-
تفريغ توضيح الورد الثامن استكمالاً لما كنا نتحدث عنه في اللقاءات السابقة حول عقائد حركة العصر الجديد، نتحدث اليوم عن عقيدة مهمة جدًا من عقائد الحركة، وهي عقيدة الحركة والتيارات الباطنية والروحانية بشكل عام في الإنسان، ودور الإنسان في تشكيل واقعه وخلق أقداره والتصرف بالكون من عدمه. وبدايةً نستعرض مكانة الإنسان في الإسلام، فإن الله عز وجل قد كرم بني آدم، وهناك تكريم عام لبني آدم عمومًا وللبشر عمومًا وهناك تكريم خاص للمسلم وللمؤمن؛ فأما الإكرام العام فيتمثل في إكرام الإنسان في خلقته وأنه خلقه على هيئة كريمة، وإكرام الإنسان في أن وهبه المشيئة والاختيار والعقل الذي به يميز بين الحق والباطل، وإكرامه بأن سخر له المخلوقات فالله سبحانه وتعالى سخّر للإنسان ما في هذه الأرض من حيوان ونبات ويسر له الاستفادة مما فيها من معادن ومن خيرات، لكن الكرامة الحقيقية إنما هي كرامة الإنسان بالإسلام، وهي التي تميز بين الحق والباطل وبين المؤمن وبين الكافر وبين الإنسان الذي ينجو ويسعد في الدنيا والآخرة وبين الإنسان الذي يشقى في الدنيا والآخرة. فهذه هي الكرامة الحقيقية، أما الكرامة الأخرى فتزول بالموت ولا يبقى منها شيء ويكون الإنسان الذي كان مكرمًا مهانًا في الآخرة، لكن الكرامة الحقيقية هي الكرامة التي تستمر إلى الدار الآخرة. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى". لكن المسلم يتوسط في معتقده، فإذا ظنَّ أن الإنسان مكرَّم فإنه يعلم أن لهذه الكرامة حد، وأن كرامته هذه لا تجعله يتجاوز حد العبودية، بل إنه لو تجاوز هذه العبودية لرده الله عز وجل أسفل سافلين ولزالت هذه الكرامة التي جعلها الله عز وجل مقترنةً بالإيمان. بعد ذلك يمكننا الانتقال إلى نقطة أخرى فيما يتعلق بالإنسان، وهو الحديث عن دور الإنسان في تشكيل الواقع -إن صح التعبير- ويتمثل ذلك في أربعة نقاط: النقطة الأولى: دوره في تحقيق النجاح. الثانية: دوره في تحقيق الشفاء. الثالثة: هي الجمع بين العمل والتوكل. وكلها تدور حول أن الإنسان مأمور بفعل الأسباب وأن الأسباب مؤثرة حقيقة ولكنها لا تؤثر إلا بإذن من الله عز وجل وبأمر منه تبارك و تعالى, وأن فعل السبب لا يتنافى مع التوكل وأن التوكل لا يعني ترك الأسباب. أما يتعلق بدور الإنسان في تحديد مصيره الأخروي فلا بد أن يقرر فيه بأن النجاة الأخروية مرتبطة بأخذ الأسباب الدنيوية، يعني أن الإنسان إنما ينجو في الآخرة إذا فعل بأسباب النجاة في الدنيا، ولا يمكن أن تتحقق النجاة الأخروية إلا بفعل هذه الأسباب. فإذا قيل، كيف تنضبط هذه الأسباب وكيف نعرف ما هي الأسباب التي تكون طريقة إلى النجاة الأخروية علمنا أن هذه الأسباب لا يمكن أن تُعرَف إلا باتباع الرسل؛ لأنه سيأتي معنا بعد قليل عند الحديث عن معتقدات حركة العصر الجديد أن الطرق التي يرونها سبلاً للنجاة مختلفة تمامًا عن الطريقة الشرعية باتباع الرسل، بل يرون أن كل إنسان يستطيع أن يعرف أو يحصل على هذه المعارف من الوحي الداخلي أو عن طريق الكشوف الإلهامات ونحو ذلك، بينما عند المسلمين الطريق الوحيد لمعرفة ما يريده الله عز وجل وما يرضي الله عز وجل هو عن طريق ما أخبر الله به رسله. أمر آخر في هذا السياق أن الإيمان يتضمن قول وعمل وأن الإيمان والعمل أمرين مرتبطين لا يمكن أن ينفك أحدهما عن الآخر، وهذا بلا شك مخالف لما يقوله أتباع الباطنية الحديثة وأتباع حركة العصر الجديد؛ لأنهم يعتبرون الطقوس الدينية والعبادات إنما هي قشور وإنما هي مظاهر، بل يعتبرونها من العوائق التي تعيق الإنسان من تحقيق الاستنارة أو تحقيق الإشراق الذي هو ما يعبّرون به عن النجاة. النقطة الأخيرة: هي أن الإنسان له مشيئة واختيار فهو ليس مجبرًا على ما يفعله وإنما قد أودع الله عز وجل فيه القدرة على التمييز والاختيار، لكن هذه القدرة على التمييز وعلى الاختيار وعلى المشيئة إنما هي داخلة تحت مشيئة الرب. طبعًا الكلام في مسألة القدر والعلاقة بين مشيئة الرب ومشيئة العبد يطول فيها الكلام، يُرجع فيها -إن لم يكن الكلام في الكتاب شافٍ لهذا الجانب- للكتب التي تكلمت عن موضوع القدر تحديدًا. أما مكانة الإنسان عند حركة العصر الجديد فهي تختلف تمامًا عن المكانة الحقيقية للإنسان، فالإنسان بالنسبة للحركة إنما هو إله في الحقيقة، وهذا نابع من عقيدتهم بوحدة الوجود، ولذلك نجد أنهم يقررون في مواضع مختلفة جدًا من مؤلفاتهم ومن برامجهم أن الإنسان لديه قدرات غير محدودة، وأن لديه قدرة على تشكيل واقعه وأقداره. هذه المزاعم لما يذكرون لك أن الإنسان له قدرة غير محدودة وأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء، وأنه لديه حكمة وعلم ليس لهما حد كلها نابعة من أصل عقدي يقرر بأن الإنسان هو في حقيقته إله، فهذه المزاعم لم تأت من فراغ وهذه القدرات الخارقة المنسوبة للإنسان لم تأت من فراغ وإنما بُنيت على هذا الأصل الفاسد. مسألة أخرى مهمة جدًا في سياق نظرة حركة العصر الجديد للإنسان هي ما يتعلق بمسألة الخلاص، والخلاص هو عبارة عن التخلص من المعاناة البشرية في منظور العقيدة أو المذهب المعين، فمثلاً في العقيدة الإسلامية بالنسبة لنا الحياة هي دار ابتلاء ويكون في الآخرة عذاب أو ثواب على ما فعلناه في هذه الدنيا، فالخلاص –إن صح التعبير- في المفهوم العقدي الإسلامي هو رضا الله عز وجل ودخول الجنة. المعاناة في الديانات الشرقية يمكن التعبير عنها بتناسخ الأرواح وأن الإنسان محبوس في الطبيعة المادية لا يتحرر منها إلى الطبيعة الإلهية, ومن ثم فيكون الخلاص بالنسبة لهم في الفلسفة الشرقية وما يعتمد عليها من الحركات المتأخرة الباطنية كحركة العصر الجديد، أن الخلاص سيكون بالتحرر من التناسخ أولاً والتحرر من المادة ثانيًا، والتحرر من الخلاص إنما يكون بالإتحاد بالإله أو بالمطلق والتحرر من المادة يكون بإدراك الألوهية الكامنة في الذات البشرية، لكن كيف يتم تحديد الطريقة التي يخلُص بها الإنسان من المعاناة بناءً على هذه الفلسفات، هناك عدة أصول تُبنى عليها عقيدتهم في مسألة الخلاص. فمثلاً يرون أن الإنسان هو المسؤول عن تحديد الطريقة التي يحقق بها الخلاص، فليس بحاجة إلى جهة خارجية تحدد له الطريق الذي يتبعه وإنما الطريق الذي يتبعه ينبع من داخله. كما أن الحركات الباطنية عمومًا وحركة العصر الجديد على وجه الخصوص لا تقر بشيء اسمع جنة، بمعنى لا يوجد شيء عندهم مكان تذهب إليه الروح بعد أن تموت، وإنما الجنة هي عندهم شيء يشبه الحالة النفسية أو الحالة الروحانية التي يمكن للإنسان أن يجدها في داخل نفسه، فهي ليست مكان خارج عن النفس وإنما هي حالة من الوعي فإذا تحققت اعتبر الإنسان نفسه قد أشرق أو استنار أو حقق الخلاص.
لم ينشر المقطع الصوتي
التفريغ بالأسفل
000:00
تفريغ توضيح الورد الثامن
استكمالاً لما كنا نتحدث عنه في اللقاءات السابقة حول عقائد حركة العصر الجديد، نتحدث اليوم عن عقيدة مهمة جدًا من عقائد الحركة، وهي عقيدة الحركة والتيارات الباطنية والروحانية بشكل عام في الإنسان، ودور الإنسان في تشكيل واقعه وخلق أقداره والتصرف بالكون من عدمه.
وبدايةً نستعرض مكانة الإنسان في الإسلام، فإن الله عز وجل قد كرم بني آدم، وهناك تكريم عام لبني آدم عمومًا وللبشر عمومًا وهناك تكريم خاص للمسلم وللمؤمن؛ فأما الإكرام العام فيتمثل في إكرام الإنسان في خلقته وأنه خلقه على هيئة كريمة، وإكرام الإنسان في أن وهبه المشيئة والاختيار والعقل الذي به يميز بين الحق والباطل، وإكرامه بأن سخر له المخلوقات فالله سبحانه وتعالى سخّر للإنسان ما في هذه الأرض من حيوان ونبات ويسر له الاستفادة مما فيها من معادن ومن خيرات، لكن الكرامة الحقيقية إنما هي كرامة الإنسان بالإسلام، وهي التي تميز بين الحق والباطل وبين المؤمن وبين الكافر وبين الإنسان الذي ينجو ويسعد في الدنيا والآخرة وبين الإنسان الذي يشقى في الدنيا والآخرة. فهذه هي الكرامة الحقيقية، أما الكرامة الأخرى فتزول بالموت ولا يبقى منها شيء ويكون الإنسان الذي كان مكرمًا مهانًا في الآخرة، لكن الكرامة الحقيقية هي الكرامة التي تستمر إلى الدار الآخرة. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى". لكن المسلم يتوسط في معتقده، فإذا ظنَّ أن الإنسان مكرَّم فإنه يعلم أن لهذه الكرامة حد، وأن كرامته هذه لا تجعله يتجاوز حد العبودية، بل إنه لو تجاوز هذه العبودية لرده الله عز وجل أسفل سافلين ولزالت هذه الكرامة التي جعلها الله عز وجل مقترنةً بالإيمان.
بعد ذلك يمكننا الانتقال إلى نقطة أخرى فيما يتعلق بالإنسان، وهو الحديث عن دور الإنسان في تشكيل الواقع -إن صح التعبير- ويتمثل ذلك في أربعة نقاط:
النقطة الأولى: دوره في تحقيق النجاح.
الثانية: دوره في تحقيق الشفاء.
الثالثة: هي الجمع بين العمل والتوكل.
وكلها تدور حول أن الإنسان مأمور بفعل الأسباب وأن الأسباب مؤثرة حقيقة ولكنها لا تؤثر إلا بإذن من الله عز وجل وبأمر منه تبارك و تعالى, وأن فعل السبب لا يتنافى مع التوكل وأن التوكل لا يعني ترك الأسباب.
أما يتعلق بدور الإنسان في تحديد مصيره الأخروي فلا بد أن يقرر فيه بأن النجاة الأخروية مرتبطة بأخذ الأسباب الدنيوية، يعني أن الإنسان إنما ينجو في الآخرة إذا فعل بأسباب النجاة في الدنيا، ولا يمكن أن تتحقق النجاة الأخروية إلا بفعل هذه الأسباب.
فإذا قيل، كيف تنضبط هذه الأسباب وكيف نعرف ما هي الأسباب التي تكون طريقة إلى النجاة الأخروية علمنا أن هذه الأسباب لا يمكن أن تُعرَف إلا باتباع الرسل؛ لأنه سيأتي معنا بعد قليل عند الحديث عن معتقدات حركة العصر الجديد أن الطرق التي يرونها سبلاً للنجاة مختلفة تمامًا عن الطريقة الشرعية باتباع الرسل، بل يرون أن كل إنسان يستطيع أن يعرف أو يحصل على هذه المعارف من الوحي الداخلي أو عن طريق الكشوف الإلهامات ونحو ذلك، بينما عند المسلمين الطريق الوحيد لمعرفة ما يريده الله عز وجل وما يرضي الله عز وجل هو عن طريق ما أخبر الله به رسله.
أمر آخر في هذا السياق أن الإيمان يتضمن قول وعمل وأن الإيمان والعمل أمرين مرتبطين لا يمكن أن ينفك أحدهما عن الآخر، وهذا بلا شك مخالف لما يقوله أتباع الباطنية الحديثة وأتباع حركة العصر الجديد؛ لأنهم يعتبرون الطقوس الدينية والعبادات إنما هي قشور وإنما هي مظاهر، بل يعتبرونها من العوائق التي تعيق الإنسان من تحقيق الاستنارة أو تحقيق الإشراق الذي هو ما يعبّرون به عن النجاة.
النقطة الأخيرة: هي أن الإنسان له مشيئة واختيار فهو ليس مجبرًا على ما يفعله وإنما قد أودع الله عز وجل فيه القدرة على التمييز والاختيار، لكن هذه القدرة على التمييز وعلى الاختيار وعلى المشيئة إنما هي داخلة تحت مشيئة الرب.
طبعًا الكلام في مسألة القدر والعلاقة بين مشيئة الرب ومشيئة العبد يطول فيها الكلام، يُرجع فيها -إن لم يكن الكلام في الكتاب شافٍ لهذا الجانب- للكتب التي تكلمت عن موضوع القدر تحديدًا.
أما مكانة الإنسان عند حركة العصر الجديد فهي تختلف تمامًا عن المكانة الحقيقية للإنسان، فالإنسان بالنسبة للحركة إنما هو إله في الحقيقة، وهذا نابع من عقيدتهم بوحدة الوجود، ولذلك نجد أنهم يقررون في مواضع مختلفة جدًا من مؤلفاتهم ومن برامجهم أن الإنسان لديه قدرات غير محدودة، وأن لديه قدرة على تشكيل واقعه وأقداره.
هذه المزاعم لما يذكرون لك أن الإنسان له قدرة غير محدودة وأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء، وأنه لديه حكمة وعلم ليس لهما حد كلها نابعة من أصل عقدي يقرر بأن الإنسان هو في حقيقته إله، فهذه المزاعم لم تأت من فراغ وهذه القدرات الخارقة المنسوبة للإنسان لم تأت من فراغ وإنما بُنيت على هذا الأصل الفاسد.
مسألة أخرى مهمة جدًا في سياق نظرة حركة العصر الجديد للإنسان هي ما يتعلق بمسألة الخلاص، والخلاص هو عبارة عن التخلص من المعاناة البشرية في منظور العقيدة أو المذهب المعين، فمثلاً في العقيدة الإسلامية بالنسبة لنا الحياة هي دار ابتلاء ويكون في الآخرة عذاب أو ثواب على ما فعلناه في هذه الدنيا، فالخلاص –إن صح التعبير- في المفهوم العقدي الإسلامي هو رضا الله عز وجل ودخول الجنة. المعاناة في الديانات الشرقية يمكن التعبير عنها بتناسخ الأرواح وأن الإنسان محبوس في الطبيعة المادية لا يتحرر منها إلى الطبيعة الإلهية, ومن ثم فيكون الخلاص بالنسبة لهم في الفلسفة الشرقية وما يعتمد عليها من الحركات المتأخرة الباطنية كحركة العصر الجديد، أن الخلاص سيكون بالتحرر من التناسخ أولاً والتحرر من المادة ثانيًا، والتحرر من الخلاص إنما يكون بالإتحاد بالإله أو بالمطلق والتحرر من المادة يكون بإدراك الألوهية الكامنة في الذات البشرية، لكن كيف يتم تحديد الطريقة التي يخلُص بها الإنسان من المعاناة بناءً على هذه الفلسفات، هناك عدة أصول تُبنى عليها عقيدتهم في مسألة الخلاص. فمثلاً يرون أن الإنسان هو المسؤول عن تحديد الطريقة التي يحقق بها الخلاص، فليس بحاجة إلى جهة خارجية تحدد له الطريق الذي يتبعه وإنما الطريق الذي يتبعه ينبع من داخله.
كما أن الحركات الباطنية عمومًا وحركة العصر الجديد على وجه الخصوص لا تقر بشيء اسمع جنة، بمعنى لا يوجد شيء عندهم مكان تذهب إليه الروح بعد أن تموت، وإنما الجنة هي عندهم شيء يشبه الحالة النفسية أو الحالة الروحانية التي يمكن للإنسان أن يجدها في داخل نفسه، فهي ليست مكان خارج عن النفس وإنما هي حالة من الوعي فإذا تحققت اعتبر الإنسان نفسه قد أشرق أو استنار أو حقق الخلاص.
استكمالاً لما كنا نتحدث عنه في اللقاءات السابقة حول عقائد حركة العصر الجديد، نتحدث اليوم عن عقيدة مهمة جدًا من عقائد الحركة، وهي عقيدة الحركة والتيارات الباطنية والروحانية بشكل عام في الإنسان، ودور الإنسان في تشكيل واقعه وخلق أقداره والتصرف بالكون من عدمه.
وبدايةً نستعرض مكانة الإنسان في الإسلام، فإن الله عز وجل قد كرم بني آدم، وهناك تكريم عام لبني آدم عمومًا وللبشر عمومًا وهناك تكريم خاص للمسلم وللمؤمن؛ فأما الإكرام العام فيتمثل في إكرام الإنسان في خلقته وأنه خلقه على هيئة كريمة، وإكرام الإنسان في أن وهبه المشيئة والاختيار والعقل الذي به يميز بين الحق والباطل، وإكرامه بأن سخر له المخلوقات فالله سبحانه وتعالى سخّر للإنسان ما في هذه الأرض من حيوان ونبات ويسر له الاستفادة مما فيها من معادن ومن خيرات، لكن الكرامة الحقيقية إنما هي كرامة الإنسان بالإسلام، وهي التي تميز بين الحق والباطل وبين المؤمن وبين الكافر وبين الإنسان الذي ينجو ويسعد في الدنيا والآخرة وبين الإنسان الذي يشقى في الدنيا والآخرة. فهذه هي الكرامة الحقيقية، أما الكرامة الأخرى فتزول بالموت ولا يبقى منها شيء ويكون الإنسان الذي كان مكرمًا مهانًا في الآخرة، لكن الكرامة الحقيقية هي الكرامة التي تستمر إلى الدار الآخرة. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى". لكن المسلم يتوسط في معتقده، فإذا ظنَّ أن الإنسان مكرَّم فإنه يعلم أن لهذه الكرامة حد، وأن كرامته هذه لا تجعله يتجاوز حد العبودية، بل إنه لو تجاوز هذه العبودية لرده الله عز وجل أسفل سافلين ولزالت هذه الكرامة التي جعلها الله عز وجل مقترنةً بالإيمان.
بعد ذلك يمكننا الانتقال إلى نقطة أخرى فيما يتعلق بالإنسان، وهو الحديث عن دور الإنسان في تشكيل الواقع -إن صح التعبير- ويتمثل ذلك في أربعة نقاط:
النقطة الأولى: دوره في تحقيق النجاح.
الثانية: دوره في تحقيق الشفاء.
الثالثة: هي الجمع بين العمل والتوكل.
وكلها تدور حول أن الإنسان مأمور بفعل الأسباب وأن الأسباب مؤثرة حقيقة ولكنها لا تؤثر إلا بإذن من الله عز وجل وبأمر منه تبارك و تعالى, وأن فعل السبب لا يتنافى مع التوكل وأن التوكل لا يعني ترك الأسباب.
أما يتعلق بدور الإنسان في تحديد مصيره الأخروي فلا بد أن يقرر فيه بأن النجاة الأخروية مرتبطة بأخذ الأسباب الدنيوية، يعني أن الإنسان إنما ينجو في الآخرة إذا فعل بأسباب النجاة في الدنيا، ولا يمكن أن تتحقق النجاة الأخروية إلا بفعل هذه الأسباب.
فإذا قيل، كيف تنضبط هذه الأسباب وكيف نعرف ما هي الأسباب التي تكون طريقة إلى النجاة الأخروية علمنا أن هذه الأسباب لا يمكن أن تُعرَف إلا باتباع الرسل؛ لأنه سيأتي معنا بعد قليل عند الحديث عن معتقدات حركة العصر الجديد أن الطرق التي يرونها سبلاً للنجاة مختلفة تمامًا عن الطريقة الشرعية باتباع الرسل، بل يرون أن كل إنسان يستطيع أن يعرف أو يحصل على هذه المعارف من الوحي الداخلي أو عن طريق الكشوف الإلهامات ونحو ذلك، بينما عند المسلمين الطريق الوحيد لمعرفة ما يريده الله عز وجل وما يرضي الله عز وجل هو عن طريق ما أخبر الله به رسله.
أمر آخر في هذا السياق أن الإيمان يتضمن قول وعمل وأن الإيمان والعمل أمرين مرتبطين لا يمكن أن ينفك أحدهما عن الآخر، وهذا بلا شك مخالف لما يقوله أتباع الباطنية الحديثة وأتباع حركة العصر الجديد؛ لأنهم يعتبرون الطقوس الدينية والعبادات إنما هي قشور وإنما هي مظاهر، بل يعتبرونها من العوائق التي تعيق الإنسان من تحقيق الاستنارة أو تحقيق الإشراق الذي هو ما يعبّرون به عن النجاة.
النقطة الأخيرة: هي أن الإنسان له مشيئة واختيار فهو ليس مجبرًا على ما يفعله وإنما قد أودع الله عز وجل فيه القدرة على التمييز والاختيار، لكن هذه القدرة على التمييز وعلى الاختيار وعلى المشيئة إنما هي داخلة تحت مشيئة الرب.
طبعًا الكلام في مسألة القدر والعلاقة بين مشيئة الرب ومشيئة العبد يطول فيها الكلام، يُرجع فيها -إن لم يكن الكلام في الكتاب شافٍ لهذا الجانب- للكتب التي تكلمت عن موضوع القدر تحديدًا.
أما مكانة الإنسان عند حركة العصر الجديد فهي تختلف تمامًا عن المكانة الحقيقية للإنسان، فالإنسان بالنسبة للحركة إنما هو إله في الحقيقة، وهذا نابع من عقيدتهم بوحدة الوجود، ولذلك نجد أنهم يقررون في مواضع مختلفة جدًا من مؤلفاتهم ومن برامجهم أن الإنسان لديه قدرات غير محدودة، وأن لديه قدرة على تشكيل واقعه وأقداره.
هذه المزاعم لما يذكرون لك أن الإنسان له قدرة غير محدودة وأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء، وأنه لديه حكمة وعلم ليس لهما حد كلها نابعة من أصل عقدي يقرر بأن الإنسان هو في حقيقته إله، فهذه المزاعم لم تأت من فراغ وهذه القدرات الخارقة المنسوبة للإنسان لم تأت من فراغ وإنما بُنيت على هذا الأصل الفاسد.
مسألة أخرى مهمة جدًا في سياق نظرة حركة العصر الجديد للإنسان هي ما يتعلق بمسألة الخلاص، والخلاص هو عبارة عن التخلص من المعاناة البشرية في منظور العقيدة أو المذهب المعين، فمثلاً في العقيدة الإسلامية بالنسبة لنا الحياة هي دار ابتلاء ويكون في الآخرة عذاب أو ثواب على ما فعلناه في هذه الدنيا، فالخلاص –إن صح التعبير- في المفهوم العقدي الإسلامي هو رضا الله عز وجل ودخول الجنة. المعاناة في الديانات الشرقية يمكن التعبير عنها بتناسخ الأرواح وأن الإنسان محبوس في الطبيعة المادية لا يتحرر منها إلى الطبيعة الإلهية, ومن ثم فيكون الخلاص بالنسبة لهم في الفلسفة الشرقية وما يعتمد عليها من الحركات المتأخرة الباطنية كحركة العصر الجديد، أن الخلاص سيكون بالتحرر من التناسخ أولاً والتحرر من المادة ثانيًا، والتحرر من الخلاص إنما يكون بالإتحاد بالإله أو بالمطلق والتحرر من المادة يكون بإدراك الألوهية الكامنة في الذات البشرية، لكن كيف يتم تحديد الطريقة التي يخلُص بها الإنسان من المعاناة بناءً على هذه الفلسفات، هناك عدة أصول تُبنى عليها عقيدتهم في مسألة الخلاص. فمثلاً يرون أن الإنسان هو المسؤول عن تحديد الطريقة التي يحقق بها الخلاص، فليس بحاجة إلى جهة خارجية تحدد له الطريق الذي يتبعه وإنما الطريق الذي يتبعه ينبع من داخله.
كما أن الحركات الباطنية عمومًا وحركة العصر الجديد على وجه الخصوص لا تقر بشيء اسمع جنة، بمعنى لا يوجد شيء عندهم مكان تذهب إليه الروح بعد أن تموت، وإنما الجنة هي عندهم شيء يشبه الحالة النفسية أو الحالة الروحانية التي يمكن للإنسان أن يجدها في داخل نفسه، فهي ليست مكان خارج عن النفس وإنما هي حالة من الوعي فإذا تحققت اعتبر الإنسان نفسه قد أشرق أو استنار أو حقق الخلاص.
لا يوجد مناقشات
لا يوجد اقتباسات
مريم إبراهيم
هل الانتحار له شأن في الوصول إلى الكمال الذي يزعمونه رواد حركة العصر الجديد ؟
د.هيفاء بنت ناصر الرشيد
ليس في الأصل، لكن توجد بعض الجماعات السرية التي تجعل الانتحار وسيلة للتحرر.