-
التعليق الصوتي على الورد الثامن
بصوت الكاتب
10700:00
فمما قيل في تحريم تتبّع رخص الفقهاء :
قال سليمان التيمي : « إن أخذت برخصةِ كلِّ عالِم اجتمَع فيك الشرُّ كلُّه ».
قال ابن عبد البر معلّقًا : « هذا إجماعٌ لا أعلمُ فيه خلافًا ».
[ جامع بيان العلم وفضله ١٨٥/٢ ]
قال إبراهيم بن أبي علية : « من تبع شواذَّ العلم ضلَّ ».
[ ذيل مذكرة الحفاظ ١٨٧ ]
وقال الأوزاعي : « من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام ».
[ سير أعلام النبلاء ١٢٥/٧ ]
من مواقف السلف الدالة على شديد تعظيمهم للوحي وتعزير من أبدى معارضة ما يلي :
من: 219 — إلى: 219
عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : " لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها ". قال : فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . قال : فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله ﷺ وتقول والله لنمنعهن! [ رواه مسلم ٤٤٢ ]
عن أبي المخارق قال : ذكر عبادة بن الصامت رضي الله عنه : " أن النبي ﷺ نهى عن درهمين بدرهمٍ " فقال فلانٌ : ما أرى بهذا بأسًا يدًا بيدٍ ، فقال عبادة : أقول قال النبي ﷺ وتقول لا أرى به بأسًا ، والله لا يظلني وإياك سقفٌ أبدًا! [ رواه الدارمي ٤٥٧ ]
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : تمتع النبي ﷺ ، فقال عروة بن الزبير نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عباس : ما يقول عرية ، قال : يقول : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون أقول قال النبي ﷺ ويقول نهى أبو بكر وعمر! [ رواه أحمد ٣٣٧/١ (٣١٢١) ]
عن الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي وسأله رجل عن مسألة فقال : يروى فيها كذا وكذا عن النبي ﷺ ، فقال له السائل : يا أبا عبد الله تقول به ؟ فرأيت الشافعي أرعد وانتقص ، فقال : يا هذا ، أي أرض تقلني ، وأي سماء تظلني ، إذا رويت عن النبي ﷺ حديثًا فلم أقل به ؟ نعم على السمع والبصر ، نعم على السمع والبصر . [ الفقيه والمتفقه ٣٨٨/١ ]
عن الربيع قال : سمعت الشافعي ، وقد روى حديثًا فقال له بعض من حضر : تأخذ بهذا ؟ فقال : إذا رويت عن النبي ﷺ حديثًا صحيحًا فلم آخذ به فأنا أشهدكم أن عقلي قد ذهب ، ومد يديه . [ الفقيه والمتفقه ٣٨٨/١ ]
قال الإمام أحمد لأحمد بن الحسن : ألا تعجب ، يقال للرجل : قال رسول الله ﷺ فلا يقنع ، وقال فلان فيقنع! [ أصول الفقه لابن مفلح ١٥٧٢/٤ ]
قال رجل لأحمد : إن ابن المبارك قال كذا ، قال : إن ابن المبارك لم ينزل من السماء! [ أصول الفقه لابن مفلح ١٥٧٣/٤ ]
وقال الحميدي : روى الشافعي يومًا حديثًا ، فقلت : أتأخذ به ؟ فقال : رأيتني خرجت من كنيسة ، أو علي زنار ، حتى إذا سمعت عن رسول الله ﷺ حديثًا لا أقول به ؟!
[ سير أعلام النبلاء ٣٤/١٠ ]
أحوال السّلف في تعظيم الفُتيا
من: 219 — إلى: 219
قال ابن الجوزي : "بلغني عن بعض مشايخنا أنه أفتى رجلاً من قرية بينه وبينها أربعة فراسخ ، فلما ذهب الرجل ، تفكر، فعلم أنه أخطأ فمشى إليه فأعلمه أنه أخطأ ، فكان بعد ذلك إذا سئل عن مسألة توقف ، وقال : مافيَّ قوة أمشي أربعة فراسخ" !
[ تعظيم الفتيا لابن الجوزي 92 ]
وقال ابن مسعود :
( من كان عنده علم فليقل به ، ومن لم يكن عنده علم فليقل : الله أعلم ، فإن الله قال لنبيه : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } .
[ إعلام الموقعين (2/185) ]
بعد لحوق النبي عليه السلام بالرفيق الأعلى ، واتساع الدولة الإسلامية ، وتفرّق الصحابة في الأمصار، وظهور وقائع جديدة لم تكن على عهده عليه السلام، بدأ الخلاف بين الصحابة في كثير من المسائل الشرعية، وتوزّعت مدارسهم في الأمصار، غير أن هذا الخلاف على اتساعه وتنوّعه، بقي محصوراً في الفروع الفقهية والأحكام التفصيلية، ولم يصل إلى أصول الدين أو قطعياته أو الإنقياد للنص الشرعي.
ص/215
فحفظ الفتيا حفظٌ للدين، وحين تختل الفتيا يضل الناس، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : "سمعت رسول الله صلى الله عليه ويسلم يقول : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".
[أخرجه البخاري باب كيف يقبض العلم 1 /32 ، ومسلم باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن آخر الزمان 2058/4]
التسليم للنص الشرعي، د. فهد العجلان ص219.
قال الخليل: "إن الرجل ليسأل عن المسألة ويعجل في الجواب فيصيب فأذمه، ويسأل عن المسألة فيتثبت فيخطئ فأحمده".
[أدب المفتي والمستفتي ص82]
التسليم للنص الشرعي، د. فهد العجلان ص221.
ونختم هذا العنوان بحال هذه الفتيا مع أحد أساطينها الكبار ، وهو الإمام مالك، وندع المقام لعلمٍ من أعلام المالكية (أبو إسحاق الشاطبي)يحدثّنا عن موقف مهيب من حال مالك مع الفتيا:
"قال مالك بن أنس: ربما وردت علي المسألة تمنعني من الطعام والشراب والنوم... وقال: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن.
وقال: ربما وردت علي المسألة فأفكر فيها ليالي.
وكان إذا سئل عن المسألة قال للسائل: انصرف حتى أنظر فيها فينصرف ويردد فيها، فقيل له في ذلك فبكى، وقال: إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم....
وكان يقول: من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنة والنار وكيف يكون خلاصه في الآخرة ثم يجيب.
وقال بعضهم: لكأنما مالك –والله- إذا سئل عن مسألة واقف بين الجنة والنار.
وقال : ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام، لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه في بلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام فيه والفتيا، ولو وقفوا على ما يصيرون إليه غداً لقللوا من هذا....
وسأله آخر فلم يجبه فقال: يا أبا عبد الله أجبني. فقال: ويحك تريد أن تجعلني حجة بينك وبين الله؟ فأحتاج أنا أولاً أن أنظر كيف خلاصي ثم أخلصك..."
[الموافقات 632/4-634]
التسليم للنص الشرعي، د. فهد العجلان ص224.
أجمع العلماء على رفض تقديم أي شيء من رأي أو اجتهاد أو عقل أو مصلحة على النص الشرعي:
فقالوا : الخبر يقدّم على الاجتهاد إجماعًا .
وقالوا : ويسقط الاجتهاد عند ظهور النص إجماعًا .
التسليم للنص الشرعي، د. فهد العجلان ص227.
قال ابن عبد البر : "الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله".
[جامع بيان العلم وفضله 115/2]
التسليم للنص الشرعي، ص227.
قال ابن حزم رحمه الله: "ولو أن امرَأً لا يأخذ إلا بما أجمعت عليه الأمة فقط، ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص، لكان فاسقاً بإجماع الأمة".
[الإحكام في أصول الأحكام 290/2-291]
التسليم للنص الشرعي، د. فهد العجلان ص228.
ولأجل هذا الأصل المتقرّر في أن الحجة في النصّ الشرعي وأن الخلاف فيه ليس حجة شرعية ولا عذرًا، فقد حذّر العلماء من زلّة العالم، وهي الفتوى التي أخطأ فيها العالم، فلم يكن خلافه حجة وتوسعة، بل بالغوا في التحذير منها حتى شبّهوا زلّة العالم بانكسار السفينة قال عبد الله بن المعتزّ: زلة العالم كانكسار السفينة تغرق ويغرق معها خلق كثير.
وقال سلمان: كيف أنتم عند ثلاث زلة عالم وجدال منافق بالقرآن ودنيا تقطع أعناقكم؟
وقال معاذ:يا معشر العرب، كيف تصنعون بثلاث: دنيا تقطع أعناقكم، وزلة عالم، وجدال منافق بالقرآن.
فقد كان من فقه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أن حذروا من زلة العالم وحكموا عليها بأنها هدم للدين وبيّنوا ما فيها من خطر؛ لأنّ العالم وإن كان معذورًا في زلّته وخطئه إلا أنّ ذلك سيكون سبباً للإضرار والإضعاف للنصّ الشرعي.
ولأجل ذلك نصّ العلماء على القاعدة الشهيرة المتكررة في مؤلفاتهم: "يحرم التساهل في الفتوى واستفتاء من عرف بذلك".
والوسط هو في مراعاة خلاف الفقهاء فيما لا يخالف الدليل ولا يضعف أصل التسليم والانقياد للدليل الشرعي، فمن كان مجتهداً فيتبع أرجح ما يراه موافقًا للدليل، ومن لم يكن قادرًا على الاجتهاد فيتبع من يثق في علمه، ولا يتمسك أحد بأي قول وهو يعلم أن ثم دليلًا مخالفًا له أرجح منه.
التسليم للنص الشرعي، د. فهد العجلان ص233.
النُّهى
' إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تؤتى رُخصُه كما يُحِبُّ أنْ تؤتى عزائِمه " ممكن توضيح المقصود بالرخصة الواردة في هذا الحديث والفرق بينها وبين تتبع الرخص المنهي عنها من فتاوى العلماء ؟ ص 234
أ.د. فهد بن صالح العجلان
المقصود بالرخص هنا هي التيسيرات الواردة في الشريعة، كالرخصة للمسافر أن يقصر الصلاة ويفطر، والرخصة في التيمم، فهي أحكام شرعية يسرت فيها الشريعة.
وأما تتبع الرخص فهي تتبع تسهيلات العلماء، وهي ليست نصوصًا أو أحكامًا شرعية، إنما اجتهادات منهم قد تكون سائغة في الفقه لكنها ليست في مقام ترخيص شرعي، فمن يتتبعها دائمًا لا يكون متابعاً لمقصود الشريعة بل يبحث عن الأسهل دائمًا بخلاف ما يحب الله أن يؤتى، فهذه رخص شرعية نص الشارع عليها.
مريم إبراهيم
قال ابن المنير: ( يلزمه اتباع أحد المذاهب الأربعة ....) ص 239 على هذا القول لو وجدت قولاً أرجح في مذهب غير مذهبي فهل يصح لي اتباعه ؟
أ.د. فهد بن صالح العجلان
القول بلزوم اتباع أحد المذاهب الأربعة كما قال ابن المنير مسألة تختلف عن حكم الانتقال في مسألة من مذهب إلى مذهب، فبعضهم لا يجيزه وأظن الأكثر منهم يجيزه.