والأسرار، والبواطن والأغوار، وقنع بظواهرها كان تحت الآصار والأغلال. وأرادوا بالأغلال: التكاليف الشرعية؛ لأن من ارتقى إلى علم الباطن - بزعمهم - سقطت عنه التكاليف، واستراح من أعبائها. ومن هنا جاؤوا بتأويلات باطلة لا تستند إلى شرع، ولا عقل، ولا عرف، ولا لغة، بل إنها تخالف ذلك كله. خامسًا: مصادر الفكر الباطني: مصادر الفكر الباطني ليست من الإسلام في شيء، وإنما هي أفكار دخيلة على عقائد الإسلام؛ فهي مستقاة من الفلسفة اليونانية والهندية، ومن الديانات المجوسية، واليهودية، والنصرانية، وغيرها. وقد تستر أصحابها بحب آل البيت تارة، وبحب النبي صلى الله عليه وسلم تارة. وأرادوا من ذلك هدم المجتمع الإسلامي، وزعزعة أمنه، وإفساد عقيدته. سادساً: بطلان القول بالتأويل الباطني: لا شك أن للقرآن العظيم أسرارَه العظيمةَ، ولفتاتِهِ الباهرةَ، وإيماءاتِه، وإيحاءاتِه. ولا ريب أنه بحر عظيم لا تنفد كنوزه، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء. ولكن ذلك كله منوط بما يتسع له اللفظ، ويشهد له الدليل الصحيح، ولا يخرج عن إطار المعنى العام، وأن يكون ذلك عن علم وبصيرة لا عن تخرص وهوى. ولكن دعوى أولئك الباطنيين بعيدة كل البعد عن هذا المقصد؛ فهي تأويلات لا تتصل بمدلول الألفاظ، ولا بمفهومها، ولا بالسياق القرآني. بل هي مخالفة للنص القرآني تماماً، باحثة في كتاب الله عن أصل تتشبث به؛ ليؤيد شذوذهم، وغاياتهم في الصد عن كتاب الله ودينه. وحاصل هذا الاتجاه الباطني في تأويل نصوص الشريعة هو الانحلال عن الدينِ. بتصرف من كتاب مصطلحات في كتب العقائد، للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ص٢٥-٢٨.
مفهوم الأحوال عند الصوفية
من: 125 — إلى: 125
يقول الجرجاني رحمه الله: "الحال عند أهل الحق - يعني الصوفية - معنى يرد على القلب من غير تصنع، ولا اجتلاب، ولا اكتساب، من طرب، أو حزن، أو بسط، أو قبض، أو شوق، أو انزعاج، أو هيئة، ويزول بظهور صفات النفس سواء يعقبه المثل أوْ لا؛ فإذا دام وصار ملكًا يسمى مقامًا؛ فالأحوال مواهب، والمقامات مكاسب، والأحوال تأتي من عين الجود، والمقامات تحصل ببذل المجهود". وقيل: الحال: هو ما يتحول فيه العبد، ويتغير مما يَرِد على قلبه؛ فإذا صفا تارة، وتغير أخرى قيل له: حال. وبهذا يتبين أن الأحوال والمقامات أوصاف تقوم بالقلب، ولها تعلق به، وأنها باعتبار هذا التعلق تنقسم إلى لوامع، وبوارق، ولوائح، ثم تكون أحوالًا، ثم تكون مقامًا بثبوتها في القلب، واستقرارها فيه. ولا ينكر عاقل قيام المحبة، والرضا، والخوف، والرجاء، وغيرها من الأحوال بالقلب. وهذه المصطلحات لا تناقض نصًا شرعيًا، بل النصوص الشرعية تدل على قيام هذه الأوصاف بالقلب من الصبر، والرضا، والمحبة، والخوف، والخشية، والإنابة، والرجاء، وغيرها. مصطلحات في كتب العقائد، للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ص١٥١، ١٥٢.
والأمر المشهور المتفق عليه، أن التصوف فكرة واحدة، لها قواعد وأصول معروفة، من تحقق بها فهو متصوف حقيقة، ومن لم يتحقق بها، وكان ممتثلًا لبعض فروعها، فنسبته إلى التصوف من باب التجوز في الإطلاق، ولا يأخذ حكم الصوفي الحقيقي الخالص، وهذا حال أكثر المنتسبين إلى التصوف.
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي، د. لطف الله خوجة ص١٢٣.
فإذا عرف أن التصوف فكرة واحدة، بأصولها وقواعدها، والمتصوفة يقرون بهذا، فيبطل حينئذ أن تجمع بين السنة والفلسفة، فهي إما أن تكون سنية أو فلسفية؛ أما أن تكون كلتيهما فذلك باطل؛ لأنه محال، لما تقدم، فالسنة تناقض الفلسفة أصلًا، فهما دينان مختلفان، السنة دين رسول الله ﷺ، والفلسفة دين الوثنيين عباد الأصنام، من حكماء الهند والفرس واليونان.
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي، د. لطف الله خوجة ص١٢٣.
( إن من الناس من يجعل التصوف على قسمين: معتدل وغالٍ ، ومنهم من ينكر هذه القسمة ولا يرى التصوف إلا وجهاً واحداً، فلسفياً غالياً، ولو تأملنا في حقيقة الخلاف لوجدنا منزع هذا غير هذا:
فالفريق الأول : قد جعل التصوف على قسمين ، نظراً منه إلى الأشخاص، فمنهم المعتدل ومنهم الفيلسوف الغالي، وهو كذلك.
والفريق الثاني: ذهب إلى إنكار القسمة، نظراً منه إلى الفكرة.
وفي هذه الحال كلا الفريقين بتلك النظرة مُصيب لاختلاف محل النزاع )
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي.
د. لطف الله خوجة
ص(122)
(إذن ، إدراج الصحابة رضوان الله عليهم في جملة المتصوفة لم يكن من حيث المصطلح، فهو متأخر ، إنما من حيث ماكان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من زهدٍ في الدنيا)
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي.
د.لطف الله خوجة.
ص(128)
( نجد «الحسن البصري» من أروع وأجمل الشخصيات الأخلاقية العالية ، لقد كان مثلاً صادقاً للشعور الأخلاقي في طهره وصفاءه ، وكان ينشر الفضيلة بوعظه المؤثر ، ومنطقه القوي ، وسلوكه المثالي، ومع ذلك فلم يكن الحسن البصري صوفياًّ بالمعنى الدقيق لكلمة : صوفي)
الإنسان الكامل في الفكر الصوفي.
د.لطف الله خوجة.
ص(129)
(الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن فيهم من اعتقد الفناء الصوفي أو عمل لأجله سواء كان فناء عن الشهود او الوجود ...)
#الإنسان الكامل في الفكر الصوفي .د/لطف الله خوجة (128)
الأفكار الصوفية القديمة هي نفسها الموجودة اليوم، وما يحاول الصوفية إخفاءه؛ غير خاف ، فالأمر واضح، فما عند الصوفية لم يتغير ولم يتطور منذ عهد ابن عربي ولا أعتقد أن الأفكار الصوفية ..... قد حدث فيها شيء من التغير إلى الأحسن وذلك ظاهر من واقع ماعليه أهل التصوف .
''بتصرف''
كتاب الإنسان الكامل في الفكر الصوفي لد. لطف الله خوجة : 137
« تلمُّس المخارج والتأويلات المتكلفة للألفاظ الكفرية، شنشنة قديمة عرفت بها هذه الفرقة (أي الصوفية)، وهي طريقة الباطنية في تعطيل دلالات الألفاظ بما يستحيل معه إدراك قصد المتكلِّم، مهما كان كلامه واضحًا، ولو اتُّخذَت قاعدة لكان بالإمكان الاعتذار لفرعون في قوله: ﴿أنا ربُّكم الأعلى﴾ بأنه يقصد أنه سيد ومالك لقومه ولمن تحته، إذ إن (الرب) في كلام العرب هو: المالك والسيد؛ فهل لأحد أن يدَّعي صحةَ هذا التأويل ؟! ».
[ الإنسان الكامل في الفكر الصوفي | د. لطف الله خوجه - بتصرُّف يَسير، صـ ١١٩ ]
إنَّ تلك الطريقة (طريقة تأويل الكلمات الواضحة في الكفر والزندقة) تهدم أساس تقسيم التصوف إلى سني وبدعي؛ إذ كان البدعي منه يمكن تفسير ألفاظه ليكون سنيًا!
[ الإنسان الكامل في الفكر الصوفي | د. لطف الله خوجه صـ ١٢١ ]
الإسلام قادم
س/ هل هناك دراسة تبين بداية ظهور الأفكار الفلسفية على الصوفية؟
أ.د.لطف الله عبد العظيم خوجه
لا أعلم دراسة جادة في هذا، جل ما رأيته تقرر بلا أدلة ظهورا الفلسفة لاحقا في التصوف، مع أن الحقيقة أنهما قرينان في الظهور التاريخي، والفكرة العقدية.
الإسلام قادم
أثابكم الله
سؤالي: هل يقصد الصوفية بـ " الفقراء" وكلمة " الدراويش" ناس معينين منهم؟
أ.د.لطف الله عبد العظيم خوجه
يقصدون بهم فئة معينة؛ فالفقراء الذين آثروا الفقر وغلب عليهم، ومنهم الدراويش، وهم بسطاء الحال، وهي كلمة فارسية "دريهو" بمعنى المعوز، كانوا يطرقون الأبواب طلبا للإحسان.