-
تفريغ توضيح الورد الخامس الباب الثاني هو من أهم الأبواب في البحث لأنه يُجمِل لنا معتقدات حركة العصر الجديد و من ثم يمكن أن نستقي منها أو نقيس عليها كل تطبيقاتهم و ممارساتهم . لأننا إذا تناولنا الممارسات بمعزل عن العقائد الأصلية لتلك الممارسات لم نتمكن من نقدها بالشكل السليم . وقد قُسم الباب إلى خمسة فصول يتم تناول عقيدة مركزية من عقائد الحركة في كل فصل و يؤصَّل لها من الناحية العقدية الصحيحة ثم يُستشهَد بشيء من أقوال رموز الحركة ويُنقَل عن مصادرهم ليتبين موقفهم من هذا الاعتقاد . ففي الفصل الأول سيتم تناول حقيقة النشأة الكونية وكيف جاء هذا الكون إلى الوجود, وفي الفصل الثاني يتم تناول حقيقة الوجود وماهيته والعقيدة الرئيسة في حركة العصر الجديد والتيارات الباطنية الحديثة كلها وهي عقيدة وحدة الوجود وعلاقتها بالمبادئ الأخرى لدى الحركة . الفصل الثالث سيتم تناول الروح وحقيقتها ومصيرها بعد الموت, والفصل الرابع سيتناول مكانة الإنسان ومنزلته الحقيقة سواء عند المسلمين من أهل السنة أو عند الباطنيين من أتباع الحركة, وفي الفصل الخامس سيتم تناول المعيار الذي يستخدَم في قياس الحقائق والقيم في الشريعة الإسلامية وفي الطرح الباطني لحركة العصر الجديد. أما النشأة الكونية فيمكننا أن نتناولها من خلال أربعة مسائل: المسألة الأولى: وجود الرب السابق لكل وجود. والثانية: خلق السماوات والأرض. والثالثة: خلق الإنسان. والرابعة: الحكمة من إيجاد الخلق. وهذه الأربعة مسائل لا أرى أنه يلزم الوقوف عندها من ناحية التأصيل العقدي فهي أمور مسلّمة وممكن أن يُكتفى بقراءة ما تم تسطيره في الكتاب لتصوّر جيد عن هذه المسائل . لكن الذي يحتاج إلى وقفة هو نظرة حركة العصر الجديد ألى النشأة الكونية وربما نستطيع أن نقدم لنظرة الحركة للنشأة الكونية بمقدمة يسيرة حول أنواع الآراء فيما يتعلق بنشأة الكون, وممكن أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول: هو ما كان مبنيًا على وحي, سواء كان هذا الوحي وحي صحيح كما هو في الشريعة الإسلامية أو الوحي هذا يعتبر وحي محرّف لكنه يزعم أنه وحي من عند الله أو أنه في أصله وحي من عند الله لكنه تعرّض للتحريف مثلاً . فهذا نوع من الأطروحات المتعلقة بالنشأة الكونية النوع الثاني من الأطروحات هو ما كان ينبني على قصص وأساطير قديمة كما هو الحال في الأساطير الإغريقية أو الأساطير المصرية فتتكون وتتشكل المعتقدات المتعلقة بالنشأة الكونية بناء على تلك الأساطير وتلك القصص . النوع الثالث من الأطروحات المتعلقة بالنشأة الكونية هي ما يكون مبنيًا على بعض المقدمات أو النظريات العلمية. وهذا قد لا يكون صائبًا في كل حال لكنه خارج من الإطار الغيبي والإطار الأسطوري إلى الإطار الحسي المادي . الحركة -كما هو معتاد و كما هو من منهجها- تقدِّم نظرة تعتبر خليط ومزيج وتلفيق من هذه المجالات الثلاث, ولذلك نجد أنهم عندما يتحدثون عن الموجود الأول أو أصل الوجود سنجد أنهم يطلقون على هذا المسمى أسماء متعددة ومتنوعة؛ فمنهم من يطلق عليه الإله مثلاً ويظهر في ذلك التأثر بالجانب الديني, وممكن يطلقون عليه الطاو أو البراهمان وهذا يظهر عليه التعلق أيضًا بالجانب الديني لكن الديني الشرقي الفلسفي, وممكن يطلقون عليه الفراغ أو نقطة الصفر أو الطاقة, المهم أنهم يطلقون عليه مصطلحات متنوعة تتنقل من مجال إلى مجال, فمن الجانب الديني للأسطوري للجانب المتأثر بالمصطلحات العلمية فهم يعبّرون بأسماء مختلفة لكن المسمى متفق . فعندما ننظر ونتحقق من معنى الإله في الطرح الباطني أو معنى الطاو أو معنى نقطة الصفر أو الفراغ أو الطاقة... سنجد أنهم في النهاية يعرفونه بأنه وجود مطلق، بأنه لا يمكن وصفه، بأنه حقيقة مطلقة وأنه غير منفصل عن الوجود الذي تولّد عنه وهذه النقطة المهمة في هذا الطرح , يعني لا يرون بوجود إله مباين أو إله مفارق للكائنات أو أن الأصل الذي وُجِدت منه هذه الكائنات إنما هو مفارق لها, هذا غير موجود في الفلسفة الشرقية ولا في التيارات الباطنية المتأثرة في هذا الطرح . فالمقصود أن الموجود الأول في الطرح الباطني الحديث يختلف تمامًا عن الموجود الأول في المعتقد الإسلامي . بعد ذلك يمكننا الانتقال إلى الحديث عن ولادة الكون عند حركة العصر الجديد, وهنا عُبّر بولادة الكون لأنه لا يمكن أن نقول عنه أنه خلق للكون أو حتى أن نقول أنه إيجاد للكون؛ لأن الآراء والأقوال التي تطرحها الحركة في هذا المجال لا يمكن أن ينطبق عليها وصف الخلق . فلديهم أقوال متعددة لكن يمكن إجمالها في ثلاثة أقوال رئيسة: القول الأول في مسألة ولادة الكون: هو القول بأن الكون وجد من العدم, وهذا ربما يبدو عند أول وهلة أنه متفق مع القول المستقر في الديانات الكتابية وأن الكون إنما وُجِد عن طريق الخلق فأُخرِج من العدم إلى الوجود. لكن هذا لا يعني بحال أن يكون طرحهم متفق مع الطرح الديني . فالطرح الديني يُقر بوجود كائن مباين أخرج الموجودات بأمره وبإرادته وبعلمه من العدم إلى الوجود وهو ما يعبَّر عنه بالخلق, أما في الطرح الباطني فإن هذا الموجد المباين ليس له وجود, وإنما الموجود الأول هو هذا العدم وهذا الفراغ ولا وجود غيره. ومن ثم فعندهم أن الفراغ أو العدم تجسد وتجلّت منه الموجودات فخرجت خروجًا ذاتيًا من العدم إلى الوجود, ولهم في ذلك تفسيرات متعددة كيف أنها خرجت من العدم إلى الوجود لكنها كلها لا تُقر بوجود خالق أو بوجود موجِد خارج عن هذا العدم . الرأي الثاني: هو الذي يقول بأن الكون إنما هو جزء من الموجود الأول . والرأي الثالث: هو الذي يقول بأن هذا الكون جاء إلى الوجود عن طريق ما يُعرَف بالفيض أو التولّد . والفرق بين هذا والقول الأول هو أن القول الأول جعل نشأة الكون من العدم بينما القول الثالث جعل نشأة الكون هي متولدة عن وجود أسبقٍ له . فكلا القولين يقول بأن الوجود إنما كان اضطراري، وكان بغير إرادة وبغير علم لكن القول الأول يرى أن الوجود خرج من العدم والقول الثاني يرى أن الوجود خرج من وجود آخر . لكن حقيقة أيما كانت التعابير التي عُبر بها عن هذا الموجود الأول ، الفراغ ، العدم ، الطاو ، البراهمان فأكثرها استخدامًا أو أكثرها صحة في التعبير عن مرادهم هي ما أطلق عليه أتباع الحركة ورواد الروحانيات الحديثة : الوعي . فهم يعبرون عن هذا الوجود الأول وهذا الخالق وهذا الموجد –إن صح التعبير- بأنه هو الوعي بل هو الموجود الأوحد بمعنى أنه لا وجود في الحقيقة إلا الوعي وهذا بلا شك من المصطلحات المُجملة المُشكلة التي ينبغي للقارئ أن ينتبه له لأنه سيتكرر معنا كثيرًا خلال القراءة وسيتكرر كثيرًا في طرح الباطنيين الجدد . مما يوضح حقيقة نظرة حركة العصر الجديد للوعي هو يمكن تلخيصه في النقل الذي نقلناه عن ديباك شوبرا في أحد كتبه لما تساءل أو نقل السؤال المشهور من الذي أوجدني؟ ثم طرح إجابتين مشهورتين هما الإجابة الدينية: خلقني الله, والإجابة العلمية: أوجدتني الطبيعة, ثم قال: لم يرضني أي من الإجابتين. ثم تكلم حتى قدّم الإجابة الشافية -بالنسبة له- والمبنية على معتقداته الباطنية فقال : أنا أوجدت نفسي . طبعًا إيجاده لنفسه هو بناءً على معتقده في أن الموجود هو الوعي وأنه بإمكانه من خلال وعيه إيجاد ما يريد وهذا ما سيأتي الحديث عليه عندما نتكلم عن الجذب وفكرته وفلسفته والأسس العقدية التي يقوم عليها . بعد ذلك يمكننا الانتقال إلى ما يتعلق بنشأة الإنسان ، والإنسان بلا شك هو جزء من الكون لكنه أُفرِد بالحديث لأهميته ولأن الحديث في العادة يدور حوله، لماذا وجد الإنسان؟ ما الهدف ما الغاية من إيجاده؟ . هناك نظرتين رئيستين لما يتعلق بإيجاد الإنسان . النظرة الأولى: هي النظرة الدينية المعروفة التي تقول بأن الله هو الذي خلق الإنسان، يعني القول بأن الإنسان مخلوق، أُوجِد كما هو بصورته التي هو عليها ثم توالد وتكاثر حتى ظهرت البشرية بصورتها التي نراها اليوم . القول الثاني: هو القول بالتطور أو النشوء والارتقاء، ومعنى ذلك أنه لم يُخلَق إنسانًا وإنما تطور من موجودات سابقة له فكان كائن مختلف تمامًا، بدائي, ثم تطور حتى صار كائنًا آخر, ثم تطور حتى توصل في نهاية مراحله اليوم إلى الصورة التي نراها الآن بالصفة المشاهَدة للبشرية اليوم . طبعًا والقول بالتطور والنشوء والارتقاء هو أقرب القولين لمذهب حركة العصر الجديد والتيارات الباطنية الحديثة . لكن مما يشكل أو يسبب إشكال في طرحهم الخلط المعتاد في أطروحاتهم بأنهم يستخدمون المصطلحات الدينية فيستخدمون مثلا مصطلح الخلق ويستخدمون مصطلح الإله مما يلبّس على المستمع والقارئ فيظن أن المقصود هو الإله بالمفهوم الديني أو الخلق بالمفهوم الديني وحقيقة إنما هم يلبّسون على الناس بهذه المصطلحات وإذا تأمل الإنسان مرادهم وتوضيحهم لهذه المصطلحات وحقيقتها أدرك أن المقصود ليس له أي علاقة بعقيدة الخلق عند المؤمنين. ومن الملفت في طرح أتباع الروحانيات الحديثة وحركة العصر الجديد أنهم انتبهوا لقضية مهمة وهي أنها لا يمكن أن يقولوا باستمرارية التطور للحالة أو الخلقة البشرية؛ لأنه كما هو مشاهد منذ عصور قديمة جدًا لم يتغير في الإنسان شيء، لم تنبت له يد جديدة أو أصبح بإمكانه الطيران أو صارت له ثلاثة أعين أو غير ذلك، لا يوجد أي تطور جسدي ظاهر على الخلقة البشرية, ولذلك قالوا أن التطور مستمر لكنه ليس في الخلقة البشرية فالخلقة البشرية قد توقف التطور فيها وبقي التطور في جانب الوعي, والتطور عندهم كما ذكرت أنه ممكن التعبير عنه بأنه كالحلقة أو كالدائرة, بدأ وجود الإنسان بالوعي ثم هذا الوعي أدرك نفسه فتجلى إلى موجودات حتى أنه وصل إلى هذا الإنسان بصورته اليوم ثم بعد ذلك يمكنه أن يعود إلى هذا على الطبيعة الأصلية له وهو الطبيعة الإلهية -كما يعبرون عنها- عن طريق طرق اختيارية يتم ممارستها للرقي بالوعي وإدراك -كما يزعمون- هذه الحقيقة الإلهية . فالتطور لم يقف عند حالة الوعي الموجودة لدى الناس اليوم وإنما بإمكانها أن تتطور حتى يصل الإنسان إلى مرحلة الألوهية، أما الجانب الجسدي فإنه قد توقف بزعمهم؛ لأن جانب الوعي أو ما يتعلق بالزعم أن يزعم الإنسان بأنه إله هذا لا يمكن تقاس ولا يمكن أن يأتي أحد ويقول لك كيف الآن أنك أدركت أنك واحد مع الإله أو ترقّى...، غير قابل حقيقة للقياس والضبط بينما الجانب الجسدي ممكن أن يُضبَط وممكن أن يُنتقَد ولذلك آثروا أن يقتصروا على الجانب غير القابل للقياس . طبعًا غاية الوجود عند أتباع الحركة هي متفقة مع غاية الوجود في الفلسفات الشرقية لأنه كما سبق أن ذكرنا أن الفلسفات الشرقية هي أكثر الجذور المؤثرة في أفكار الحركة. فالهدف والغاية من الوجود هو الخروج من دوامة التناسخ، الغاية أو الهدف ممكن أن يقال عنه أنه إدراك الحقيقة الإلهية في الذات البشرية ونحو ذلك من الغايات . ولا شك أن المعتقدات التي تُقَرَّر في عقيدة أو نظرة الحركة للنشأة الكونية مناقضة بشكل أصيل لعقيدة الربوبية, فهي مناقضة لوجود الرب أصلاً ثم مناقضة لأوليته، مناقضة لخلقه، لإرادته، مناقضة لجميع خصائص الربوبية؛ لأن الذي يعتقد بوحدة الوجود هو في الحقيقة منكر للرب تمامًا وما يتعلق بذلك من خصائص الربوبية .
لم ينشر المقطع الصوتي
التفريغ بالأسفل
000:00
تفريغ توضيح الورد الخامس
الباب الثاني هو من أهم الأبواب في البحث لأنه يُجمِل لنا معتقدات حركة العصر الجديد و من ثم يمكن أن نستقي منها أو نقيس عليها كل تطبيقاتهم و ممارساتهم .
لأننا إذا تناولنا الممارسات بمعزل عن العقائد الأصلية لتلك الممارسات لم نتمكن من نقدها بالشكل السليم .
وقد قُسم الباب إلى خمسة فصول يتم تناول عقيدة مركزية من عقائد الحركة في كل فصل و يؤصَّل لها من الناحية العقدية الصحيحة ثم يُستشهَد بشيء من أقوال رموز الحركة ويُنقَل عن مصادرهم ليتبين موقفهم من هذا الاعتقاد .
ففي الفصل الأول سيتم تناول حقيقة النشأة الكونية وكيف جاء هذا الكون إلى الوجود, وفي الفصل الثاني يتم تناول حقيقة الوجود وماهيته والعقيدة الرئيسة في حركة العصر الجديد والتيارات الباطنية الحديثة كلها وهي عقيدة وحدة الوجود وعلاقتها بالمبادئ الأخرى لدى الحركة .
الفصل الثالث سيتم تناول الروح وحقيقتها ومصيرها بعد الموت, والفصل الرابع سيتناول مكانة الإنسان ومنزلته الحقيقة سواء عند المسلمين من أهل السنة أو عند الباطنيين من أتباع الحركة, وفي الفصل الخامس سيتم تناول المعيار الذي يستخدَم في قياس الحقائق والقيم في الشريعة الإسلامية وفي الطرح الباطني لحركة العصر الجديد.
أما النشأة الكونية فيمكننا أن نتناولها من خلال أربعة مسائل:
المسألة الأولى: وجود الرب السابق لكل وجود. والثانية: خلق السماوات والأرض. والثالثة: خلق الإنسان. والرابعة: الحكمة من إيجاد الخلق.
وهذه الأربعة مسائل لا أرى أنه يلزم الوقوف عندها من ناحية التأصيل العقدي فهي أمور مسلّمة وممكن أن يُكتفى بقراءة ما تم تسطيره في الكتاب لتصوّر جيد عن هذه المسائل .
لكن الذي يحتاج إلى وقفة هو نظرة حركة العصر الجديد ألى النشأة الكونية وربما نستطيع أن نقدم لنظرة الحركة للنشأة الكونية بمقدمة يسيرة حول أنواع الآراء فيما يتعلق بنشأة الكون, وممكن أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول: هو ما كان مبنيًا على وحي, سواء كان هذا الوحي وحي صحيح كما هو في الشريعة الإسلامية أو الوحي هذا يعتبر وحي محرّف لكنه يزعم أنه وحي من عند الله أو أنه في أصله وحي من عند الله لكنه تعرّض للتحريف مثلاً . فهذا نوع من الأطروحات المتعلقة بالنشأة الكونية
النوع الثاني من الأطروحات هو ما كان ينبني على قصص وأساطير قديمة كما هو الحال في الأساطير الإغريقية أو الأساطير المصرية فتتكون وتتشكل المعتقدات المتعلقة بالنشأة الكونية بناء على تلك الأساطير وتلك القصص .
النوع الثالث من الأطروحات المتعلقة بالنشأة الكونية هي ما يكون مبنيًا على بعض المقدمات أو النظريات العلمية. وهذا قد لا يكون صائبًا في كل حال لكنه خارج من الإطار الغيبي والإطار الأسطوري إلى الإطار الحسي المادي .
الحركة -كما هو معتاد و كما هو من منهجها- تقدِّم نظرة تعتبر خليط ومزيج وتلفيق من هذه المجالات الثلاث, ولذلك نجد أنهم عندما يتحدثون عن الموجود الأول أو أصل الوجود سنجد أنهم يطلقون على هذا المسمى أسماء متعددة ومتنوعة؛ فمنهم من يطلق عليه الإله مثلاً ويظهر في ذلك التأثر بالجانب الديني, وممكن يطلقون عليه الطاو أو البراهمان وهذا يظهر عليه التعلق أيضًا بالجانب الديني لكن الديني الشرقي الفلسفي, وممكن يطلقون عليه الفراغ أو نقطة الصفر أو الطاقة, المهم أنهم يطلقون عليه مصطلحات متنوعة تتنقل من مجال إلى مجال, فمن الجانب الديني للأسطوري للجانب المتأثر بالمصطلحات العلمية فهم يعبّرون بأسماء مختلفة لكن المسمى متفق .
فعندما ننظر ونتحقق من معنى الإله في الطرح الباطني أو معنى الطاو أو معنى نقطة الصفر أو الفراغ أو الطاقة... سنجد أنهم في النهاية يعرفونه بأنه وجود مطلق، بأنه لا يمكن وصفه، بأنه حقيقة مطلقة وأنه غير منفصل عن الوجود الذي تولّد عنه وهذه النقطة المهمة في هذا الطرح , يعني لا يرون بوجود إله مباين أو إله مفارق للكائنات أو أن الأصل الذي وُجِدت منه هذه الكائنات إنما هو مفارق لها, هذا غير موجود في الفلسفة الشرقية ولا في التيارات الباطنية المتأثرة في هذا الطرح .
فالمقصود أن الموجود الأول في الطرح الباطني الحديث يختلف تمامًا عن الموجود الأول في المعتقد الإسلامي .
بعد ذلك يمكننا الانتقال إلى الحديث عن ولادة الكون عند حركة العصر الجديد, وهنا عُبّر بولادة الكون لأنه لا يمكن أن نقول عنه أنه خلق للكون أو حتى أن نقول أنه إيجاد للكون؛ لأن الآراء والأقوال التي تطرحها الحركة في هذا المجال لا يمكن أن ينطبق عليها وصف الخلق .
فلديهم أقوال متعددة لكن يمكن إجمالها في ثلاثة أقوال رئيسة:
القول الأول في مسألة ولادة الكون: هو القول بأن الكون وجد من العدم, وهذا ربما يبدو عند أول وهلة أنه متفق مع القول المستقر في الديانات الكتابية وأن الكون إنما وُجِد عن طريق الخلق فأُخرِج من العدم إلى الوجود. لكن هذا لا يعني بحال أن يكون طرحهم متفق مع الطرح الديني . فالطرح الديني يُقر بوجود كائن مباين أخرج الموجودات بأمره وبإرادته وبعلمه من العدم إلى الوجود وهو ما يعبَّر عنه بالخلق, أما في الطرح الباطني فإن هذا الموجد المباين ليس له وجود, وإنما الموجود الأول هو هذا العدم وهذا الفراغ ولا وجود غيره. ومن ثم فعندهم أن الفراغ أو العدم تجسد وتجلّت منه الموجودات فخرجت خروجًا ذاتيًا من العدم إلى الوجود, ولهم في ذلك تفسيرات متعددة كيف أنها خرجت من العدم إلى الوجود لكنها كلها لا تُقر بوجود خالق أو بوجود موجِد خارج عن هذا العدم .
الرأي الثاني: هو الذي يقول بأن الكون إنما هو جزء من الموجود الأول .
والرأي الثالث: هو الذي يقول بأن هذا الكون جاء إلى الوجود عن طريق ما يُعرَف بالفيض أو التولّد .
والفرق بين هذا والقول الأول هو أن القول الأول جعل نشأة الكون من العدم بينما القول الثالث جعل نشأة الكون هي متولدة عن وجود أسبقٍ له . فكلا القولين يقول بأن الوجود إنما كان اضطراري، وكان بغير إرادة وبغير علم لكن القول الأول يرى أن الوجود خرج من العدم والقول الثاني يرى أن الوجود خرج من وجود آخر .
لكن حقيقة أيما كانت التعابير التي عُبر بها عن هذا الموجود الأول ، الفراغ ، العدم ، الطاو ، البراهمان فأكثرها استخدامًا أو أكثرها صحة في التعبير عن مرادهم هي ما أطلق عليه أتباع الحركة ورواد الروحانيات الحديثة : الوعي .
فهم يعبرون عن هذا الوجود الأول وهذا الخالق وهذا الموجد –إن صح التعبير- بأنه هو الوعي بل هو الموجود الأوحد بمعنى أنه لا وجود في الحقيقة إلا الوعي وهذا بلا شك من المصطلحات المُجملة المُشكلة التي ينبغي للقارئ أن ينتبه له لأنه سيتكرر معنا كثيرًا خلال القراءة وسيتكرر كثيرًا في طرح الباطنيين الجدد .
مما يوضح حقيقة نظرة حركة العصر الجديد للوعي هو يمكن تلخيصه في النقل الذي نقلناه عن ديباك شوبرا في أحد كتبه لما تساءل أو نقل السؤال المشهور من الذي أوجدني؟ ثم طرح إجابتين مشهورتين هما الإجابة الدينية: خلقني الله, والإجابة العلمية: أوجدتني الطبيعة, ثم قال: لم يرضني أي من الإجابتين. ثم تكلم حتى قدّم الإجابة الشافية -بالنسبة له- والمبنية على معتقداته الباطنية فقال : أنا أوجدت نفسي .
طبعًا إيجاده لنفسه هو بناءً على معتقده في أن الموجود هو الوعي وأنه بإمكانه من خلال وعيه إيجاد ما يريد وهذا ما سيأتي الحديث عليه عندما نتكلم عن الجذب وفكرته وفلسفته والأسس العقدية التي يقوم عليها .
بعد ذلك يمكننا الانتقال إلى ما يتعلق بنشأة الإنسان ، والإنسان بلا شك هو جزء من الكون لكنه أُفرِد بالحديث لأهميته ولأن الحديث في العادة يدور حوله، لماذا وجد الإنسان؟ ما الهدف ما الغاية من إيجاده؟ .
هناك نظرتين رئيستين لما يتعلق بإيجاد الإنسان .
النظرة الأولى: هي النظرة الدينية المعروفة التي تقول بأن الله هو الذي خلق الإنسان، يعني القول بأن الإنسان مخلوق، أُوجِد كما هو بصورته التي هو عليها ثم توالد وتكاثر حتى ظهرت البشرية بصورتها التي نراها اليوم .
القول الثاني: هو القول بالتطور أو النشوء والارتقاء، ومعنى ذلك أنه لم يُخلَق إنسانًا وإنما تطور من موجودات سابقة له فكان كائن مختلف تمامًا، بدائي, ثم تطور حتى صار كائنًا آخر, ثم تطور حتى توصل في نهاية مراحله اليوم إلى الصورة التي نراها الآن بالصفة المشاهَدة للبشرية اليوم .
طبعًا والقول بالتطور والنشوء والارتقاء هو أقرب القولين لمذهب حركة العصر الجديد والتيارات الباطنية الحديثة . لكن مما يشكل أو يسبب إشكال في طرحهم الخلط المعتاد في أطروحاتهم بأنهم يستخدمون المصطلحات الدينية فيستخدمون مثلا مصطلح الخلق ويستخدمون مصطلح الإله مما يلبّس على المستمع والقارئ فيظن أن المقصود هو الإله بالمفهوم الديني أو الخلق بالمفهوم الديني وحقيقة إنما هم يلبّسون على الناس بهذه المصطلحات وإذا تأمل الإنسان مرادهم وتوضيحهم لهذه المصطلحات وحقيقتها أدرك أن المقصود ليس له أي علاقة بعقيدة الخلق عند المؤمنين.
ومن الملفت في طرح أتباع الروحانيات الحديثة وحركة العصر الجديد أنهم انتبهوا لقضية مهمة وهي أنها لا يمكن أن يقولوا باستمرارية التطور للحالة أو الخلقة البشرية؛ لأنه كما هو مشاهد منذ عصور قديمة جدًا لم يتغير في الإنسان شيء، لم تنبت له يد جديدة أو أصبح بإمكانه الطيران أو صارت له ثلاثة أعين أو غير ذلك، لا يوجد أي تطور جسدي ظاهر على الخلقة البشرية, ولذلك قالوا أن التطور مستمر لكنه ليس في الخلقة البشرية فالخلقة البشرية قد توقف التطور فيها وبقي التطور في جانب الوعي, والتطور عندهم كما ذكرت أنه ممكن التعبير عنه بأنه كالحلقة أو كالدائرة, بدأ وجود الإنسان بالوعي ثم هذا الوعي أدرك نفسه فتجلى إلى موجودات حتى أنه وصل إلى هذا الإنسان بصورته اليوم ثم بعد ذلك يمكنه أن يعود إلى هذا على الطبيعة الأصلية له وهو الطبيعة الإلهية -كما يعبرون عنها- عن طريق طرق اختيارية يتم ممارستها للرقي بالوعي وإدراك -كما يزعمون- هذه الحقيقة الإلهية .
فالتطور لم يقف عند حالة الوعي الموجودة لدى الناس اليوم وإنما بإمكانها أن تتطور حتى يصل الإنسان إلى مرحلة الألوهية، أما الجانب الجسدي فإنه قد توقف بزعمهم؛ لأن جانب الوعي أو ما يتعلق بالزعم أن يزعم الإنسان بأنه إله هذا لا يمكن تقاس ولا يمكن أن يأتي أحد ويقول لك كيف الآن أنك أدركت أنك واحد مع الإله أو ترقّى...، غير قابل حقيقة للقياس والضبط بينما الجانب الجسدي ممكن أن يُضبَط وممكن أن يُنتقَد ولذلك آثروا أن يقتصروا على الجانب غير القابل للقياس .
طبعًا غاية الوجود عند أتباع الحركة هي متفقة مع غاية الوجود في الفلسفات الشرقية لأنه كما سبق أن ذكرنا أن الفلسفات الشرقية هي أكثر الجذور المؤثرة في أفكار الحركة.
فالهدف والغاية من الوجود هو الخروج من دوامة التناسخ، الغاية أو الهدف ممكن أن يقال عنه أنه إدراك الحقيقة الإلهية في الذات البشرية ونحو ذلك من الغايات .
ولا شك أن المعتقدات التي تُقَرَّر في عقيدة أو نظرة الحركة للنشأة الكونية مناقضة بشكل أصيل لعقيدة الربوبية, فهي مناقضة لوجود الرب أصلاً ثم مناقضة لأوليته، مناقضة لخلقه، لإرادته، مناقضة لجميع خصائص الربوبية؛ لأن الذي يعتقد بوحدة الوجود هو في الحقيقة منكر للرب تمامًا وما يتعلق بذلك من خصائص الربوبية .
الباب الثاني هو من أهم الأبواب في البحث لأنه يُجمِل لنا معتقدات حركة العصر الجديد و من ثم يمكن أن نستقي منها أو نقيس عليها كل تطبيقاتهم و ممارساتهم .
لأننا إذا تناولنا الممارسات بمعزل عن العقائد الأصلية لتلك الممارسات لم نتمكن من نقدها بالشكل السليم .
وقد قُسم الباب إلى خمسة فصول يتم تناول عقيدة مركزية من عقائد الحركة في كل فصل و يؤصَّل لها من الناحية العقدية الصحيحة ثم يُستشهَد بشيء من أقوال رموز الحركة ويُنقَل عن مصادرهم ليتبين موقفهم من هذا الاعتقاد .
ففي الفصل الأول سيتم تناول حقيقة النشأة الكونية وكيف جاء هذا الكون إلى الوجود, وفي الفصل الثاني يتم تناول حقيقة الوجود وماهيته والعقيدة الرئيسة في حركة العصر الجديد والتيارات الباطنية الحديثة كلها وهي عقيدة وحدة الوجود وعلاقتها بالمبادئ الأخرى لدى الحركة .
الفصل الثالث سيتم تناول الروح وحقيقتها ومصيرها بعد الموت, والفصل الرابع سيتناول مكانة الإنسان ومنزلته الحقيقة سواء عند المسلمين من أهل السنة أو عند الباطنيين من أتباع الحركة, وفي الفصل الخامس سيتم تناول المعيار الذي يستخدَم في قياس الحقائق والقيم في الشريعة الإسلامية وفي الطرح الباطني لحركة العصر الجديد.
أما النشأة الكونية فيمكننا أن نتناولها من خلال أربعة مسائل:
المسألة الأولى: وجود الرب السابق لكل وجود. والثانية: خلق السماوات والأرض. والثالثة: خلق الإنسان. والرابعة: الحكمة من إيجاد الخلق.
وهذه الأربعة مسائل لا أرى أنه يلزم الوقوف عندها من ناحية التأصيل العقدي فهي أمور مسلّمة وممكن أن يُكتفى بقراءة ما تم تسطيره في الكتاب لتصوّر جيد عن هذه المسائل .
لكن الذي يحتاج إلى وقفة هو نظرة حركة العصر الجديد ألى النشأة الكونية وربما نستطيع أن نقدم لنظرة الحركة للنشأة الكونية بمقدمة يسيرة حول أنواع الآراء فيما يتعلق بنشأة الكون, وممكن أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول: هو ما كان مبنيًا على وحي, سواء كان هذا الوحي وحي صحيح كما هو في الشريعة الإسلامية أو الوحي هذا يعتبر وحي محرّف لكنه يزعم أنه وحي من عند الله أو أنه في أصله وحي من عند الله لكنه تعرّض للتحريف مثلاً . فهذا نوع من الأطروحات المتعلقة بالنشأة الكونية
النوع الثاني من الأطروحات هو ما كان ينبني على قصص وأساطير قديمة كما هو الحال في الأساطير الإغريقية أو الأساطير المصرية فتتكون وتتشكل المعتقدات المتعلقة بالنشأة الكونية بناء على تلك الأساطير وتلك القصص .
النوع الثالث من الأطروحات المتعلقة بالنشأة الكونية هي ما يكون مبنيًا على بعض المقدمات أو النظريات العلمية. وهذا قد لا يكون صائبًا في كل حال لكنه خارج من الإطار الغيبي والإطار الأسطوري إلى الإطار الحسي المادي .
الحركة -كما هو معتاد و كما هو من منهجها- تقدِّم نظرة تعتبر خليط ومزيج وتلفيق من هذه المجالات الثلاث, ولذلك نجد أنهم عندما يتحدثون عن الموجود الأول أو أصل الوجود سنجد أنهم يطلقون على هذا المسمى أسماء متعددة ومتنوعة؛ فمنهم من يطلق عليه الإله مثلاً ويظهر في ذلك التأثر بالجانب الديني, وممكن يطلقون عليه الطاو أو البراهمان وهذا يظهر عليه التعلق أيضًا بالجانب الديني لكن الديني الشرقي الفلسفي, وممكن يطلقون عليه الفراغ أو نقطة الصفر أو الطاقة, المهم أنهم يطلقون عليه مصطلحات متنوعة تتنقل من مجال إلى مجال, فمن الجانب الديني للأسطوري للجانب المتأثر بالمصطلحات العلمية فهم يعبّرون بأسماء مختلفة لكن المسمى متفق .
فعندما ننظر ونتحقق من معنى الإله في الطرح الباطني أو معنى الطاو أو معنى نقطة الصفر أو الفراغ أو الطاقة... سنجد أنهم في النهاية يعرفونه بأنه وجود مطلق، بأنه لا يمكن وصفه، بأنه حقيقة مطلقة وأنه غير منفصل عن الوجود الذي تولّد عنه وهذه النقطة المهمة في هذا الطرح , يعني لا يرون بوجود إله مباين أو إله مفارق للكائنات أو أن الأصل الذي وُجِدت منه هذه الكائنات إنما هو مفارق لها, هذا غير موجود في الفلسفة الشرقية ولا في التيارات الباطنية المتأثرة في هذا الطرح .
فالمقصود أن الموجود الأول في الطرح الباطني الحديث يختلف تمامًا عن الموجود الأول في المعتقد الإسلامي .
بعد ذلك يمكننا الانتقال إلى الحديث عن ولادة الكون عند حركة العصر الجديد, وهنا عُبّر بولادة الكون لأنه لا يمكن أن نقول عنه أنه خلق للكون أو حتى أن نقول أنه إيجاد للكون؛ لأن الآراء والأقوال التي تطرحها الحركة في هذا المجال لا يمكن أن ينطبق عليها وصف الخلق .
فلديهم أقوال متعددة لكن يمكن إجمالها في ثلاثة أقوال رئيسة:
القول الأول في مسألة ولادة الكون: هو القول بأن الكون وجد من العدم, وهذا ربما يبدو عند أول وهلة أنه متفق مع القول المستقر في الديانات الكتابية وأن الكون إنما وُجِد عن طريق الخلق فأُخرِج من العدم إلى الوجود. لكن هذا لا يعني بحال أن يكون طرحهم متفق مع الطرح الديني . فالطرح الديني يُقر بوجود كائن مباين أخرج الموجودات بأمره وبإرادته وبعلمه من العدم إلى الوجود وهو ما يعبَّر عنه بالخلق, أما في الطرح الباطني فإن هذا الموجد المباين ليس له وجود, وإنما الموجود الأول هو هذا العدم وهذا الفراغ ولا وجود غيره. ومن ثم فعندهم أن الفراغ أو العدم تجسد وتجلّت منه الموجودات فخرجت خروجًا ذاتيًا من العدم إلى الوجود, ولهم في ذلك تفسيرات متعددة كيف أنها خرجت من العدم إلى الوجود لكنها كلها لا تُقر بوجود خالق أو بوجود موجِد خارج عن هذا العدم .
الرأي الثاني: هو الذي يقول بأن الكون إنما هو جزء من الموجود الأول .
والرأي الثالث: هو الذي يقول بأن هذا الكون جاء إلى الوجود عن طريق ما يُعرَف بالفيض أو التولّد .
والفرق بين هذا والقول الأول هو أن القول الأول جعل نشأة الكون من العدم بينما القول الثالث جعل نشأة الكون هي متولدة عن وجود أسبقٍ له . فكلا القولين يقول بأن الوجود إنما كان اضطراري، وكان بغير إرادة وبغير علم لكن القول الأول يرى أن الوجود خرج من العدم والقول الثاني يرى أن الوجود خرج من وجود آخر .
لكن حقيقة أيما كانت التعابير التي عُبر بها عن هذا الموجود الأول ، الفراغ ، العدم ، الطاو ، البراهمان فأكثرها استخدامًا أو أكثرها صحة في التعبير عن مرادهم هي ما أطلق عليه أتباع الحركة ورواد الروحانيات الحديثة : الوعي .
فهم يعبرون عن هذا الوجود الأول وهذا الخالق وهذا الموجد –إن صح التعبير- بأنه هو الوعي بل هو الموجود الأوحد بمعنى أنه لا وجود في الحقيقة إلا الوعي وهذا بلا شك من المصطلحات المُجملة المُشكلة التي ينبغي للقارئ أن ينتبه له لأنه سيتكرر معنا كثيرًا خلال القراءة وسيتكرر كثيرًا في طرح الباطنيين الجدد .
مما يوضح حقيقة نظرة حركة العصر الجديد للوعي هو يمكن تلخيصه في النقل الذي نقلناه عن ديباك شوبرا في أحد كتبه لما تساءل أو نقل السؤال المشهور من الذي أوجدني؟ ثم طرح إجابتين مشهورتين هما الإجابة الدينية: خلقني الله, والإجابة العلمية: أوجدتني الطبيعة, ثم قال: لم يرضني أي من الإجابتين. ثم تكلم حتى قدّم الإجابة الشافية -بالنسبة له- والمبنية على معتقداته الباطنية فقال : أنا أوجدت نفسي .
طبعًا إيجاده لنفسه هو بناءً على معتقده في أن الموجود هو الوعي وأنه بإمكانه من خلال وعيه إيجاد ما يريد وهذا ما سيأتي الحديث عليه عندما نتكلم عن الجذب وفكرته وفلسفته والأسس العقدية التي يقوم عليها .
بعد ذلك يمكننا الانتقال إلى ما يتعلق بنشأة الإنسان ، والإنسان بلا شك هو جزء من الكون لكنه أُفرِد بالحديث لأهميته ولأن الحديث في العادة يدور حوله، لماذا وجد الإنسان؟ ما الهدف ما الغاية من إيجاده؟ .
هناك نظرتين رئيستين لما يتعلق بإيجاد الإنسان .
النظرة الأولى: هي النظرة الدينية المعروفة التي تقول بأن الله هو الذي خلق الإنسان، يعني القول بأن الإنسان مخلوق، أُوجِد كما هو بصورته التي هو عليها ثم توالد وتكاثر حتى ظهرت البشرية بصورتها التي نراها اليوم .
القول الثاني: هو القول بالتطور أو النشوء والارتقاء، ومعنى ذلك أنه لم يُخلَق إنسانًا وإنما تطور من موجودات سابقة له فكان كائن مختلف تمامًا، بدائي, ثم تطور حتى صار كائنًا آخر, ثم تطور حتى توصل في نهاية مراحله اليوم إلى الصورة التي نراها الآن بالصفة المشاهَدة للبشرية اليوم .
طبعًا والقول بالتطور والنشوء والارتقاء هو أقرب القولين لمذهب حركة العصر الجديد والتيارات الباطنية الحديثة . لكن مما يشكل أو يسبب إشكال في طرحهم الخلط المعتاد في أطروحاتهم بأنهم يستخدمون المصطلحات الدينية فيستخدمون مثلا مصطلح الخلق ويستخدمون مصطلح الإله مما يلبّس على المستمع والقارئ فيظن أن المقصود هو الإله بالمفهوم الديني أو الخلق بالمفهوم الديني وحقيقة إنما هم يلبّسون على الناس بهذه المصطلحات وإذا تأمل الإنسان مرادهم وتوضيحهم لهذه المصطلحات وحقيقتها أدرك أن المقصود ليس له أي علاقة بعقيدة الخلق عند المؤمنين.
ومن الملفت في طرح أتباع الروحانيات الحديثة وحركة العصر الجديد أنهم انتبهوا لقضية مهمة وهي أنها لا يمكن أن يقولوا باستمرارية التطور للحالة أو الخلقة البشرية؛ لأنه كما هو مشاهد منذ عصور قديمة جدًا لم يتغير في الإنسان شيء، لم تنبت له يد جديدة أو أصبح بإمكانه الطيران أو صارت له ثلاثة أعين أو غير ذلك، لا يوجد أي تطور جسدي ظاهر على الخلقة البشرية, ولذلك قالوا أن التطور مستمر لكنه ليس في الخلقة البشرية فالخلقة البشرية قد توقف التطور فيها وبقي التطور في جانب الوعي, والتطور عندهم كما ذكرت أنه ممكن التعبير عنه بأنه كالحلقة أو كالدائرة, بدأ وجود الإنسان بالوعي ثم هذا الوعي أدرك نفسه فتجلى إلى موجودات حتى أنه وصل إلى هذا الإنسان بصورته اليوم ثم بعد ذلك يمكنه أن يعود إلى هذا على الطبيعة الأصلية له وهو الطبيعة الإلهية -كما يعبرون عنها- عن طريق طرق اختيارية يتم ممارستها للرقي بالوعي وإدراك -كما يزعمون- هذه الحقيقة الإلهية .
فالتطور لم يقف عند حالة الوعي الموجودة لدى الناس اليوم وإنما بإمكانها أن تتطور حتى يصل الإنسان إلى مرحلة الألوهية، أما الجانب الجسدي فإنه قد توقف بزعمهم؛ لأن جانب الوعي أو ما يتعلق بالزعم أن يزعم الإنسان بأنه إله هذا لا يمكن تقاس ولا يمكن أن يأتي أحد ويقول لك كيف الآن أنك أدركت أنك واحد مع الإله أو ترقّى...، غير قابل حقيقة للقياس والضبط بينما الجانب الجسدي ممكن أن يُضبَط وممكن أن يُنتقَد ولذلك آثروا أن يقتصروا على الجانب غير القابل للقياس .
طبعًا غاية الوجود عند أتباع الحركة هي متفقة مع غاية الوجود في الفلسفات الشرقية لأنه كما سبق أن ذكرنا أن الفلسفات الشرقية هي أكثر الجذور المؤثرة في أفكار الحركة.
فالهدف والغاية من الوجود هو الخروج من دوامة التناسخ، الغاية أو الهدف ممكن أن يقال عنه أنه إدراك الحقيقة الإلهية في الذات البشرية ونحو ذلك من الغايات .
ولا شك أن المعتقدات التي تُقَرَّر في عقيدة أو نظرة الحركة للنشأة الكونية مناقضة بشكل أصيل لعقيدة الربوبية, فهي مناقضة لوجود الرب أصلاً ثم مناقضة لأوليته، مناقضة لخلقه، لإرادته، مناقضة لجميع خصائص الربوبية؛ لأن الذي يعتقد بوحدة الوجود هو في الحقيقة منكر للرب تمامًا وما يتعلق بذلك من خصائص الربوبية .
الانفجار العظيم
من: 176 — إلى: 176
الشيخ محمد صالح المنجد: https://youtu.be/Ujc3Qvh2Q2Q
لا يوجد مناقشات
لا يوجد اقتباسات
مريم إبراهيم
ماذا يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله : (العقل ليس جوهراً قائماً بنفسه) ؟
د.هيفاء بنت ناصر الرشيد
العقل هو عمليات فكرية وليس شيئًا متجسدًا كالدماغ.