شموع النهار

الأوراد/ الورد الثالث (٥٧-٨٤)

هذا ملخص يتضمن أهم النقاط الرئيسية والأفكار المهمة؛ لذا هو لا يغني عن الكتاب، صممناه لكم بشكل مريح يساعد على ترتيب المعلومة وفهمها

  • بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.. نستكمل استعراض الورد التالي وهو متعلق بالمستوى الثاني من دلالة الفطرة على وجود الله -تبارك وتعالى-. المستوى الثاني كما عنون له هو النزعة الأخلاقية، بمعنى آخر أن من المعاني الفطرية التي يجدها الإنسان في نفسه ضرورة: استشعار قيم أخلاقية معينة، وأن هذه القيم الأخلاقية تتسم بصفة الإطلاق والموضوعية؛ فالإنسان يستشعر أن قيمة العدل قيمة أخلاقية كبرى، قيمة الظلم من القيم الأخلاقية السلبية، وأنه يستشعر أن هذه المعاني وهذه القيم هي مستقلة عن وجودهم, متجاوزة للإطار المادي الذي يعيش فيه الإنسان، فلا بد من تطلب وجه الجواب على سؤالين أساسيين -مثل ما تكلمنا في المبادئ العقلية الضرورية-: من أين وجدت هذه الفطرة؟ من أين وجدت هذه النزعة الأخلاقية الموجودة عند الإنسان؟ ومن أين تكتسب هذه القيم الأخلاقية قيمتها الموضوعية التي يستشعر الإنسان ضرورة من وجودها أنها متجاوزة لوجوده بل متجاوزة لوجود المادة؟ بطبيعة الحال -كما ذكرنا في المبادئ العقلية الضرورية- أن التصور الديني, التصور الذي يستصحب الإيمان بالله -تعالى- يستطيع أن يبني تصورًا فلسفيًا أخلاقيًا يتعلق بمثل هذين السؤالين بخلاف الرؤية الإلحادية التي تقف عاجزة عن تقديم الجواب عن السؤال الأول: كيف وجدت هذه النزعة الأخلاقية عند الإنسان ابتداء ثم هي تقف بشكل أكثر عجزًا عن الإجابة عن السؤال الثاني -وهو السؤال المُشكل-: من أين تكتسب هذه القيم الأخلاقية قيمتها الموضوعية المطلقة؟ ولذا -وهذا من المعاني التي نبهت إليها وأشرت إليها في البحث- أني وجدت ثمة حالة من حالات الهروب الذي يمارسه كثير من الملاحدة عندما يُطرح عليهم سؤال: من أين تعتقدون أن لهذه القيم الأخلاقية (قيمة العدل وقيمة الصدق) أنها قيمة أخلاقية إيجابية بشكل مطلق؟ كيف تعرفتم وكيف توصلتم إلى إدراك مثل هذه الحقيقة؟ وجدت دائمًا حال من حالات الهروب الغريب والمريب من السؤال المتعلق بوجود هذه القيمة الأخلاقية والحديث عن كيفية التعرف على القيم الأخلاقية الحسنة والرديئة, يعني تجد كثير منهم عندما يناظر نصرانيًا يقول له عندما يسأله عن كيف تعتقد بوجود القيم الأخلاقية المطلقة؟ فينتقل البحث مباشرة إلى سؤال أو جواب مختلف تمامًا وهو يقول له: هل تريد أن أعتقد أن الكتاب المقدس مثلا هو مصدر معرفة الأخلاق الحسنة والرديئة؟ الكتاب المقدس فيه وفيه... وهكذا, لما يدقق الإنسان الملاحظة فسيلحظ أن ثمة حالة من حالات الهروب من سؤال لتقديم جواب لا يتطابق مع ذلك السؤال، يعبرون عن السؤال الأول المتعلق بوجود الأشياء بالسؤال الأنطولوجي، والسؤال الثاني يعبرون عنه فلسفيًا بالسؤال الأبستمولوجي. السؤال الأول: كيف يتعرف الإنسان على وجود الأشياء؟ المبحث الفلسفي الآخر الابستمولوجي: كيف يتعرف الإنسان على الأشياء؟ حتى أقرب مدلول الكلمتين هاتين معتذرًا عن تعقيدها الفلسفي لكن أظن من الضروري التنبيه عليه وقد توضح شيئًا من غامض المادة العلمية في الكتاب: أن أحد أشهر المسائل الخلافية بين الطيف الإسلامي والطيف العلماني هو: اعتقاد حاكمية الشريعة. بمعنى آخر الطيف الإسلامي يعتقد أن الإسلام هو الحل ويعتقد أن الله -عز وجل- قد أنزل وحيًا على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن الله طلب من عباده أن يطبقوا شريعة الإسلام. عندما تُعرض هذه القضية على كثير من الخطابات العلمانية تجد العلماني ينتقل مباشرة إلى إيراد استشكال على الحالة الإسلامية فيقول له: أي شريعة تريد أن يُطبق؟ هل تريد شريعة كما يعبرون هم الفقه السني أو الفقه الشيعي أو الفقه الإباضي. داخل الدائرة السنية: هل الفقه الحنبلي أم الفقه المالكي أم الشافعي أم الحنفي؟ وهكذا. لما يدقق الإنسان في طبيعة الجدل الذي يدور بين الإسلاميين والعلمانيين هنا سيلحظ أن ثمة حالة من حالات الهروب من السؤاال الانطولوجي المتعلق بحاكمية الشريعة إلى السؤال الابستمرلوجي. بمعنى آخر عندما يسأل العلماني: أي شريعة يجب أن يطبق؟ فهو في حقيقة الأمر هل هو يستبطن الإيمان بالله ثمة شريعة موجودة يجب أن تطبَّق فيأتي الاستشكال: أي شريعة وكيف نتعرف على الشريعة الموجودة التي يجب أن تطبق. المشكلة في الخطاب العلماني أنه لا يعتقد بوجود شريعة في الأرض يجب أن تطبَّق لكنه يهرب إلى السؤال الثاني لمحاولة إحراج الخطاب الإسلامي, بمعنى آخر أنه لا يصح للإسلاميين أن يقفزوا للجواب إلى المربع الثاني ما لم يقر العلماني بوجود شريعة في الأرض يجب أن تطبق ثم نستطيع أن نوجد الآليات لكيفية التوصل لتلك الشريعة التي يجب أن تطبق. المستوى الأول الذي هو البرهنة والتدليل على وجود شريعة أنزلها الله -عز وجل- يجب أن تطبق هو السؤال الانطولوجي: كيف نتعرف ونتوصل إلى هذه الشريعة التي يجب أن نطبقها في الأرض؟ هذا هو السؤال الابستمرلوجي. فيما يتعلق بالأخلاق, السؤال الأول: هل للعدل قيمة أخلاقية موضوعية مطلقة؟ هل العدل قيمة موجودة مستقلة عن الوجود الآدمي الإنساني؟ السؤال الثاني: كيف يستطيع الإنسان أن يتعرف على كون العدل قيمة إيجابية أم ليست إيجابية؟ المشكلة العاصفة التي تحرج الخطاب الإلحادي والخطاب العلماني بشكل كبير جدًا: أن الرؤية الإلحادية التي تسنبطن رؤية مادية لا تستطيع أن تقدم لنا قاعدة فلسفية تتأسس في ضوئها اعتقاد وجود مثل هذه القيم الأخلاقية المطلقة. قصارى ما يستطيع أن يقدمه الخطاب العلماني: إما الصمت والسكوت المطبق على مثل هذه القضية أو الإحالة على بُعد نسبي يتعلق بالأخلاق، بمعنى آخر أنه بالنسبة لمجتمع من المجتمعات هذا خلق سيء ورديء, وقد يكون حسن في مجتمع آخر, قد يكون مناسب أن يمارس الإنسان فعل الصدق فيه بيئة اجتماعية معينة وفي ظرف معين وقد لا يكون مناسبًا في ظرف آخر. فالشاهد: أن كلا المستويين أو السؤالين المتعلقين بالقيم الأخلاقية من السؤلات التي تحرج الخطاب الإلحادي بشكل كبير. كيف وجدت هذه النزعة عند الإنسان التي يستشعر الإنسان منها ضرورة أن للأخلاق وجودها المطلق المتجاوز لوجوده؛ كقيمة العدل وقيمة الصدق إيجابًا وحُسنًا، والكذب والظلم قبحًا وسوءًا. المستوى الثاني: من أين تكتسب هذه القيم الأخلاقية قيمتها المطلقة؟ الرؤية الدينية التي تعتقد بوجود الله -سبحانه وتعالى- تستطيع أنها تخرج عن الإطار المادي في تفسير الظواهر بخلاف الرؤية الإلحادية التي تقع أسيرة للرؤية المادية وفي ظلها لا يستطيع الإنسان أن يقدم جوابًا على مثل هذا المعطى وهذه القضية. ولذا من العبارات المشهورة جدًا الوجودة في الرواية الشهيرة [الإخوة كرامازوف] لمؤلفه: دوستويفسكي, ذكر عبارة شهيرة في هذا الإطار يقول فيه -وهي عبارة عميقة-: ولكن ما الذي سيصير إليه الإنسان في هذا كله بغير إله وبغير حياة آخرة, وإذن فمعنى هذا أن كل شيء سيكون مباحًا بعد الآن وأنه في وسع الإنسان أن يفعل ما يشاء. بمعنى آخر: إذا لم يكن الله -عز وجل- موجودًا فإن كل شيء يكون مباحًا. سعيت في المادة باختصار للحديث عن هذه القضية والحديث عن بعض المحاولات الموجودة داخل الخطاب الإلحادي لتقديم رؤية فلسفية وهي تعبر عن حالة من العجز المطبِق ثم لما يأتون إلى تفاصيل المشهد الأخلاقي يقعون في طوام وإشكاليات, ونقلت بعض الاعترافات الموجودة عند الملاحدة في حالة الحرج من بحث البُعد الفلسفي الأخلاقي, ومثل ريتشارد دوكنز نقلت عدة نقول عنه تعبر عن هذه الفكرة المشكِلة الموجودة في الخطاب الإلحادي. باختصار شديد... ذكرت مثال -وأظنه مثال معبر- أنه لو تصورنا أن عندنا أربعة أشخاص؛ أثنان متدينان، واثنان ملاحدة، أحد هؤلاء المتدينان متدين أخلاقي يقابله متدين غير أخلاقي وعندنا ملحد أخلاقي وملحد غير أخلاقي، وأردنا أن نقارن بين ممارستهم العملية الأخلاقية مع تصورهم النظري المتعلق بوجود الله -عز وجل-, فالمؤمن الأخلاقي الذي يؤمن بالله -عز وجل- يمارس الفعل الأخلاقي الحسن ثمة حالة من حالات التوافق والتواؤم بين رؤيته الكونية المتضمنة للإيمان بوجود الله -عز وجل- مع الممارسة الفعلية العملية. والمؤمن غير الأخلاقي ثمة حالة من المنافرة بين السلوك العملي وبين التصور النظري المتعلق بالإيمان بوجود الله -عز وجل. الملحد الأخلاقي ثمة حالة من حالات النفرة بين تصوره النظري الذي يستبعد وجود الله وبين ممارسته الأخلاقية. الملحد غير الأخلاقي ثمة حالة من حالات التواؤم الغريب بين النظرية التي تبناها وبين الفعل والسلوك الذي يمارسه. طبعًا الأزمة التي تعصف بالخطاب الإلحادي المعاصر: أنه يحاول أن يقدم نفسه على أنه خطاب إلحادي أخلاقي وأنه خطاب إنساني ولكن في حقيقة الأمر نجد أن كافة الأطروحات التي يقدمها هذا الخطاب تقف عاجزة تمام العجز عن إقامة الرؤية الأخلاقية وذلك في ظل تنكرها لوجود الله -تبارك وتعالى. فخلاصة هذا المبحث كالمبحث الماضي: أن الضريبة التي يدفعها الملحد حين ينكر وجود الله -تبارك وتعالى- ضريبة باهظة؛ ضريبة على المستوى المعرفي بإنكار المبادئ العقلية الضرورية وضريبة على المستوى الأخلاقي أيضًا, فلا يستطيع الملحد أن يعترف بالبُعد الأخلاقي ما لم يكن مؤمنًا بوجود الخالق -تبارك وتعالى.
    تعليق على الورد الثالث

    بصوت الكاتب

    6
    12
    00:00
    تحميل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد..
نستكمل استعراض الورد التالي وهو متعلق بالمستوى الثاني من دلالة الفطرة على وجود الله -تبارك وتعالى-.
المستوى الثاني كما عنون له هو النزعة الأخلاقية، بمعنى آخر أن من المعاني الفطرية التي يجدها الإنسان في نفسه ضرورة: استشعار قيم أخلاقية معينة، وأن هذه القيم الأخلاقية تتسم بصفة الإطلاق والموضوعية؛ فالإنسان يستشعر أن قيمة العدل قيمة أخلاقية كبرى، قيمة الظلم من القيم الأخلاقية السلبية، وأنه يستشعر أن هذه المعاني وهذه القيم هي مستقلة عن وجودهم, متجاوزة للإطار المادي الذي يعيش فيه الإنسان، فلا بد من تطلب وجه الجواب على سؤالين أساسيين -مثل ما تكلمنا في المبادئ العقلية الضرورية-: من أين وجدت هذه الفطرة؟ من أين وجدت هذه النزعة الأخلاقية الموجودة عند الإنسان؟ ومن أين تكتسب هذه القيم الأخلاقية قيمتها الموضوعية التي يستشعر الإنسان ضرورة من وجودها أنها متجاوزة لوجوده بل متجاوزة لوجود المادة؟
بطبيعة الحال -كما ذكرنا في المبادئ العقلية الضرورية- أن التصور الديني, التصور الذي يستصحب الإيمان بالله -تعالى- يستطيع أن يبني تصورًا فلسفيًا أخلاقيًا يتعلق بمثل هذين السؤالين بخلاف الرؤية الإلحادية التي تقف عاجزة عن تقديم الجواب عن السؤال الأول: كيف وجدت هذه النزعة الأخلاقية عند الإنسان ابتداء ثم هي تقف بشكل أكثر عجزًا عن الإجابة عن السؤال الثاني -وهو السؤال المُشكل-: من أين تكتسب هذه القيم الأخلاقية قيمتها الموضوعية المطلقة؟
ولذا -وهذا من المعاني التي نبهت إليها وأشرت إليها في البحث- أني وجدت ثمة حالة من حالات الهروب الذي يمارسه كثير من الملاحدة عندما يُطرح عليهم سؤال: من أين تعتقدون أن لهذه القيم الأخلاقية (قيمة العدل وقيمة الصدق) أنها قيمة أخلاقية إيجابية بشكل مطلق؟ كيف تعرفتم وكيف توصلتم إلى إدراك مثل هذه الحقيقة؟ وجدت دائمًا حال من حالات الهروب الغريب والمريب من السؤال المتعلق بوجود هذه القيمة الأخلاقية والحديث عن كيفية التعرف على القيم الأخلاقية الحسنة والرديئة, يعني تجد كثير منهم عندما يناظر نصرانيًا يقول له عندما يسأله عن كيف تعتقد بوجود القيم الأخلاقية المطلقة؟ فينتقل البحث مباشرة إلى سؤال أو جواب مختلف تمامًا وهو يقول له: هل تريد أن أعتقد أن الكتاب المقدس مثلا هو مصدر معرفة الأخلاق الحسنة والرديئة؟ الكتاب المقدس فيه وفيه... وهكذا, لما يدقق الإنسان الملاحظة فسيلحظ أن ثمة حالة من حالات الهروب من سؤال لتقديم جواب لا يتطابق مع ذلك السؤال، يعبرون عن السؤال الأول المتعلق بوجود الأشياء بالسؤال الأنطولوجي، والسؤال الثاني يعبرون عنه فلسفيًا بالسؤال الأبستمولوجي.
السؤال الأول: كيف يتعرف الإنسان على وجود الأشياء؟
المبحث الفلسفي الآخر الابستمولوجي: كيف يتعرف الإنسان على الأشياء؟
حتى أقرب مدلول الكلمتين هاتين معتذرًا عن تعقيدها الفلسفي لكن أظن من الضروري التنبيه عليه وقد توضح شيئًا من غامض المادة العلمية في الكتاب: أن أحد أشهر المسائل الخلافية بين الطيف الإسلامي والطيف العلماني هو: اعتقاد حاكمية الشريعة.
بمعنى آخر الطيف الإسلامي يعتقد أن الإسلام هو الحل ويعتقد أن الله -عز وجل- قد أنزل وحيًا على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن الله طلب من عباده أن يطبقوا شريعة الإسلام. عندما تُعرض هذه القضية على كثير من الخطابات العلمانية تجد العلماني ينتقل مباشرة إلى إيراد استشكال على الحالة الإسلامية فيقول له: أي شريعة تريد أن يُطبق؟ هل تريد شريعة كما يعبرون هم الفقه السني أو الفقه الشيعي أو الفقه الإباضي. داخل الدائرة السنية: هل الفقه الحنبلي أم الفقه المالكي أم الشافعي أم الحنفي؟ وهكذا.
لما يدقق الإنسان في طبيعة الجدل الذي يدور بين الإسلاميين والعلمانيين هنا سيلحظ أن ثمة حالة من حالات الهروب من السؤاال الانطولوجي المتعلق بحاكمية الشريعة إلى السؤال الابستمرلوجي.
بمعنى آخر عندما يسأل العلماني: أي شريعة يجب أن يطبق؟ فهو في حقيقة الأمر هل هو يستبطن الإيمان بالله ثمة شريعة موجودة يجب أن تطبَّق فيأتي الاستشكال: أي شريعة وكيف نتعرف على الشريعة الموجودة التي يجب أن تطبق.
المشكلة في الخطاب العلماني أنه لا يعتقد بوجود شريعة في الأرض يجب أن تطبَّق لكنه يهرب إلى السؤال الثاني لمحاولة إحراج الخطاب الإسلامي, بمعنى آخر أنه لا يصح للإسلاميين أن يقفزوا للجواب إلى المربع الثاني ما لم يقر العلماني بوجود شريعة في الأرض يجب أن تطبق ثم نستطيع أن نوجد الآليات لكيفية التوصل لتلك الشريعة التي يجب أن تطبق.
المستوى الأول الذي هو البرهنة والتدليل على وجود شريعة أنزلها الله -عز وجل- يجب أن تطبق هو السؤال الانطولوجي: كيف نتعرف ونتوصل إلى هذه الشريعة التي يجب أن نطبقها في الأرض؟ هذا هو السؤال الابستمرلوجي.
فيما يتعلق بالأخلاق, السؤال الأول: هل للعدل قيمة أخلاقية موضوعية مطلقة؟ هل العدل قيمة موجودة مستقلة عن الوجود الآدمي الإنساني؟
السؤال الثاني: كيف يستطيع الإنسان أن يتعرف على كون العدل قيمة إيجابية أم ليست إيجابية؟ المشكلة العاصفة التي تحرج الخطاب الإلحادي والخطاب العلماني بشكل كبير جدًا: أن الرؤية الإلحادية التي تسنبطن رؤية مادية لا تستطيع أن تقدم لنا قاعدة فلسفية تتأسس في ضوئها اعتقاد وجود مثل هذه القيم الأخلاقية المطلقة. قصارى ما يستطيع أن يقدمه الخطاب العلماني: إما الصمت والسكوت المطبق على مثل هذه القضية أو الإحالة على بُعد نسبي يتعلق بالأخلاق، بمعنى آخر أنه بالنسبة لمجتمع من المجتمعات هذا خلق سيء ورديء, وقد يكون حسن في مجتمع آخر, قد يكون مناسب أن يمارس الإنسان فعل الصدق فيه بيئة اجتماعية معينة وفي ظرف معين وقد لا يكون مناسبًا في ظرف آخر.
فالشاهد: أن كلا المستويين أو السؤالين المتعلقين بالقيم الأخلاقية من السؤلات التي تحرج الخطاب الإلحادي بشكل كبير. كيف وجدت هذه النزعة عند الإنسان التي يستشعر الإنسان منها ضرورة أن للأخلاق وجودها المطلق المتجاوز لوجوده؛ كقيمة العدل وقيمة الصدق إيجابًا وحُسنًا، والكذب والظلم قبحًا وسوءًا.
المستوى الثاني: من أين تكتسب هذه القيم الأخلاقية قيمتها المطلقة؟
الرؤية الدينية التي تعتقد بوجود الله -سبحانه وتعالى- تستطيع أنها تخرج عن الإطار المادي في تفسير الظواهر بخلاف الرؤية الإلحادية التي تقع أسيرة للرؤية المادية وفي ظلها لا يستطيع الإنسان أن يقدم جوابًا على مثل هذا المعطى وهذه القضية.
ولذا من العبارات المشهورة جدًا الوجودة في الرواية الشهيرة [الإخوة كرامازوف] لمؤلفه: دوستويفسكي, ذكر عبارة شهيرة في هذا الإطار يقول فيه -وهي عبارة عميقة-: ولكن ما الذي سيصير إليه الإنسان في هذا كله بغير إله وبغير حياة آخرة, وإذن فمعنى هذا أن كل شيء سيكون مباحًا بعد الآن وأنه في وسع الإنسان أن يفعل ما يشاء.
بمعنى آخر: إذا لم يكن الله -عز وجل- موجودًا فإن كل شيء يكون مباحًا.
سعيت في المادة باختصار للحديث عن هذه القضية والحديث عن بعض المحاولات الموجودة داخل الخطاب الإلحادي لتقديم رؤية فلسفية وهي تعبر عن حالة من العجز المطبِق ثم لما يأتون إلى تفاصيل المشهد الأخلاقي يقعون في طوام وإشكاليات, ونقلت بعض الاعترافات الموجودة عند الملاحدة في حالة الحرج من بحث البُعد الفلسفي الأخلاقي, ومثل ريتشارد دوكنز نقلت عدة نقول عنه تعبر عن هذه الفكرة المشكِلة الموجودة في الخطاب الإلحادي.
باختصار شديد... ذكرت مثال -وأظنه مثال معبر- أنه لو تصورنا أن عندنا أربعة أشخاص؛ أثنان متدينان، واثنان ملاحدة، أحد هؤلاء المتدينان متدين أخلاقي يقابله متدين غير أخلاقي وعندنا ملحد أخلاقي وملحد غير أخلاقي، وأردنا أن نقارن بين ممارستهم العملية الأخلاقية مع تصورهم النظري المتعلق بوجود الله -عز وجل-, فالمؤمن الأخلاقي الذي يؤمن بالله -عز وجل- يمارس الفعل الأخلاقي الحسن ثمة حالة من حالات التوافق والتواؤم بين رؤيته الكونية المتضمنة للإيمان بوجود الله -عز وجل- مع الممارسة الفعلية العملية.
والمؤمن غير الأخلاقي ثمة حالة من المنافرة بين السلوك العملي وبين التصور النظري المتعلق بالإيمان بوجود الله -عز وجل.
الملحد الأخلاقي ثمة حالة من حالات النفرة بين تصوره النظري الذي يستبعد وجود الله وبين ممارسته الأخلاقية.
الملحد غير الأخلاقي ثمة حالة من حالات التواؤم الغريب بين النظرية التي تبناها وبين الفعل والسلوك الذي يمارسه.
طبعًا الأزمة التي تعصف بالخطاب الإلحادي المعاصر: أنه يحاول أن يقدم نفسه على أنه خطاب إلحادي أخلاقي وأنه خطاب إنساني ولكن في حقيقة الأمر نجد أن كافة الأطروحات التي يقدمها هذا الخطاب تقف عاجزة تمام العجز عن إقامة الرؤية الأخلاقية وذلك في ظل تنكرها لوجود الله -تبارك وتعالى.
فخلاصة هذا المبحث كالمبحث الماضي: أن الضريبة التي يدفعها الملحد حين ينكر وجود الله -تبارك وتعالى- ضريبة باهظة؛ ضريبة على المستوى المعرفي بإنكار المبادئ العقلية الضرورية وضريبة على المستوى الأخلاقي أيضًا, فلا يستطيع الملحد أن يعترف بالبُعد الأخلاقي ما لم يكن مؤمنًا بوجود الخالق -تبارك وتعالى.

هي كلمة يونانية مكونة من مقطعين: (ميتا) بمعنى (بعد/ما وراء)، و(فيزيقا) بمعنى الطبيعة، فترجمتها الحرفية (علم ما وراء الطبيعة). وأحد تعريفاتها: أنها تعنى بكل ما هو مغيب أو غير مدرك بالحواس والتجربة. [مذكرة المستوى الأول لبرنامج صناعة المحاور، الدفعة الرابعة، ص302]

العدمية مذهب أدبي وفلسفي ملحد، اهتم بالعدم باعتباره الوجه الآخر للوجود، بل هو نهاية الوجود، وبه نعرف حقيقة الحياة بعيداً عن النظرة المثالية والنظرة الواقعية السطحية. [الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي]

العبثية مدرسة أدبية فكرية، تدعي أن الإنسان ضائع لم يعد لسلوكه معنى في الحياة المعاصرة، ولم يعد لأفكاره مضمون وإنما هو يجتر أفكاره لأنه فقد القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطبيعي، نتيجة للرغبة في سيطرة الآلة على الحياة لتكون في خدمة الإنسان حيث انقلب الأمر فأصبح الإنسان في خدمة الآلة، وتحول الناس إلى تروس في هذه الآلة الاجتماعية الكبيرة. [الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي]

أول ظهور للمصطلح كان في عصر النهضة (القرن السادس عشر) وأطلق على حركة توجهت للدراسات الإنسانية الأدبية، وسعت لإحياء التراث اليوناني والروماني. ثم تبلور المصطلح بعد ذلك حتى صار يشير لحركة أوضح سماتها السعي إلى الإعلاء من سلطان العقل، ومقاومة السلطة، والجمود، وسبيل أنصارها تحطيم قيود العصر الوسيط. من هنا نرى أنها تمثل تمركز الإنسان حول ذاته مع زعمه الاستغناء بالعقل بعيدًا عن أي مرجعية دينية متعالية. [مذكرة المستوى الأول لبرنامج صناعة المحاور، الدفعة الرابعة، ص303]

فرع من فروع الفلسفة يبحث في أصل المعرفة وبنيتها ومناهجها ومصداقيتها. [مذكرة المستوى الأول لبرنامج صناعة المحاور، الدفعة الرابعة، ص298]

الأنطولوجيا (مبحث الوجود): هو فرع من الميتافيزيقا، وهو أحد مباحث الفلسفة الرئيسية الثلاثة وهي: الابستمولوجيا (مبحث المعرفة)، والأنطولوجيا (مبحث الوجود)، والأكسولوجيا (مبحث القيم). وهو يبحث في حقيقة الوجود وصفاته بإطلاق من حيث هو، مجردًا عن كل تعيين أو تحديد، ويترك البحث في الوجود من نواحيه المختلفة ودراسة ظواهر جزئية فيه للعلوم الطبيعية والرياضية والإنسانية. [مذكرة المستوى الأول لبرنامج صناعة المحاور، الدفعة الرابعة، ص298، بتصرف يسير]

لا يوجد مناقشات

لا يوجد اقتباسات
لا يوجد استفسارات