حركة العصر الجديد - مفهومها ونشأتها وتطبيقاتها

الأوراد/ الورد الثالث (٩٢ - ١٢٦)

هذا ملخص يتضمن أهم النقاط الرئيسية والأفكار المهمة؛ لذا هو لا يغني عن الكتاب، صممناه لكم بشكل مريح يساعد على ترتيب المعلومة وفهمها

  • تفريغ توضيح الورد الثالث بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته استكمالاً لما كنا نتحدث عنه حول (أبرز مصادر الباطنية لحركة العصر الجديد) نتم اليوم بعض المصادر الأخرى لتلك العقائد. كما ذكرنا أن حركة العصر الجديد تعتبر من الحركات الانتقائية التلفيقية بمعنى أنها تنتقي العقائد من الاتجاهات والديانات والثقافات المختلفة ثم تكوّن مذهب جديد يعتبر مذهب ملفق من تلك المعتقدات. ورغم أن الحركة تعتبر مصادرها شرقية بالدرجة الأولى إلا أنها تأثرت أيضًا بالفلسفات اليونانية والثقافة الغربية بشكل عام, والإغريق اشتهروا بأمور كثيرة لعل من أبرزها الحكايات الأسطورية حول الآلهة اليونانية وكذلك اشتهروا بالفلسفة اليونانية العقلانية المنطقية. لكن ثمة اتجاهات أخرى داخل الثقافة اليونانية أسهمت وأثرت في بناء المعتقدات لدى حركة العصر الجديد ومن ذلك الجانب الطبيعي في الديانة اليونانية بحيث تأثرت الحركة بما يعرف بتعظيم وتأليه الطبيعة في الديانة اليونانية. طبعًا مسألة تأليه وتعظيم الطبيعة ليس مأخوذًا فقط من عند اليونان بل هو موجود حتى في بعض الديانات الصينية الشعبية من تلك التي أثرت في حركة العصر الجديد, فمسألة التأثر بتعظيم الطبيعة مأخوذ ومنتقى من ثقافات متعددة , لكنه موجود في الثقافة الإغريقية. أضيفي إلى ذلك ما كان يُعرَف بالديانات السرية المتفرعة عن الديانات الوثنية اليونانية وكانت تعتقد بالمعتقدات الباطنية ذاتها من تأليه النفس والاعتقاد بأن الإنسان في أصله إله وسعيه إلى العودة إلى تلك الطبيعة الإلهية, لكن الفلسفة اليونانية العقلانية أتت متأخرة على هذه الديانات الوثنية والأساطير الإغريقية المعروفة وهي ربما تعتبر الجانب الأقل تأثيرًا في حركة العصر الجديد؛ لأن حركة العصر الجديد ليست حركة منطقية ولا حركة عقلانية بل هي حركة حدسية, حركة روحانية بعيدة جدًا عن الجانب المنطقي والجانب العقلاني, لكن حقيقةً حتى هذه الفلسفات العقلانية لم تسلم من التيارات أو النزعات الباطنية في داخلها, ولذلك هذه النزعات الباطنية هي التي ربما تكون من المؤثرات في حركة العصر الجديد. حقيقة لا أستطيع أن أقول أن التيارات الباطنية في الفلسفة اليونانية تعتبر مصدر رئيس للعقائد الباطنية في الحركة لكنها تعتبر مصدر مساند وليست مصدرًا غائبًا بمعنى أنه ستجد في طرح رواد الحركة إشارات إلى فلاسفة اليونان وإشارات إلى بعض أقوالهم فثمة نوع وأثر لكننا لا نستطيع أن نعُد الفلسفة اليونانية من المصادر الرئيسة من معتقدات الحركة. يقسِّم أكثر الباحثين الثقافة أو الفلسفة اليونانية إلى مرحلتين؛ مرحلة ما قبل سقراط ومرحلة سقراط وتلاميذه من بعده, وربما أبرز الفلاسفة الذين اشتهرو في مرحلة ما قبل سقراط وكانت لديهم نزعة باطنية هو الفيلسوف اليوناني المشهور فيثاغورس, طبعًا فيثاغورس كان من علماء الرياضيات والهندسة وهو مشهور عندنا في كتب الرياضيات له نظريات تدرس إلى يومنا الحاضر, فكان فيثاغورس مهتمًا بالجانب الرياضي والهندسي من الفلسفة أو من العلوم بشكل عام ولكنه كان مهتمًا أيضًا بجوانب الماورائيات والغيببات والأمور السرية, وكان يعتقد أن للأرقام معاني باطنية غير الدلالة على الأعداد ونحو ذلك, فكان فيثاغورس له مدرسة تشبه المدرسة الصوفية في الفلسفة اليونانية وكان له أقوال تشبه إلى حد كبير المعتقدات الشرقية كالقول مثلاً بأن الكون تولّد من مطلق أو القول بتناسخ الأرواح يعني يعتبر فيثاغورس أول من قدم فكرة المطلق للفلسفة اليونانية ولذلك حقيقة لا ينبغي أن يكون ثمة خلط بين الطرح الرياضي النظري لفيثاغورس والطرح الفلسفي الباطني للفيلسوف نفسه. بمعنى لا يمكن أن يقال كل ما يقوله فيثاغورس إنما هو من النظريات العلمية؛ لأنه كان له اهتمام أيضًا بالجوانب الباطنية فيُنظَر في طرحه ويُفحَص تحت أي الاتجاهين يندرِج. بعد ذلك تأتي مرحلة سقراط وتلاميذه من بعده, سقراط حقيقة لم يكن عنده نزعة باطنية ظاهرة لكن يرى بعض الباحثين أن في بعض أطروحاته شيء من الإشارات الباطنية فيما يتعلق بالمثل المجازي المشهور حول الكهف, لكن المؤثِّر الأكبر في التيارات الباطنية الغربية هو تلميذ سقراط المشهور: أفلاطون, وأفلاطون ذكر بعض الباحثين أن لديه نزعات باطنية صوفية لكنها لم تكن هي الغالبة على طرحه لكنها كانت موجودة بخلاف سقراط الذي كان لديه فقط إشارات, فمما يُذكَر عن أفلاطون أنه كان يعتقد مثلاً بتناسق الأرواح أو أنه كان يقول بعالم المُثُل الذي يشبه إلى حد ما المعتقدات الشرقية في الوجود والكون وكونه عبارة عن خيال ليس له وجود إلا في الوعي وكذلك اعتقادُه بأن النفس البشرية تحتوي وتتضمن على طبيعة الإلهية, وإن كانت النزعة الباطنية والصوفية تظهر بشكل أكبر وأوضح في مذهب أفلوطين, أفلوطين هو أيضًا فيلسوف مشهور يصنف ضمن فلاسفة اليونان لكنه يُعتبر صاحب النسخة اليونانية من الغنوصية الشرقية, فمن أبرز معتقدات الأفلاطونية المحدثة المنسوبة إلى أفلوطين: عقيدة وحدة الوجود, عقيدة الفيض، عقيدة تناسق الأرواح, تأليه الذات والمعرفة الغنوصية كلها عقائد مطابقة للفلسفات الشرقية التي تم تناولها في المرات السابقة. أما ما يتعلق بالديانات الكتابية المتمثلة في الديانة اليهودية والديانة النصرانية فأثرها في حركة العصر الجديد إنما هو عن طريق التيارات الباطنية داخل تلك الديانات؛ لأنه في الديانات الكتابية توجد بعض التيارات التي تكون تحمل الطابع الباطني وتحمل الطابع الصوفي وإن كانت تنتسب إلى تلك الديانات، تمامًا كما هو موجود عندنا في الإسلام حيث يوجد عندنا التيار الصوفي المغالي الذي ينتسب إلى الإسلام وهو ليس في الحقيقة منه, فيوجد في الديانة النصرانية التيار الغنوصي الذي يتبنّى المعتقدات الباطنية من تأليه للذات ووحدة الوجود وتأويل النصوص المقدسة في الديانة النصرانية, وكذلك في الديانة اليهودية توجد فرقة القبالا التي تمثّل التوجه الصوفي الباطني في اليهودية. طبعًا لما نتحدث عن هذه التيارات لا بد أن نعلم أنها في حقيقتها هي تكاد تكون متطابقة ولذلك نحن لما نقول أن حركة العصر الجديد تستقي من المصادر المتنوعة والمختلفة ندرِك أنها عندما تأخذ شيء من المصادر إنما تأخذ شيء يتوافق مع المبدأ الرئيس الذي تتبناه وهو جملة المعتقدات الباطنية, ثم ننتقل إلى الاتجاهات الصوفية في الإسلام وأثرها في معتقدات حركة العصر الجديد. الاتجاهات الصوفية أو المعتقدات الصوفية بشكل عام لها أثر واضح وبيّن في فكر الحركة أريد أن أقف ثلاث وقفات مع الصوفية وعلاقتها بالعصر الجديد والروحانيات المُحدَثة. الوقفة الأولى: هي في كون المعتقدات الصوفية والتراث الصوفي بشكل عام من المصادر التي تستقي منها حركة العصر الجديد معتقداتها خاصة في الجوانب الروحية أو الجوانب الروحانية، ربما يظهر ذلك ويبرُز في إحالة كبار رموز الحركة إلى كبار رموز الصوفية, فمثلاً نجد أن ديباك شوبرا يحيل كثيرًا إلى ابن عربي أو إلى الحلاج أو جلال الدين الرومي الذين يُعتبرون من كبار رجال الصوفية وفلاسفتهم الذين يعتقدون أو يقررون عقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد. أوشو لا يُعتَبَر من رموز حركة العصر الجديد ولكنه من الشخصيات المؤثرة في الحركة أو البارزة فيها, تأثرّه بالتيارات الصوفية والمعتقدات الصوفية ظاهر جدًا في كتاباته وفي محاضراته ومقالاته. الجانب الثاني من تعلّق الفكر الصوفي بحركة العصر الجديد يتمثل في نُصرَة الصوفية لهذه العقائد الوافدة للعالم الإسلامي لأنه هي في حقيقتها توافق بشكل كبير معتقداتهم التي يريدون نشرها, فكونه تنتشر معتقدات الحركة في العالم الإسلامي هذه تعتبر خدمة ظاهرة للصوفية ولذلك تجدينهم يؤيدون بشكل واضح المعتقدات والممارسات التي تُنسب للحركة. الجانب الأخير في العلاقة بين حركة العصر الجديد والفكر الصوفي هو تحول كثير من المتبنين لأفكار الحركة ممن كانوا أو نشأوا على اقل تقدير في بيئات سلفية إلى المذهب الصوفي وإن لم يكونوا يصرحوا بذلك لكنهم غلبت عليهم اصطلاحات الصوفية, غلبت عليهم سلوكيات الصوفية, يكثر لديهم الإحالة إلى رموز التصوف وكتبهم ومقالتهم بل التصريح أحيانًا بأن القراءة الصوفية للشريعة الإسلامية هي القراءة الأقرب والأصوب, وهذه نتيجة طبيعية لأن حركة العصر الجديد إنما هي عبارة -كما ذكرنا مِرارًا- عن صورة حديثة للمعتقدات الشرقية الهندوسية والبوذية, والصوفية هي عبارة عن أسلمه للفلسفات الشرقية فإذا أردنا أن نقارن بين أفكار حركة العصر الجديد الوافدة للعالم الإسلامي والتي حاول بعض أبناء المسلمين إضفاء الصفة الإسلامية عليها سنجد أنها إذا أُسلِمت حركة العصر الجديد صارت نسخة جديدة وحديثة من التصوّف ومن ثَمّ فستكون موافقة تمامًا لمعتقدات الصوفية وسيوجد ثمة ارتباط وثيق بين الاتجاهين. أخيرًا من المصادر التي تستقي بها الحركة معتقداتها يمكننا أن نذكر الديانات الوثنية الحديثة وهي عبارة عن صور مجدّدة لديانات كانت موجودة في القارة الأوروبية قبل تنصّرها وانتشار النصرانية فبها, ونجد لها إشارات وإحالات في بعض التطبيقات المنسوبة لحركة العصر الجديد. أبرز هذه الديانات الوثنية المحدَثة هي ما يُعرف بالشامانية, الشامانية تستخدم في الجانب العلاجي في تطبيقات الحركة؛ لأن الشامانية هي عبارة عن ثقافة واسعة عمومًا وليست محدودة بأوروبا إنما هي تقليد ربما يكون وثني عالمي لكن مما يتميز به أن الشامان أو المعالِج يدخل في حالة مغايرة من الوعي ويتواصل مع الأرواح بزعمه ثم في تلك الحالة يستطيع أن يعالِج الناس أو يستطيع أن يشخِّص أمراضهم, فمن الممارسات التي تُنسَب إلى حركة العصر الجديد ما يستخدم ذات الطرق التي كان يستخدمها الشامان في علاجاتهم وفي ممارساتهم. الديانة الأخرى وهي أيضًا ديانة مهمة أثرت بشكل ظاهر على تطبيقات الحركة وهي ديانة الويكا, ديانة الويكا هي عبارة عن ديانة قائمة على السحر, فهي ديانة تحاول تطبيع السحر وتقديم السحر على أنه أمر محايد ممكن أن يوظّف في الخير فيكون خيرًا وممكن أن يوظّف في الشر فيكون شرًا, فكان في بعض الأطروحات الإعلامية المتأثرة بالحركة وبعض رموزها ورجالاتها ممن تأثر بشكل ظاهر بهذه الديانة. الديانه الأخيرة هي الديانة الدرويدية, تشبه إلى حد كبير ديانة الوكيا ولكنها تتميز بتعظيم الطبيعة وتقديسها وكذلك بتعظيم الأسلاف وعبادتهم, ويُذكَر أن أصحابها يعتقدون بتناسخ الأرواح مما يُشبه بعض المعتقدات الشرقيه. وبهذا نكون انتهينا من أبرز المصادر لمعتقدات حركة العصر الجديد وسننقل بإذن الله في النصاب القادم إلى الفلسفات التي مهدت لظهور أفكار الحركة للعالم الغربي.
    لم ينشر المقطع الصوتي

    التفريغ بالأسفل

    2
    00:00
تفريغ توضيح الورد الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استكمالاً لما كنا نتحدث عنه حول (أبرز مصادر الباطنية لحركة العصر الجديد) نتم اليوم بعض المصادر الأخرى لتلك العقائد.
كما ذكرنا أن حركة العصر الجديد تعتبر من الحركات الانتقائية التلفيقية بمعنى أنها تنتقي العقائد من الاتجاهات والديانات والثقافات المختلفة ثم تكوّن مذهب جديد يعتبر مذهب ملفق من تلك المعتقدات. ورغم أن الحركة تعتبر مصادرها شرقية بالدرجة الأولى إلا أنها تأثرت أيضًا بالفلسفات اليونانية والثقافة الغربية بشكل عام, والإغريق اشتهروا بأمور كثيرة لعل من أبرزها الحكايات الأسطورية حول الآلهة اليونانية وكذلك اشتهروا بالفلسفة اليونانية العقلانية المنطقية. لكن ثمة اتجاهات أخرى داخل الثقافة اليونانية أسهمت وأثرت في بناء المعتقدات لدى حركة العصر الجديد ومن ذلك الجانب الطبيعي في الديانة اليونانية بحيث تأثرت الحركة بما يعرف بتعظيم وتأليه الطبيعة في الديانة اليونانية.
طبعًا مسألة تأليه وتعظيم الطبيعة ليس مأخوذًا فقط من عند اليونان بل هو موجود حتى في بعض الديانات الصينية الشعبية من تلك التي أثرت في حركة العصر الجديد, فمسألة التأثر بتعظيم الطبيعة مأخوذ ومنتقى من ثقافات متعددة , لكنه موجود في الثقافة الإغريقية.
أضيفي إلى ذلك ما كان يُعرَف بالديانات السرية المتفرعة عن الديانات الوثنية اليونانية وكانت تعتقد بالمعتقدات الباطنية ذاتها من تأليه النفس والاعتقاد بأن الإنسان في أصله إله وسعيه إلى العودة إلى تلك الطبيعة الإلهية, لكن الفلسفة اليونانية العقلانية أتت متأخرة على هذه الديانات الوثنية والأساطير الإغريقية المعروفة وهي ربما تعتبر الجانب الأقل تأثيرًا في حركة العصر الجديد؛ لأن حركة العصر الجديد ليست حركة منطقية ولا حركة عقلانية بل هي حركة حدسية, حركة روحانية بعيدة جدًا عن الجانب المنطقي والجانب العقلاني, لكن حقيقةً حتى هذه الفلسفات العقلانية لم تسلم من التيارات أو النزعات الباطنية في داخلها, ولذلك هذه النزعات الباطنية هي التي ربما تكون من المؤثرات في حركة العصر الجديد.
حقيقة لا أستطيع أن أقول أن التيارات الباطنية في الفلسفة اليونانية تعتبر مصدر رئيس للعقائد الباطنية في الحركة لكنها تعتبر مصدر مساند وليست مصدرًا غائبًا بمعنى أنه ستجد في طرح رواد الحركة إشارات إلى فلاسفة اليونان وإشارات إلى بعض أقوالهم فثمة نوع وأثر لكننا لا نستطيع أن نعُد الفلسفة اليونانية من المصادر الرئيسة من معتقدات الحركة.
يقسِّم أكثر الباحثين الثقافة أو الفلسفة اليونانية إلى مرحلتين؛ مرحلة ما قبل سقراط ومرحلة سقراط وتلاميذه من بعده, وربما أبرز الفلاسفة الذين اشتهرو في مرحلة ما قبل سقراط وكانت لديهم نزعة باطنية هو الفيلسوف اليوناني المشهور فيثاغورس, طبعًا فيثاغورس كان من علماء الرياضيات والهندسة وهو مشهور عندنا في كتب الرياضيات له نظريات تدرس إلى يومنا الحاضر, فكان فيثاغورس مهتمًا بالجانب الرياضي والهندسي من الفلسفة أو من العلوم بشكل عام ولكنه كان مهتمًا أيضًا بجوانب الماورائيات والغيببات والأمور السرية, وكان يعتقد أن للأرقام معاني باطنية غير الدلالة على الأعداد ونحو ذلك, فكان فيثاغورس له مدرسة تشبه المدرسة الصوفية في الفلسفة اليونانية وكان له أقوال تشبه إلى حد كبير المعتقدات الشرقية كالقول مثلاً بأن الكون تولّد من مطلق أو القول بتناسخ الأرواح يعني يعتبر فيثاغورس أول من قدم فكرة المطلق للفلسفة اليونانية ولذلك حقيقة لا ينبغي أن يكون ثمة خلط بين الطرح الرياضي النظري لفيثاغورس والطرح الفلسفي الباطني للفيلسوف نفسه.
بمعنى لا يمكن أن يقال كل ما يقوله فيثاغورس إنما هو من النظريات العلمية؛ لأنه كان له اهتمام أيضًا بالجوانب الباطنية فيُنظَر في طرحه ويُفحَص تحت أي الاتجاهين يندرِج.
بعد ذلك تأتي مرحلة سقراط وتلاميذه من بعده, سقراط حقيقة لم يكن عنده نزعة باطنية ظاهرة لكن يرى بعض الباحثين أن في بعض أطروحاته شيء من الإشارات الباطنية فيما يتعلق بالمثل المجازي المشهور حول الكهف, لكن المؤثِّر الأكبر في التيارات الباطنية الغربية هو تلميذ سقراط المشهور: أفلاطون, وأفلاطون ذكر بعض الباحثين أن لديه نزعات باطنية صوفية لكنها لم تكن هي الغالبة على طرحه لكنها كانت موجودة بخلاف سقراط الذي كان لديه فقط إشارات, فمما يُذكَر عن أفلاطون أنه كان يعتقد مثلاً بتناسق الأرواح أو أنه كان يقول بعالم المُثُل الذي يشبه إلى حد ما المعتقدات الشرقية في الوجود والكون وكونه عبارة عن خيال ليس له وجود إلا في الوعي وكذلك اعتقادُه بأن النفس البشرية تحتوي وتتضمن على طبيعة الإلهية, وإن كانت النزعة الباطنية والصوفية تظهر بشكل أكبر وأوضح في مذهب أفلوطين, أفلوطين هو أيضًا فيلسوف مشهور يصنف ضمن فلاسفة اليونان لكنه يُعتبر صاحب النسخة اليونانية من الغنوصية الشرقية, فمن أبرز معتقدات الأفلاطونية المحدثة المنسوبة إلى أفلوطين: عقيدة وحدة الوجود, عقيدة الفيض، عقيدة تناسق الأرواح, تأليه الذات والمعرفة الغنوصية كلها عقائد مطابقة للفلسفات الشرقية التي تم تناولها في المرات السابقة.
أما ما يتعلق بالديانات الكتابية المتمثلة في الديانة اليهودية والديانة النصرانية فأثرها في حركة العصر الجديد إنما هو عن طريق التيارات الباطنية داخل تلك الديانات؛ لأنه في الديانات الكتابية توجد بعض التيارات التي تكون تحمل الطابع الباطني وتحمل الطابع الصوفي وإن كانت تنتسب إلى تلك الديانات، تمامًا كما هو موجود عندنا في الإسلام حيث يوجد عندنا التيار الصوفي المغالي الذي ينتسب إلى الإسلام وهو ليس في الحقيقة منه, فيوجد في الديانة النصرانية التيار الغنوصي الذي يتبنّى المعتقدات الباطنية من تأليه للذات ووحدة الوجود وتأويل النصوص المقدسة في الديانة النصرانية, وكذلك في الديانة اليهودية توجد فرقة القبالا التي تمثّل التوجه الصوفي الباطني في اليهودية.
طبعًا لما نتحدث عن هذه التيارات لا بد أن نعلم أنها في حقيقتها هي تكاد تكون متطابقة ولذلك نحن لما نقول أن حركة العصر الجديد تستقي من المصادر المتنوعة والمختلفة ندرِك أنها عندما تأخذ شيء من المصادر إنما تأخذ شيء يتوافق مع المبدأ الرئيس الذي تتبناه وهو جملة المعتقدات الباطنية, ثم ننتقل إلى الاتجاهات الصوفية في الإسلام وأثرها في معتقدات حركة العصر الجديد.
الاتجاهات الصوفية أو المعتقدات الصوفية بشكل عام لها أثر واضح وبيّن في فكر الحركة أريد أن أقف ثلاث وقفات مع الصوفية وعلاقتها بالعصر الجديد والروحانيات المُحدَثة.
الوقفة الأولى: هي في كون المعتقدات الصوفية والتراث الصوفي بشكل عام من المصادر التي تستقي منها حركة العصر الجديد معتقداتها خاصة في الجوانب الروحية أو الجوانب الروحانية، ربما يظهر ذلك ويبرُز في إحالة كبار رموز الحركة إلى كبار رموز الصوفية, فمثلاً نجد أن ديباك شوبرا يحيل كثيرًا إلى ابن عربي أو إلى الحلاج أو جلال الدين الرومي الذين يُعتبرون من كبار رجال الصوفية وفلاسفتهم الذين يعتقدون أو يقررون عقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد.
أوشو لا يُعتَبَر من رموز حركة العصر الجديد ولكنه من الشخصيات المؤثرة في الحركة أو البارزة فيها, تأثرّه بالتيارات الصوفية والمعتقدات الصوفية ظاهر جدًا في كتاباته وفي محاضراته ومقالاته.
الجانب الثاني من تعلّق الفكر الصوفي بحركة العصر الجديد يتمثل في نُصرَة الصوفية لهذه العقائد الوافدة للعالم الإسلامي لأنه هي في حقيقتها توافق بشكل كبير معتقداتهم التي يريدون نشرها, فكونه تنتشر معتقدات الحركة في العالم الإسلامي هذه تعتبر خدمة ظاهرة للصوفية ولذلك تجدينهم يؤيدون بشكل واضح المعتقدات والممارسات التي تُنسب للحركة.
الجانب الأخير في العلاقة بين حركة العصر الجديد والفكر الصوفي هو تحول كثير من المتبنين لأفكار الحركة ممن كانوا أو نشأوا على اقل تقدير في بيئات سلفية إلى المذهب الصوفي وإن لم يكونوا يصرحوا بذلك لكنهم غلبت عليهم اصطلاحات الصوفية, غلبت عليهم سلوكيات الصوفية, يكثر لديهم الإحالة إلى رموز التصوف وكتبهم ومقالتهم بل التصريح أحيانًا بأن القراءة الصوفية للشريعة الإسلامية هي القراءة الأقرب والأصوب, وهذه نتيجة طبيعية لأن حركة العصر الجديد إنما هي عبارة -كما ذكرنا مِرارًا- عن صورة حديثة للمعتقدات الشرقية الهندوسية والبوذية, والصوفية هي عبارة عن أسلمه للفلسفات الشرقية فإذا أردنا أن نقارن بين أفكار حركة العصر الجديد الوافدة للعالم الإسلامي والتي حاول بعض أبناء المسلمين إضفاء الصفة الإسلامية عليها سنجد أنها إذا أُسلِمت حركة العصر الجديد صارت نسخة جديدة وحديثة من التصوّف ومن ثَمّ فستكون موافقة تمامًا لمعتقدات الصوفية وسيوجد ثمة ارتباط وثيق بين الاتجاهين.
أخيرًا من المصادر التي تستقي بها الحركة معتقداتها يمكننا أن نذكر الديانات الوثنية الحديثة وهي عبارة عن صور مجدّدة لديانات كانت موجودة في القارة الأوروبية قبل تنصّرها وانتشار النصرانية فبها, ونجد لها إشارات وإحالات في بعض التطبيقات المنسوبة لحركة العصر الجديد.
أبرز هذه الديانات الوثنية المحدَثة هي ما يُعرف بالشامانية, الشامانية تستخدم في الجانب العلاجي في تطبيقات الحركة؛ لأن الشامانية هي عبارة عن ثقافة واسعة عمومًا وليست محدودة بأوروبا إنما هي تقليد ربما يكون وثني عالمي لكن مما يتميز به أن الشامان أو المعالِج يدخل في حالة مغايرة من الوعي ويتواصل مع الأرواح بزعمه ثم في تلك الحالة يستطيع أن يعالِج الناس أو يستطيع أن يشخِّص أمراضهم, فمن الممارسات التي تُنسَب إلى حركة العصر الجديد ما يستخدم ذات الطرق التي كان يستخدمها الشامان في علاجاتهم وفي ممارساتهم.
الديانة الأخرى وهي أيضًا ديانة مهمة أثرت بشكل ظاهر على تطبيقات الحركة وهي ديانة الويكا, ديانة الويكا هي عبارة عن ديانة قائمة على السحر, فهي ديانة تحاول تطبيع السحر وتقديم السحر على أنه أمر محايد ممكن أن يوظّف في الخير فيكون خيرًا وممكن أن يوظّف في الشر فيكون شرًا, فكان في بعض الأطروحات الإعلامية المتأثرة بالحركة وبعض رموزها ورجالاتها ممن تأثر بشكل ظاهر بهذه الديانة.
الديانه الأخيرة هي الديانة الدرويدية, تشبه إلى حد كبير ديانة الوكيا ولكنها تتميز بتعظيم الطبيعة وتقديسها وكذلك بتعظيم الأسلاف وعبادتهم, ويُذكَر أن أصحابها يعتقدون بتناسخ الأرواح مما يُشبه بعض المعتقدات الشرقيه.
وبهذا نكون انتهينا من أبرز المصادر لمعتقدات حركة العصر الجديد وسننقل بإذن الله في النصاب القادم إلى الفلسفات التي مهدت لظهور أفكار الحركة للعالم الغربي.
لا يوجد مناقشات

لا يوجد اقتباسات
  • مريم إبراهيم
    مريم إبراهيم

    ما المراد بالتوجه الباطني والتوجه الفلسفي إذا افترقا ص ٩٣، وإذا اجتمعا مثل: (خالية من الفكر
    الفلسفي الباطني) ص١٠٧، (التصوف الفلسفي الباطني) ص١١١

    0
    • د.هيفاء بنت ناصر الرشيد
      د.هيفاء بنت ناصر الرشيد

      ص ٩٣ التوجه الفلسفي هنا هو الفلسفة العقلية اليونانية، وهي تختلف عن التوجه الباطني، وإن كان في الفلسفة اليونانية بعض التوجهات الباطنية - لكن ليس هذا هو توجهها العام.
      ص ١٠٧، ١١١ المراد الفلسفة الباطنية، في مقابل الفلسفة العقلية.

      0
    • أظهر المزيد من الردود